لإخراج قضيّة النزوح من دائرة التجاذب
كتب رامي الرّيس, في”نداء الوطن” :
هل المشكلة حقاً في قبول المساعدات الأوروبيّة التي تبلغ قيمتها مليار دولار؟ أم أنها تكمن في عمق المقاربة اللبنانيّة حيال ملف النازحين الشائك والحساس؟ وهل أنّ القضيّة تقتصر حصراً على كيفيّة تعامل المجتمع الدولي مع قضية النزوح السوري (وهو تعامل إشكالي من دون شك)؟ أم في ضرورة تجاوز الانقسام اللبناني إزاء هذا الأمر (أسوة بالانقسامات اللبنانيّة في ما خص كل الأمور الأخرى)؟
لا للتعامل مع قضية النزوح السوري من باب الإنكار لوجودها والتعمية عن نتائجها السلبيّة، ولا من باب المقاربة العنصريّة والفوقيّة التي تضع جميع السوريين المتواجدين في لبنان في «سلة واحدة». أي من المقاربتين تؤديان إلى المزيد من الفوضى والشرذمة في المجتمع اللبناني.
عندما طرحت بعض الأطراف السياسيّة في مطلع حقبة الثورة السوريّة إقامة مخيمات للنازحين بما يساعد على توفير المستلزمات الأمنيّة والصحيّة والاجتماعيّة بطريقة منظمة، قامت الدنيا ولم تقعد واستحضرت بعض القوى مواقفها العنصرية تجاه اللاجئين الفلسطينيين الذين يتمسكون بحق العودة أكثر من اللبنانيين، ورشقوا إقتراح إقامة المخيمات بكل الحجارة السياسيّة والإعلاميّة المتوفرة بين أيديهم وأجهض الاقتراح بطبيعة الحال، وحصل الانتشار في كل المناطق من دون إستثناء.
الأكيد أنه لا يجوز أن تكون أي مقاربة في تقييم أو تصنيف فئات السوريين المتواجدين في لبنان على معيار واحد. هناك فئات مختلفة من بينهم رجال أعمال ومستثمرون (وبعضهم خسروا ودائعهم في المصارف اللبنانيّة أسوة باللبنانيين وهي كانت ودائع ماليّة كبيرة)، وبعضهم عمال موسميون غالباً ما يحتاجهم قطاع البناء والمقاولات اللبناني وهي ظاهرة تاريخيّة قديمة سابقة لمرحلة الحرب السوريّة.
وهناك أيضاً فئات ممن دخلوا خلسة هرباً من الواقع الأمني في سوريا والحرب التي استعرت هناك، وهؤلاء من المفترض أن تشارك في المسؤولية عنهم الأمم المتحدة بشكل أو بآخر، كما أنّ هناك فئات أخرى تتطلب دراسة حالاتها بشكل مباشر بما يتوافق مع القوانين الدوليّة والأعراف المرعيّة الإجراء في الحالات المماثلة. فالنزوح السوري إلى لبنان ليس أول نزوح من نوعه من بلد إلى آخر. المهم ألا يبقى الانقسام اللبناني عميقاً حيال هذه القضيّة وأن تعالج بهدوء، إنما بسرعة وفاعليّة، بعيداً عن الضوضاء الإعلاميّة والمقاربات العنصريّة التي قد تولد الفوضى في القرى والبلدات اللبنانيّة وتؤسس لمناخات من التوتر والنزعات الانتقاميّة غير المرغوب فيها.
الأجهزة الأمنيّة والعسكريّة اللبنانيّة تقوم بكل ما يمكنها القيام به على ضوء الإمكانيات البشريّة والماديّة واللوجستيّة المتوفرة لديها، وهي ينقصها الكثير حتماً، لذلك، دعمها ضروري سواء أكان من خلال مساعدات الإتحاد الأوروبي أو سواها. في نهاية المطاف، من حق لبنان الاستفادة من هذه المساعدات الماليّة أو العينيّة بشكل أو بآخر، بمعزل عن السياسة التي سوف يعتمدها حيال ملف اللاجئين السوريين، وهو أمر سيادي (أو هكذا مفترض أن يكون) لا يستطيع أي طرف خارجي فرضه عليه في حال توفرت الرؤية اللبنانيّة الموحدة حيال هذا الأمر.
حبّذا لو يستطيع اللبنانيون أن يتوحدوا، ولو لمرة واحدة، حيال الملفات الحيويّة التي تؤثر على مستقبل أولادهم ومستقبل بلادهم، من دون أن يقحموا الحسابات الفئويّة والمصلحيّة في معالجة القضايا الكبرى.
صحيحٌ أن العلاقات اللبنانيّة – السوريّة ليست في أحسن أحوالها، ولكن الصحيح أيضاً أنّ ثمة حاجة للخروج من عنق الزجاجة، والذهاب في اتجاه معالجات جذريّة لبعض الملفات، وهذا الملف يقع على رأس الأولويات. وهذا يعيدنا إلى أهميّة انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة على أن يكون هذا الملف في مقدمة اهتماماته.