رأي

كيف يبدو الاقتصاد العالمي في 2025؟

كتب د. عاطف عبدالله في صحيفة الأهرام.

كان عام 2024 مليئًا بالأحداث الاقتصادية والسياسية والبيئية العالمية التي أعادت تشكيل مشهد الاقتصاد الدولي، شهد العام الحالي بداية النهاية لسياسة التشديد النقدي التي انتهجتها البنوك المركزية الكبرى لكبح جماح التضخم. 

واستمرت فيه التوترات الجيوسياسية، وفي مقدمتها حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين منذ أكتوبر 2023، وهجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، والحرب الروسية الأوكرانية، فضلا عن التوترات الداخلية في السودان والأوضاع في سوريا.

وكان 2024 عام الانتخابات بامتياز؛ حيث شهد استحقاقات رئاسية وبرلمانية في العديد من البلدان حول العالم (نصف سكان المعمورة ذهب إلى صناديق الاقتراع)، وكان أهمها بالطبع إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة.

وأدى التطرف المناخي إلى ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة، وتسبّب في ظواهر مناخية قصوى، وأعاصير مدارية خلّفت حصيلة بشرية واقتصادية هائلة عام 2024. 

ومن أبرز التحديات الأخرى التي شهدها العام، ارتفاع الدين العام العالمي إلى 93% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول نهاية 2024 واقترابه من 100% بحلول عام 2030. 

بين نهاية عام يمضي وعام جديد، يثور التساؤل التالي: كيف يبدو الاقتصاد العالمي في 2025؟
 
النمو العالمي 

التحديات الجسام التي شهدها الاقتصاد العالمي في 2024 من الواضح أنها ستستمر في العام الجديد، بل تضاف إليها تحديات أخرى، من المرجح أن تكون لها فاتورة باهظة على الاقتصاد العالمي؛ فالاقتصاد العالمي يدخل العام الجديد وسط توترات جيوسياسية متزايدة تلوح في الأفق، في حين تحاول البنوك المركزية الرائدة في العالم خفض أسعار الفائدة، بعد أسوأ صدمة تضخمية منذ عقود.

ورغم المرونة النسبية التي قد يتمتع بها الاقتصاد العالمي في 2025، فإن توقعات المؤسسات الدولية لنمو الناتج العالمي في العام الجديد لم تختلف عن توقعاتها للنمو في العام الماضي.

على سبيل المثال ظلت توقعات صندوق النقد الدولي، في تقريره الصادر أكتوبر الماضي، لنمو الاقتصاد العالمي ثابتة عند 3.2 % بالعام المقبل، وهي التوقعات نفسها لعام 2024، ولكن هذه النسبة لا تزال ضعيفة مقارنة بمتوسط ما قبل الجائحة. 

إن استمرار العوامل الهيكلية المعاكسة -مثل شيخوخة السكان وضعف الإنتاجية- يكبح النمو المحتمل في كثير من الاقتصادات المتقدمة.

وبالمثل، ففي اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، تؤدي حالات تعطل إنتاج السلع الأولية وشحنها، خاصة النفط، وكذلك الصراعات والاضطرابات المدنية والظواهر المناخية المتطرفة إلى تخفيض آفاق النمو في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى ومنطقة إفريقيا جنوب الصحراء. 

وعوضت هذه التخفيضات ارتفاعًا في توقعات الصندوق الخاصة بآسيا الصاعدة، حيث أدت طفرة الطلب على أشباه الموصلات والإلكترونيات، المدفوعة باستثمارات كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي، إلى تعزيز النمو. 
  
 نذر حرب تجارية
 
أثار فوز دونالد ترامب احتمال اندلاع حرب تجارية عالمية على نطاق أوسع بكثير مما كانت عليه في ولايته الأولى، عندما امتدت اشتباكاته مع الصين عبر التجارة العالمية، ومع ذلك، يأمل العديد من خبراء الاقتصاد أنه سيتوقف عن نشر الترسانة الكاملة من التهديدات التي أطلقها خلال حملته الانتخابية، والتي تضمنت فرض رسوم جمركية على الواردات تصل إلى 60% على الصين، وما يصل إلى 20% على أعداء أمريكا وحلفائها على حد سواء. 

إن تعهدات الرئيس المنتخب بخفض الضرائب على الشركات جعلت المستثمرين يأملون في ارتفاع سوق الأسهم الأمريكية، ولكن هناك مخاوف من أن إجراءاته قد تزيد العجز في الميزانية الفيدرالية الأمريكية. 

وذكرت صحيفة الجارديان البريطانية أن الأسر الأمريكية قد تعاني جراء فرض رسوم أعلى على الواردات، وبالتالي ارتفاع الأسعار داخل الولايات المتحدة، وهو قد يؤدي أيضًا إلى تأجيج التضخم، وإلحاق الضرر بسلاسل التوريد العالمية.

وفي أماكن أخرى، تظل التوترات مرتفعة مع الصراعات في أوكرانيا والشرق الأوسط، في حين تتزايد حالة عدم اليقين السياسي في قلب منطقة اليورو، حيث تواجه الحكومتان الفرنسية والألمانية ضغوطًا.
 
التضخم العنيد
 
مع استمرار التراجع النسبي في معدل التضخم العالمي، إلا إنه يمثل تحديًا كبيرًا في جميع أنحاء العالم، فبرغم استقرار أسعار السلع، إلا أن تضخم أسعار الخدمات لا يزال مرتفعًا في كثير من المناطق، وهو ما يشير إلى أهمية فهم الديناميكيات عبر القطاعات التي تشكل سلة التضخم ومعايرة السياسة النقدية.

وتشير التقارير إلى تراجع معدل التضخم بوجه عام حسب المتوقع، وإن بدت عليه علامات التباطؤ في النصف الأول من 2024، مما يوحي بتعرضه لعثرات على طريق استقرار الأسعار،  وكان الاطراد في التضخم الأساسي مدفوعًا أساسًا بتضخم أسعار الخدمات، إذ ارتفع تضخم أسعار الخدمات الأساسية 4.2 % بزيادة نحو 50 % مقارنة بالفترة التي سبقت الجائحة في كبرى الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الصاعدة، باستثناء الولايات المتحدة.

ومن المرجح على نطاق واسع استمرار تباطؤ تراجع معدل التضخم، ربما بسبب حدوث زيادات حادة جديدة في أسعار السلع الأولية في ظل استمرار التوترات الجيوسياسية، ويمكن أن يحول دون قيام البنوك المركزية بتيسير السياسة النقدية، وهو ما من شأنه أن يفرض تحديات كبيرة على سياسة المالية العامة والاستقرار المالي، وتوقع بنك إنجلترا، على سبيل المثال، أن يظل التضخم أعلى من هدفه البالغ 2% حتى عام 2027. 
  
 السياسات النقدية
 
بدأت البنوك المركزية الأكبر في العالم خفض أسعار الفائدة في عام 2024، وسينصب التركيز الرئيسي في العام المقبل على مدى خفض تكاليف الاقتراض، وسط مخاوف بشأن الضغوط التضخمية المستمرة وتوقعات النمو الاقتصادي.

ففي الولايات المتحدة خفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي)، معدل الفائدة ثلاث مرات خلال 2024، آخرها بواقع 25 نقطة أساس؛ بحيث باتت تتراوح بين 4.25 و4.5% بما يتماشى مع التوقعات، وكان قد شرع بتخفيض أسعار الفائدة 50 نقطة أساس في شهر سبتمبر.

وفي منطقة اليورو، خفض البنك المركزي الأوروبي، أسعار الفائدة للمرة الرابعة في 2024، إلى 3 %، بعد أن وصلت إلى مستوى قياسي بلغ 4% في يونيو الماضي، مع إبقاء الباب مفتوحًا لمزيد من التيسير النقدي في المستقبل، ومن المتوقع تخفيض بنحو 50 نقطة أساس في 2025 ليصل سعر الفائدة الأساسي إلى 2.5% بحلول يونيو المقبل.
 
حراس السندات

تواجه الحكومات في مختلف أنحاء العالم تحديات ناجمة عن ارتفاع تكاليف الاقتراض، وعلى النقيض من سنوات أسعار الفائدة المنخفضة للغاية بعد الأزمة المالية في عام 2008، عندما ساعد الإنفاق العام المدفوع بالديون في تعزيز النمو الهش، فإن خطر التضخم الأكثر ثباتًا وارتفاع أسعار الفائدة في عام 2025 من شأنه أن يجعل هذا الأمر أكثر صعوبة.

وفي مذكرة بحثية كتب محللون في بنك أوف أمريكا: “في ظل نظام جديد من أسعار الفائدة الحقيقية المرتفعة، لم تعد السياسة المالية التوسعية في الأوقات العصيبة وجبة مجانية، بل إنها تتطلب الآن تعزيزًا ماليًا مناسبًا في الأوقات الجيدة”.

وقد تؤدي خطط ترامب لخفض الضرائب إلى توسيع العجز المالي في الولايات المتحدة، وستواجه بريطانيا تحديًا في مراجعة الإنفاق لعام 2025 لتلبية القواعد المالية التي فرضتها على نفسها دون زيادة الضرائب أو خفض الإنفاق، كما تكافح فرنسا أيضًا لخفض عجز ميزانيتها وسط الاضطرابات السياسية.

قد يطلب المستثمرون عوائد أعلى إذا قدموا قروضًا لحكومات تعاني من عجز مرتفع، في ظل عودة “حراس السندات” الذين قد يرفعون تكاليف الاقتراض السيادي.
 
فرص للنمو

بينما يواجه العالم هذه التحديات، تظل هناك فرصًا واعدة للنمو، خاصة في الأسواق الناشئة، حيث يزداد الطلب على المنتجات والخدمات، ويُتوقع أن تستمر في جذب الاستثمارات؛ لمواجهة التحديات تبرز الحاجة إلى تطبيق إستراتيجيات اقتصادية مرنة تجمع بين التطوير التكنولوجي والتنمية المستدامة، وتدعم الاستقرار المالي في ظل بيئة اقتصادية غير مستقرة.

ويقول سيتي بنك في تقرير له إنه لتوجيه الاستثمارات وسط هذه الفوضى، فإن هناك فرصًا لتحقيق عوائد معقولة على المدى الطويل، ولكن مع ضرورة تنويع المحافظ الاستثمارية عالميًا، وأوصى بالمحافظة على توزيع الاستثمارات على جميع فئات الأصول وفقًا لخطة استثمار طويلة الأجل.

ولا ننسى أن هناك قيمة في الاستثمارات المتعلقة بالأمن الاقتصادي وسلاسل التوريد، مثل الطاقة التقليدية والتكنولوجيا والأمن السيبراني، كما أن تقدم الذكاء الاصطناعي قد يعزز الإنتاجية ويغير قواعد اللعبة في الاقتصاد العالمي.

غير أنه ينبغي تعزيز الإصلاحات الهيكلية في مختلف الاقتصادات، ودعم سياساتها المالية، وتنفيذ إستراتيجيات الديون التي يمكن تحملها، والاستثمار في المجالات التي يمكن أن تدفع النمو على المدى الطويل، مثل التكنولوجيا والطاقة الخضراء. 

وهناك حاجة ملحة إلى نماذج نمو شاملة لا تحفز النشاط الاقتصادي فحسب، بل تضمن أيضًا دعم أهداف التنمية المستدامة، والإنصاف والإشراف البيئي، حيث يمكن للنمو المستدام أن يوفر طريقًا إلى القدرة على الصمود في مواجهة الصدمات الاقتصادية المتكررة.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى