كيف يسهم الذكاء الاصطناعي للحد من أخطار الكوارث؟
في عالم ما زالت طبيعته وردّ فعلها محتجبة عن العلم حتى اللحظة، تبقى آمال النجاة من الكوارث معلّقة بين السلطات وفرق الإغاثة والأنظمة الذكية، وفي هذه الحال، يكون التعامل الفوري مع الأزمة وإجلاء المصابين وإنقاذ العالقين هو سيّد الموقف.
وفي حين يعقد البعض الآمال على أنظمة الذكاء الاصطناعي في توقع الكوارث في الوقت الفعلي بالاعتماد على البيانات التي تجمعها، إلا أن الذكاء الاصطناعي لا يملك اليوم، بأي شكل من أشكاله، القدرة على التنبؤ الدقيق بالأحداث الطبيعية منها أو المصطنعة، ولو أن جهود الخبراء ما زالت تصبّ في هذا الاتجاه، إلا أن الاتجاه الأهم هو توظيفه أثناء وبعد حدوثها وفي بعض الحالات قبل حدوثها بوقت قصير، إضافة إلى استثماره في الحدّ من الأضرار المادية والوفيات، عبر اتخاذ إجراءات السلامة في المناطق التي تشير أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى وجود إهمال متواصل أو خلل ما، وبالتالي تلمّح بنسبة كبيرة لاحتمال تعرضها لطارئ.
الحد من أخطار الكوارث
ويعرف مصطلح “الحد من أخطار الكوارث DRR” أو ما يُطلق عليه “إدارة أخطار الكوارث” DRM بأنه الأسلوب المنهجي لتحديد أخطار الكوارث وتقويمها والحدّ منها، ويهدف بالأساس إلى الحدّ من نقاط الضعف الاجتماعية والاقتصادية في مواجهة الكوارث، فضلاً عن التعامل مع الأخطار التي تؤدي إلى حدوثها وعلى رأسها الأخطار البيئية.
ويعرّفه كل من مكتب الأمم المتحدة للحد من أخطار الكوارث UNDRR وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، على أنه يهدف إلى منع أخطار الكوارث المستجدة والحدّ من أخطار الكوارث القائمة وإدارة الأخطار الأخرى، والتي تسهم في تعزيز المرونة والقدرة على الصمود وبالتالي تحقيق التنمية المستدامة.
وفي وقت نعيش فيه العصر الذهبي للذكاء الاصطناعي، وتنتشر تطبيقاته في معظم المجالات من حولنا، يبقى السؤال ماذا يمكن أن تقدّم أنظمته في هذا المجال؟ وهل يمكن أن يزوّد صناع القرار بالأدوات والمعلومات المناسبة لاتخاذ القرارات الصحيحة للحدّ من أخطار الكوارث؟
الذكاء الاصطناعي والكوارث
وظهر الذكاء الاصطناعي في مجال إدارة الكوارث بغرض التخفيف من آثارها وإدارتها، بدءاً من محاولة التنبؤ بالأحداث الخطيرة بالاعتماد على البيانات التي تجمعها أنظمته من المصادر المفتوحة، وصولاً إلى الآليات الحديثة المصنعة لهذا الغرض، وإنشاء خرائط الأخطار للكشف عن الأحداث في الوقت الحقيقي واتخاذ الإجراءات اللازمة على وجه السرعة، وتوفر أساليب الذكاء الاصطناعي فرصاً جديدة تتعلق بالتطبيقات مثل المعالجة المسبقة لبيانات الرصد وكذلك التنبؤ بمخرجات النموذج بعد المعالجة للإنذار المبكر بالأخطار مثل الكوارث الطبيعية والجيولوجية والهيدرولوجية والانهيارات الثلجية والأرضية والثورات البركانية والفيضانات والتسونامي وحرائق الغابات والكوارث غير الطبيعية وحتى حوادث المرور. فمثلاً، للكشف عن الفيضانات تجهز شبكة معقدة من أجهزة الاستشعار لرصد وكشف التغيرات في التصريف أو المرحلة عبر مستجمع المياه، ولهذا أهمية كبيرة نظراً للأخطار الجسيمة التي تشكلها الفيضانات المفاجئة لعدم وجود تحذير مسبق أو وجوده بنسبة ضئيلة جداً.
إضافة إلى التنبؤ بالطقس والمناخ، إذ يُستخدم الذكاء الاصطناعي من قبل الخبراء لإنشاء أداة تتنبأ باحتمال رصد حدث ما عبر مراقبة الظروف المحيطة به في موقع معين ويوم محدد، وبالتالي، يمكن أن يكشف النموذج عن الأيام حيث احتمال الخطر الأعلى من خلال جمع البيانات والملاحظات الموفرة من قبل المراكز المختصة بالحدث.
وكذلك يستخدم الذكاء الاصطناعي لتوفير تواصل فعال بين الجهات العاملة على الأرض في حال الأخطار الطبيعية والكوارث، وما زال البحث قائماً للوصول إلى الشكل الأمثل الذي يمكن من خلاله للذكاء الاصطناعي أن يساعد المستجيبين للكوارث الطبيعية على تقويم شدة الأخطار وتحديد الأولويات متى وأين تتم الاستجابة.
خرائط الأخطار
في السياق ذاته، يمكن للذكاء الاصطناعي إنشاء ما يسمى بخرائط الأخطار وهي نوع من الخرائط التي تلقي الضوء على المناطق المعرضة لخطر معين مثل الأخطار الطبيعية، كالزلازل والبراكين والانهيارات الأرضية والفيضانات والتسونامي، وفي حال استخدمت بالشكل الصحيح يمكن لها أن تنقذ الأرواح وتقلل الخسائر المادية عن طريق تجنّب التعرض لبعض الأخطار أو تحييد الآثار السلبية المحتملة لها.
ويتم على سبيل المثال استخدام خريطة الأخطار، التي أنشأتها هيئة المسح الجيولوجي، من قبل وكالات التأمين من أجل ضبط التأمين بشكل صحيح للأشخاص الذين يعيشون في المناطق الخطرة، وكذلك توضع أيضاً خرائط أخطار للفيضانات لتستخدم في تسوية نسبة التأمين، ويمكن أن تكون مفيدة أيضاً في تحديد أخطار العيش في منطقة معينة، وتساعد الأشخاص على إدراك الأخطار التي من المحتمل أن يواجهوها، إضافة إلى توفير ما يسمى بالوعي الظرفي أي توفير المعلومات لزيادة الإدراك في موقف ما.
وفي النهاية، يمكن اعتبار النجاح في عملية إدارة البيانات المتنوعة المصادر واستثمارها والوصول إليها في الوقت الصحيح جزءاً أساساً من النجاح في عملية إدارة الكوارث.