كيف يؤثر ترامب وبوتين على سياسة ألمانيا الخارجية الجديدة؟

كتب كريستوف هاسلباخ, في صحيفة DW الالمانية:
برّر حزبا الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي الاتفاق بسرعة نسبيًا على تشكيل الائتلاف بالتحديات السياسية الخارجية الحرجة، التي ترتبط جميعها تقريبًا بدونالد ترامب.
أدت التطورات الأخيرة على الساحة الدولية، بما في ذلك الرسوم الجمركية التي أقرتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على العديد من دول العالم قبل تعليقها لمدة 90 يوما (باستثناء الصين)، إلى زيادة الضغط على المفاوضات الجارية بين المحافظين والاشتراكيين الألمان لتشكيل حكومة ائتلاف. الأربعاء (10 من أبريل/ نيسان 2025)، أعلن الطرفان أثناء مؤتمر صحفي مشترك بين الحزبين التوصل إلى اتفاق، كما نُشر نص الاتفاق بالكامل على الصفحة الرسمية للحكومة الألمانية.
وخلال ذلك، قال المستشار المستقبلي المحتمل فريدريش ميرتس من الحزب المسيحي الديمقراطيإنَّ الوضع الحالي يشمل “توترات سياسية عالمية متزايدة”، مشددا أن شركاء الائتلاف الحكومي القادم، عازمون على “المشاركة في تشكيل التغيير العالمي لمصلحة ألمانيا”. من جهته، أكد لارس كلينغبايل ، زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي أن البلاد أمام “نقطة تحول. ونحن نعيش أوقاتاً تاريخية حقًا”.
ولا شك أن هذه “الأوقات التاريخية” ستدفع الحكومة الجديدة على صياغة سياسة خارجية مختلفة خدمة لمصالحها. لكن المهمة ليست بالسهلة أمام تحديات كبرى تشمل مجالي الدفاع والاقتصاد.
ماذا تخطط الحكومة الاتحادية المستقبلية في السياسة التجارية؟
أدت رسوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجمركية الباهظة على الواردات إلى تدهور أسواق الأسهم في جميع أنحاء العالم، وأثارت المخاوف من حرب تجارية عالمية. وهذه الرسوم الجمركية تؤثر على ألمانيا بقوة باعتبارها دولة مصدرة، لا سيما وأنَّ الاقتصاد الألماني يعاني منذ أكثر من عامين من حالة ركود.
ألمانيا لا يمكنها هنا العمل بمفردها، فالمسؤول عن التجارة عبر الأطلسي هو الاتحاد الأوروبي. ولذلك تراهن الحكومة القادمة في برلين على التخفيف من حدة التصعيد مع الولايات المتحدة. ومن هذا المنطلق، تضمن اتفاق الائتلاف ما يلي: “نسعى على المدى المتوسط إلى التوصل إلى اتفاقية للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ونريد على المدى القريب تجنُّب الصراع التجاري ونراهن على خفض الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات على جانبي المحيط الأطلسي”. ونظرًا إلى تحركات ترامب الأخيرة فقد يكون هذا النهج متفائلًا.
ألمانيا والعلاقة عبر الأطلسي
من المعروف أنَّ فريدريش ميرتس كعدد كبير من الساسة الألمان، من أكبر المؤيدين للعلاقات عبر الأطلسي، وقد كان طيلة عشرة أعوام رئيسًا لـ”منظمة جسر الأطلسي” (Atlantic Bridge)، وهي منظمة غير حزبية تعمل على تعزيز العلاقات الأمريكية الألمانية. وعلى الرغم من أنَّه لم يعش قط في الولايات المتحدة الأمريكية، لكنه يوصف بكونه “مطلعا جيّدًا” على طريقة التفكير الأمريكية بفضل سنين عمله الطويلة لصالح شركة إدارة الاستثمار الأمريكية بلاك روك.
بيد أنَّ ثقته في الشراكة الوثيقة بين ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية اهتزت بشدة مع بداية ولاية دونالد ترامب الثانية. وبعد أن حمّل ترامب أوكرانيا المسؤولية عن الحرب، قال ميرتس: “أنا مصدوم من دونالد ترامب”. وكان ذلك حين قام ترامب ونائبه جيه دي فانس بإهانة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمام الصحفيين في البيت الأبيض.
تحظى ألمانيا بسمعة سيئة لدى ترامب منذ عهد المستشارة أنغيلا ميركل المنتمية للحزب المسيحي الديمقراطي، وذلك لأسباب ليس آخرها فتح ميركل أبواب وحدود بلادها للاجئين، وهي سياسة يكرهها الرئيس الأميركي ترامب. ومع أنَّ ميرتس كثيرًا ما ينأى بنفسه سياسيًا عن ميركل، إلا أنَّ اللقاء الشخصي بين ميرتس وترامب لن يكون سهلًا. وحتى الآن لم يتم التخطيط لأي لقاء بينهما.
هل تتراجع برلين عن رفضها توريد كييف صواريخ تاوروس؟
لقد أدت جهود دونالد ترامب من أجل إحلال السلام في أوكرانيا إلى تحويل الأوروبيين إلى مجرد متفرجين. فهو يتفاوض مباشرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وحتى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لا يمارس أيّ تأثير مباشر على المحادثات.
وفي حال تمّ التوصل إلى “اتفاق سلام”، قد يكون حتى مفروضاً على أوكرانيا، فإنه لن يتبق أمام الألمان والأوروبيين سوى العمل على ضمان ديمومة هذا الاتفاق. والائتلاف المستقبلي في ألمانيا يريد الاستمرار في دعم أوكرانيا. وهو ما أكده الاشتراكي لارس كلينغبايل بقوله: “نحن نقف إلى جانب الأوكرانيات والأوكرانيين الشجعان. ويمكنهم الاعتماد علينا”.
ويبقى مجهولا ما سيحدث بالتحديد بالنسبة للمساعدات العسكرية. لقد أيّد ميرتس عندما كان زعيمًا للمعارضة إمداد أكرانيا بصواريخ تاوروس الألمانية بعيدة المدى. بينما كان المستشار الحالي أولاف شولتس يرفض ذلك باستمرار، معللا موقفه بـ “خشيته جرّ ألمانيا إلى الحرب مع روسيا”.
الاستقلاقلية الدفاعية عن الولايات المتحدة الأمريكية
ونظرا لشكوكه فيما إن كانت الولايات المتحدة الأمريكية ما تزال جادة في عهد ترامب بإلتزاماتها تجاه الحلفاء وتجاه حلف الناتو، يدعو ميرتس إلى “استقلالية حقيقية” و “في أسرع وقت ممكن” عن الولايات المتحدة الأمريكية. وفي هذه الأثناء لم يدعم الأخير البرلمان الاتحادي في خطته لفعل “كل ما يلزم” لتسليح الجيش الألماني فحسب، وإنما يبحث في ذات الوقت سبل تعاون وثيق مع الأوروبيين ولذلك يريد ميرتس التفاوض مع القوتين النوويتين الأوروبيتين فرنسا وبريطانيا حول كيفية الاستفادة من مظلتيهما النووية. وهذا لن يكون سهلًا؛ فعلى الأرجح لن تكون لندن وباريس مستعدتان لتقاسم ترسانتيهما النووية من دون قيد أو شرط. وحتى داخل الاتحاد الأوروبي هناك تحفظات على زيادة الانفاق العسكري، ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، ونظرا لعلاقاته القوية مع الرئيس بوتين يرفض دعم أوكرانيا عسكرياً.
سياسة ألمانيا تجاه الاتحاد الأوروبي: لا تنجح تلقائيًا
حمّل ميرتس الحكومة الحالية بقيادة المستشار أولاف شولتس (من الحزب الاشتراكي الديمقراطي) مسؤولية ما وصفه “تدهور” مستوى التعاون الأوروبي خاصة بين بلاده وبين فرنسا وبولندا، متعهدا بـ “تغيير ذلك”.
لكن ما لم يتطرق له ميرتس، هو أنَّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متعثّر داخليًا، وفي بولندا لديها وبعد سنين من حكومة “حزب العدالة والقانون اليميني” تعود قيادة مؤيدة لأوروبا برئاسة رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي السابق دونالد توسك إلى السلطة. كما أن اليمين الشعبوي بدأ يزحف باتجاه الحكم في عدد من الدول الأوروبية والحماسة لفكرة أوروبا بدأت تتراجع.