كيف سيُغيّر تطبيع العلاقات مع سوريا المشهد السياسي في الشرق الأوسط؟
جاء في مقال د. حامد أبو العز في رأي اليوم:
ليست زيارة عادية يمكن المرور عبرها مرور الكرام، بل هي زيارة قد تغير المشهد السياسي والتحالفات السياسية في منطقة الشرق الأوسط وإلى الأبد. فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي زار دمشق بعد قطيعة دامت لأكثر من 12 عاماً ويبدو بأنّ هذه الزيارة جاءت لترتيب دعوة الرئيس السوري لزيارة الرياض في الأيام القادمة. ولقد أثارت هذه الزيارة العديد من التساؤلات والتحليلات حول الأسباب التي دفعت السعودية لتطبيع العلاقة مع دمشق وما هو مستقبل المنطقة في ظل هذه التفاهمات الجديدة؟
يروّج المؤيدون للثورة السورية بأنه لا فائدة يستطيع أن يقدمها الأسد للسعودية أو الإمارات. ويقيس هؤلاء العلاقات الدولية من مقياس الربح والخسارة ويذكرون السعودية بالأحداث التي حدثت خلال الحرب الأهلية في سوريا ويؤكدون على ضرورة أخذ البعد التاريخي لهذه الحرب ضمن حسابات المملكة. وذهب بعضهم بالطبع للإساءة للمملكة العربية السعودية وقبل ذلك هاجموا تركيا لنفس الأسباب.
في الحقيقة يتجاهل العديد من المحللين السياسيين والصحفيين نظرية الواقعية السياسية ويركزون على خطاب العواطف، هذا الخطاب الذي ليس له محل من الإعراب في بناء العلاقات وإعادتها. لا يمكن فهم سياق التطبيع مع الأسد إلا إذا نظرنا إلى الصورة كاملة دون اجتزاء. لقد استثمرت الدول العربية بما فيها السعودية والإمارات وقطر في مجموعات المعارضة المختلفة سواء في مجموعة أحرار الشام أو لواء الإسلام أو غيرها من المجموعات المسلحة. لقد أنفقت الدول العربية مليارات الدولارات على هذه الفصائل دون أي تقدم يذكر على الأرض، بل على العكس من ذلك انشغلت هذه الفصائل بقتال بعضها البعض.
بعد أعوام من القطيعة، توصلت الدول العربية إلى ضرورة تصفير المشكلات في المنطقة للتفرغ لمرحلة ما بعد النفط وللتفرغ إلى التنافس على المستوى الاقتصادي ولذلك جاءت المصالحة السعودية الإيرانية لتفتح الباب أمام هدنة مستدامة مع اليمن ومن ثم انعكست هذه المصالحة على سوريا بحيث سعت السعودية وبعض الدول العربية لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية ومن ثم العمل على تطبيع العلاقات معها بشكل كامل.
الدليل الرئيسي الذي نراه في تطبيع العلاقات هذا هو تهدئة المنطقة وإبعادها عن سباق التسلح. فالواقعية السياسية فرضت على السعودية إدراك أنها غير معنية بتمويل حرب على إيران في الوقت الذي تستطيع تجنيب نفسها أي محاولات لزعزعة المنطقة عبر المصالحة مع إيران. وأما عن الأسد وسوريا فالواقعية السياسية أيضاً فرضت عليها فهم بأنّ 12 سنة من القطيعة لم تساهم بتغير أي شيء على الأرض وبأن إقامة علاقات مع دمشق مهم لاستقرار المنطقة والدفع نحو معادلة الاقتصاد بدلاً عن معادلة الحرب، وهذا نفس الموضوع الذي أدراكه الأتراك بشكل مبكر.
المتضررون من التطبيع
كما ذكرنا أعلاه، لقد قامت السعودية باتباع سياسة تصفير مشاكل حقيقية فهي اتفقت مع طهران واتفقت مع دمشق وها هي سمحت لقادة حماس بالدخول إلى السعودية ولعل الخطوة القادمة قد تشمل تضمين تفاهمات مع حزب الله بشكل مباشر وعلني أو بشكل غير مباشر وغير علني. إن المنتفعين من هذه السياسات الجديدة هم كثر وهنا نقصد بالكثر أغلب الدول العربية وشعوبها.
العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا ساهمت بتدمير ما تبقى من الطبقة المتوسطة ولعل التطبيع الجديد يجلب فرصة مواتية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. كما أن التطبيع ألغى ولو بشكل مؤقت شبح الحرب وشبح الاشتباكات غير المبررة على جبهة اليمن وجبهة سوريا وجبهة الخليج مع إيران.
في المقابل هناك متضررون رئيسيون من عملية التطبيع هذه أولهم إسرائيل. فعلى المدى المنظور لا تمويل خليجي لأي حرب ضد إيران أو سوريا. كما أن التطبيع مع سوريا قد أرسل رسالة بأن التطبيع الإسرائيلي مع بعض الدول العربية قد توقف حالياً. كما أن هناك أطرافاً لبنانية ستضرر من هذا الاتفاق ونقصد بشكل محدد المحور الذي دعمته الرياض سابقاً. هذا المحور نفسه رفضت الرياض استقباله خلال الأيام الماضية، فالرياض اليوم أصبحت على قناعة تامة بأن المال السياسي لا يجلب الولاء ويجب التعويل على استراتيجيات طويلة الأمد وقوة ناعمة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية في كل من لبنان وسوريا.
ختاماً، قد لا تحضر سوريا اجتماع الجامعة العربية المزمع عقده خلال الأسابيع القادمة بسبب رفض بعض الدول العربية لعملية الإعادة هذه قبل تحقيق حلول سياسية على المستوى السوري، ولكن يبدو بأن عملية التطبيع الكاملة بين الدول العربية وسوريا لا يمكن عرقلتها وذلك للقرار السياسي الذي اتخذته كل من أنقرة وأبو ظبي والرياض.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن “رأي سياسي” وإنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا