رأي

لاريجاني يفعّل تكتيكات جديدة: إيران تتابع ورشة ما بـعد الحرب

تعيد إيران ترتيب مؤسساتها الأمنية بعد الحرب بتكليف لاريجاني رئاسة المجلس الأعلى للأمن القومي، لتفعيل أدوات الدفاع ومواجهة الضغوط الداخلية والخارجية.

كتب حسن حيدر, في الأخبار:

سارعت إيران، بعد الحرب الإسرائيلية – الأميركية عليها، إلى إعادة ترتيب أوراقها الداخلية على المستويَين العسكري والسياسي. وهي كانت، إبّان الحرب نفسها، أجرت تعيينات مهمّة عقب الاغتيالات التي طاولت قيادات أمنية وعسكرية رفيعة المستوى، فضلاً عن أنها اتّخذت إجراءات ظَلّ الكثير منها طيّ الكتمان لدواعٍ أمنية. ولعلّ أهمّ قراراتها الأخيرة، كان تشكيل «لجنة الدفاع الوطني»، التابعة مباشرة لـ«المجلس الأعلى للأمن القومي»، الذي شهد بدوره تعيين علي لاريجاني أميناً له.

ورغم أنّ هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة تؤدّي دوراً مهمّاً في إدارة العمليات العسكرية، يبدو أنّ لمجلس الدفاع دوراً محوريّاً لجهة الربط بين السلطة التنفيذية في البلاد، والقادة العسكريين، ما شأنه أن يُحدث فرقاً كبيراً من حيث سرعة اتخاذ القرار ودقّته. ويحافظ هذا المجلس، بفضل تشكيلته الفريدة من الخبراء العسكريين والمديرين الحكوميين، على استعداد البلاد لمواجهة التهديدات، حتى لا تفاجَأ إدارة الدولة في ظروف الأزمات والحروب. وفي ظلّ عدم قدرة المنظّمات الدولية والأمم المتحدة على تأدية دور فعّال في ردع الاعتداءات، تتضاعف أهميّة وجود مثل هذه اللجنة؛ ومن أبرز مهامها توحيد جهود الأجهزة العسكرية والحكومية للحفاظ على أمن البلاد وسلامة أراضيها.

في المقابل، ثمّة تحدّيات كبيرة يواجهها الأمين الجديد للمجلس الأعلى للأمن القومي؛ إذ سيكون عليه الانطلاق أولاً من البعد الداخلي، وصولاً إلى الملفات الإقليمية، ثمّ الدُّولية. ومن أبرز مهامّ لاريجاني: الحفاظ على التوازن في البيئة الداخلية للبلاد عبر تحقيق استقرار سياسي ملموس، وضمان الأمن الاقتصادي، والحفاظ على تماسك النسيج الشعبي الذي يعَدّ الحجر الأساس في إفشال أيّ محاولات لضرب إيران؛ على أن تكون السياسات موجّهة خصوصاً نحو تحسين مستوى معيشة الناس، وتقليل التوتّرات الداخلية، وتخفيف الضغط الاقتصادي. ذلك بأنّ أيّ انعدام للاستقرار السياسي، ناجم عن استياء اجتماعي أو خلافات داخلية، يمكن أن يحدّ من قدرة مجلس الأمن القومي على اتّخاذ قرارات صائبة، وأن يهدر طاقته في أمور أخرى.

تتطلّب الإصلاحات الأمنية موازنة ضخمة وموارد تكنولوجية جديدة وفعّالة

كذلك، تتطلّب الإصلاحات الأمنية موازنة ضخمة وموارد تكنولوجية جديدة وفعّالة، وهو ما سيصعب الحصول عليه في حال استمرار العقوبات الحالية، إضافة إلى خطر فرض عقوبات جديدة في ظلّ التلويح الغربي بتفعيل «آلية الزناد» (snapback mechanism)، ما من شأنه أن يؤدّي إلى تصاعد الضغوط الاقتصادية.

وفي هذا الصدد، يبدو من الضروري تشكيل مجالس استثنائية للأمن الاقتصادي والدفاع العسكري، تكون مهمّتها مراقبة العُملة، والحفاظ على الاحتياطيات الإستراتيجية، وتأمين البنية التحتية؛ والاهتمام أيضاً بشكل جدّي بتأمين السلع الأساسية (المواد الغذائية، الأدوية، الوقود، الماء، والكهرباء) التي ستكون معرّضة للخطر في حال تصعيد العقوبات، إلى جانب تشكيل فِرق حماية وأمن لمنع الاحتكار والسرقات والتخريب الاقتصادي.

وفي موازاة الحراك الداخلي، ظهر توجّه في إيران لإقامة جسور اتصال مع الحكومات التي لديها القدرة على مساعدتها في حالات الأزمات، عبر المساهمة في تقليل الواردات والاستثمارات الفورية والسريعة لتأمين السلع الإستراتيجية، التي يمكن أن تضمن الأمن الاقتصادي إلى حدّ ما، في حال تفعيل «آلية الزناد».

وفي ظلّ الظروف التي تتطلّب فيها قضايا الأمن القومي والملفات الحسّاسة قرارات دقيقة ومنسّقة، يمكن أن تؤدّي تجربة لاريجاني وخبرته، دوراً حاسماً في رفع جودة إدارة هذه المجالات. وبالاعتماد على سجلّ الرجل المتميّز في الملفّ النووي والديبلوماسية الإقليمية، يُتوقّع أن يزداد التركيز على السياسات الإستراتيجية والتوازن بين القوّتَين الصلبة والناعمة في مجال الأمن القومي.

وهكذا، فإنّ الحفاظ على حالة تأهّب عسكري في البلاد، في موازاة الحفاظ على الهدوء العام في المجتمع، يعَدّ مزيجاً من الأضدّاد التي تنبغي معالجتها بأقصى درجات الدقّة. كما من الضروري الاستفادة من الفرصة الحالية لمعالجة الأزمات والتحدّيات الأساسية القائمة في إيران، وبالتالي، العمل بشكل جدّي وسريع للقضاء على التهديدات الأخرى التي تعرّض أمن المجتمع للخطر، وتحضير المواطنين لأيّ مواجهة عسكرية مقبلة.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى