صدى المجتمع

كيف يستقبل السوريون فصل الصيف؟.. جحيم للفقراء وعروض اصطياف فلكية.

“مع دخول الصيف علينا الشهر الماضي أصبحنا لا نرى نور الكهرباء، كما ارتفعت أسعار معظم المواد الأساسية. لقد كنا بالكاد نتمكن من تأمين الاحتياجات اليومية لمنازلنا ولكن الآن حتى تأمين هذه الاحتياجات لم يعد ممكنا كما في السابق”.

يقول بدر (39 عاما)، وهو معلم رياضيات ونازح يعمل سائق تاكسي في دمشق، متحدثا عن معاناته مع بداية فصل الصيف في مناطق سيطرة النظام.

ويضيف في حديث للجزيرة نت “لم نخرج للاصطياف أنا وعائلتي منذ بداية الحرب، فأقصر سفر إلى الساحل وبأرخص الأمكنة سيكلفني مليوني ليرة (200 دولار) ونحن في وضع نحتاج فيه إلى القرش”.

وكحال بدر يعاني معظم السوريين، مع إقبال فصل الصيف في مناطق سيطرة النظام، من تردي الواقع المعيشي والخدمي بصورة غير مسبوقة.

وبينما ترزح الشريحة الكبرى من السوريين تحت خط الفقر محرومة من أدنى الاحتياجات الأساسية، ومن الاصطياف الذي بات بمنزلة الحلم، هناك شرائح لا تزال قادرة على تحمل تكاليف الاصطياف بالمنتجعات وحضور حفلات تتجاوز ثمن تذكرة حضورها 10 أضعاف راتب موظف القطاع العام، وفق مراقبين.

حلم الاصطياف بالمدن الساحلية

يستمر إيجار الشاليهات (شقق سكنية على الشاطئ) في المحافظات الساحلية بمناطق سيطرة النظام، في الارتفاع منذ بداية صيف هذا العام، وبلغ مؤخرا بدل إيجار شاليه مزود بالماء والكهرباء في منتجع الرمال الذهبية بمحافظة طرطوس مليونا و800 ألف ليرة (180 دولارا) لليلة الواحدة.

بينما تتراوح بدلات إيجار الشاليهات في منتجعات طرطوس واللاذقية بين 400 و800 ألف ليرة (40-80 دولارا) بحسب نوع الخدمات المتوفرة بالشاليه وقربه من شاطئ البحر.

كما وصلت أسعار الحجوزات في فنادق الدرجة الممتازة بالمحافظات الساحلية مثل فندق “هوليدي بيتش” و “أفاميا” و”روتانا” إلى ما بين 600 و850 ألف ليرة (60-85 دولارا) لليلة الواحدة.

ومع بداية الصيف، أعلنت شركات السياحة بالعاصمة عن رحلات سياحية إلى الساحل لمدة يومين، تتراوح تكلفتها بين 500 و800 ألف ليرة (50-80 دولارا) للشخص الواحد.

وبالرغم من إحجام السوريين عن رحلات الاصطياف إلى الساحل نظرا لأسعار الحجوزات الفلكية مقارنة برواتبهم الشهرية، ما تزال تلك المنتجعات والفنادق تجد من يرتادها ويستفيد من عروضها.

يقول أحمد (24 عاما)، مشارك في تنظيم حفلات خاصة بمنتجعات وفنادق طرطوس، للجزيرة نت “أغلبية الزبائن الذين يحضرون إلى حفلاتنا من أثرياء العاصمة ومدن الساحل، وهناك عدد لا بأس به من السياح الذين بدؤوا بالتوافد إلى البلاد مع بداية الصيف“.

وبحسب المواطن، يقتصر استقطاب المنتجعات والفنادق بالمدن الساحلية والعاصمة دمشق لفئة محدودة ومقتدرة من السوريين، وللسياح الذين زادت أعدادهم خلال السنوات القليلة الماضية بعد تحسن “الوضع الأمني” في البلاد.

حفلة ثمنها 10 أضعاف الراتب

وإلى جانب ارتفاع تكاليف الاصطياف بالمدن الساحلية، تشهد النشاطات الترفيهية الصيفية الأخرى ارتفاعا كبيرا في تكاليفها مقارنة بالصيف الماضي، وهو ما يجبر معظم السوريين على التخلي عنها.

وقد أثار حفل للمغني اللبناني “جوزيف عطية” -الذي أقيم في فندق الشيراتون-دمشق، يوم 13 من الشهر الجاري، سخطا لدى عدد من السوريين على مواقع التواصل مع إعلان الفندق عن سعر تذكرة الحضور والذي بلغ مليونا و200 ألف ليرة (120 دولارا) في حين لا يتجاوز متوسط راتب الموظف بالقطاع العام 150 ألفا (15 دولارا).

بينما سجلت تذكرة حضور حفل المغني اللبناني “صبحي توفيق” -المقامة في مطعم قصر النرجس في 14 الشهر الجاري- سعر 500 ألف ليرة (50 دولارا). 

وتنخفض ثمن تذاكر حضور الحفلات الفنية التي تُقام على أرض قلعة دمشق بدعم من شركة سيرياتيل، لتتراوح بين 75 و300 ألف ليرة (7.5-30 دولارا) ومع ذلك يحتاج السوري إلى صرف مرتبه كاملا لحضورها.

وينسحب هذا الغلاء على الأنشطة الأخرى التي اعتاد السوريون على القيام بها السنوات الماضية، حيث ارتفعت إيجارات المزارع الخاصة (فيلا تتضمّن مسبحا) لتتراوح بين 400 و700 ألف ليرة (40-70 دولارا) لليوم الواحد، أما بطاقة الدخول إلى المسابح فتراوحت بين 20 و75 ألفا (2-7 دولارا).

وتلجأ عائلات في دمشق وريفها إلى الاتفاق فيما بينها لاستئجار المزارع بشكل مشترك حتى توفر لأطفالها فرصة السباحة، والشعور ببهجة العطلة المدرسية ولو لمرة واحدة خلال الصيف.

صيف كالجحيم

ويعيش السوريون في مناطق سيطرة النظام واحدا من أقسى فصول الصيف منذ اندلاع الحرب في البلاد قبل 11 عاما، بسبب تردي الواقع المعيشي والخدمي.

وتضرب الأسواق، منذ مطلع الشهر الجاري، موجات متعاقبة من الغلاء تطال معظم السلع الغذائية والاستهلاكية تزامنا مع انهيار سعر صرف الليرة أمام الدولار الذي تخطى مؤخرا عتبة 10 آلاف ليرة لأول مرة منذ بداية الأزمة الاقتصادية.

كما تشهد سائر المدن “تقنينا” (قطع) غير مسبوق للتيار الكهربائي يصل إلى 7 ساعات قطع مقابل نصف ساعة وصل بالعديد من المناطق، مما يخلف أزمة مركبة لدى السكان الذين يعتمد معظمهم على الكهرباء للطهي والاستحمام واستجلاب الماء إلى الخزان عبر المحرك الكهربائي.

وتقول ليلى (48 عاما)، وهي موظفة قطاع عام بدمشق، للجزيرة نت “إن هذا الصيف يمر علينا كأننا في جحيم، فدرجات الحرارة في ارتفاع، ولا كهرباء لإشعال المراوح، ولا ماء للاستحمام، ولا نملك ما يكفي من المال لتركيب الطاقة البديلة. لقد أصبح العيش هنا لا يطاق”.

ومن جانب آخر، أشار بيان برنامج الأغذية العالمي، في فبراير/شباط الماضي، إلى أن 70% من السوريين قد لا يتمكنون في المدى المنظور من توفير الغذاء لعائلاتهم، وأن هناك 12 مليونا لا يعرفون من أين ستأتي وجبة طعامهم التالية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى