كيف كانت المياه الجوفية سببا في قيام وسقوط حضارة قديمة بالصحراء الليبية؟
مع انخفاض كميات الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، غالبا ما تُعتبر الصحراء الكبرى واحدة من أكثر البيئات تطرفا والأقل صلاحية للسكنى على وجه الأرض، في حين أن الصحراء كانت أكثر خضرة بشكل دوري في الماضي البعيد، فقد وجد مجتمع قديم يعيش في مناخ مشابه جدا لمناخ اليوم طريقة للحصول على المياه في الصحراء، وحافظ على ازدهاره حتى نفادها.
ألف عام على المياه الجوفية
يصف بحث جديد تم تقديمه اليوم الاثنين في الاجتماع السنوي للجمعية الجيولوجية الأميركية كيف سمحت سلسلة من العوامل البيئية للحضارة الصحراوية القديمة المعروفة باسم امبراطورية الجرمنت، باستخراج المياه الجوفية من باطن الأرض، بما حافظ على المجتمع لما يقرب من ألف عام حتى نفدت المياه.
وبحسب بيان صحفي منشور على موقع “فيز دوت أورغ” فإن الأمطار الموسمية كانت قد حولت الصحراء الكبرى إلى بيئة خصبة نسبيا منذ ما بين 11 ألفا إلى 5 آلاف عام مضت، مما وفّر موارد المياه السطحية والبيئات الصالحة للسكن وازدهار الحضارات. وعندما توقفت الأمطار الموسمية قبل 5 آلاف سنة، عادت الصحراء مرة أخرى إلى بيئة جافة وقاحلة، وتراجعت الحضارات من المنطقة، باستثناء منطقة شاذة غير عادية.
عاش الجرمنتيون في الصحراء الجنوبية الغربية الليبية من عام 400 قبل الميلاد إلى عام 400 بعد الميلاد في ظل نفس الظروف شديدة الجفاف الموجودة هناك اليوم وكانوا أول مجتمع متحضر يتم تأسيسه في الصحراء التي تفتقر إلى نهر يتدفق باستمرار.
كانت بحيرات المياه السطحية والأنهار في عصر “الصحراء الخضراء” قد اختفت منذ فترة طويلة بحلول وقت وصول الجرمنتيين، ولكن لحسن الحظ كانت هناك مياه مخزنة تحت الأرض في طبقة مياه جوفية كبيرة من الحجر الرملي، من المحتمل أن تكون واحدة من كبرى طبقات المياه الجوفية في العالم.
تقنية الفقارات (القنوات) لجلب المياه الجوفية
جلبت طرق تجارة الجمال من بلاد فارس عبر الصحراء تقنية حصاد المياه الجوفية باستخدام الفقارات أو القنوات. تضمنت هذه الطريقة حفر نفق مائل قليلاً في أحد التلال، إلى ما دون منسوب المياه الجوفية مباشرةً.
ومن ثم تتدفق المياه الجوفية عبر النفق إلى أنظمة الري. حفر الجرمنتيون ما مجموعه 750 كيلومترًا من الأنفاق تحت الأرض وأعمدة الوصول الرأسية لحصاد المياه الجوفية، مع حدوث أكبر نشاط بناء في الفترة ما بين 100 قبل الميلاد و100 بعد الميلاد.
دمج فرانك شوارتز الأستاذ في كلية علوم الأرض بجامعة ولاية أوهايو والمؤلف الرئيسي للدراسة البحثية الأبحاث الأثرية السابقة مع التحليلات الهيدرولوجية لفهم كيف أن التضاريس المحلية والجيولوجيا وظروف الجريان السطحي أنتجت الظروف الهيدروجيولوجية المثالية للجرمنتيين ليكونوا قادرين على استخراج المياه الجوفية.
كانت لدى الجرمنتيين ظروف ملائمة بيئيا مكّنت النظام من العمل، تمثلت في مناخ أكثر رطوبة في وقت سابق، وتضاريس مناسبة، وإعدادات فريدة للمياه الجوفية، مما جعل المياه الجوفية متاحة باستخدام تقنية الفقارات. لكن حظهم نفد عندما انخفض منسوب المياه الجوفية تحت أنفاق الفقارة. ومع عدم وجود مياه جديدة لتجديد طبقة المياه الجوفية وعدم توفر مياه سطحية، أدى نقص المياه إلى سقوط إمبراطورية الجرمنتيين.
من أجل استخدام مستدام للمياه الجوفية
تعتبر قصة الجرمنتيين رسالة تحذيرية لقوة المياه الجوفية كمورد، وخطر الإفراط في استخدامها. ووفقا لشوارتز، هناك أمران يثيران القلق بشكل خاص، وهما: أولاً، أصبحت البيئات القاسية أكثر انتشارا حول العالم في دول مثل إيران. ثانيا، أصبح استخدام المياه الجوفية بشكل غير مستدام أكثر شيوعا.
ويضيف “عندما ننظر إلى الأمثلة الحديثة مثل وادي سان جواكين (وهو الجزء الجنوبي من وادي كاليفورنيا المركزي)، تجد أن الناس يستخدمون المياه الجوفية بمعدل أسرع من تجديدها”.
وقد “شهدت كاليفورنيا شتاء ممطرا جدا هذا العام، ولكن ذلك جاء بعد 20 عامًا من الجفاف. وإذا استمر الميل إلى سنوات أكثر جفافًا، فسوف تواجه كاليفورنيا في النهاية نفس المشكلة التي واجهها الجرمنتيون. وقد يكون استبدال إمدادات المياه الجوفية المستنفدة مكلفًا وغير عملي في النهاية”.