رأي

كيف سيساعد حكم محكمة العدل الدولية في تحقيق العدالة للفلسطينيين؟

كتب طارق يوسف الشميمري في صحيفة السياسة:

من المقرر أن تعقد محكمة العدل الدولية جلسة استماع لمدة يومين غدًا الخميس وبعد غد الجمعة 11و 12 يناير الجاري بشأن القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، لارتكاب الاخيرة جرائم إبادة جماعية في حربها المستمرة في قطاع غزة، في انتهاك لالتزاماتها بموجب اتفاقية الأمم المتحدة للإبادة الجماعية.
في 3 يناير الجاري أعلنت محكمة العدل الدولية أنها ستعقد جلسات استماع علنية في قصر السلام في لاهاي، مقر المحكمة، في الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في 29 ديسمبر 2023.
وذكّرت المحكمة أن جنوب أفريقيا قدمت طلبًا لإقامة دعوى ضد إسرائيل في ما يتعلق بانتهاكات إسرائيل المزعومة لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها (اتفاقية الإبادة الجماعية) في ما يتعلق بالفلسطينيين في قطاع غزة.
أضافت المحكمة أن جلسات الاستماع ستخصص لطلب الإشارة إلى التدابير الموقتة الواردة في طلب جنوب أفريقيا، والتي تطلب جنوب أفريقيا من المحكمة أن تشير إلى تدابير موقتة من أجل “الحماية من أي ضرر إضافي جسيم وغير قابل للإصلاح لحقوق الشعب الفلسطيني بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية”، و”ضمان امتثال إسرائيل لاتفاقية الإبادة الجماعية”، والالتزامات المنصوص عليها في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية بعدم المشاركة في الجريمة ومنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها”.
محكمة العدل الدولية، والتي تسمى أيضًا المحكمة الدولية، هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة تأسست المحكمة بموجب ميثاق الأمم المتحدة في يونيو 1945، وبدأت أنشطتها في أبريل 1946، وتتكون المحكمة من 15 قاضياً تنتخبهم الجمعية العامة ومجلس الأمن التابعان للأمم المتحدة لمدة تسع سنوات.
وللمحكمة دور مزدوج: أولا، تسوية المنازعات القانونية التي تعرضها عليها الدول وفقا للقانون الدولي؛ وثانيا، تقديم آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي تحيلها إليها أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المرخص لها حسب الأصول ولا ينبغي الخلط بين محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، الموجودة أيضًا في لاهاي، ولكنها مؤسسة قائمة على المعاهدات تُعنى بقضايا جرائم الحرب التي يرتكبها الأفراد.
تلزم اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الإبادة الجماعية جميع الدول الموقعة على الاتفاقية بعدم ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، وكذلك منعها والمعاقبة عليها.
وتعرّف معاهدة الإبادة الجماعية أنها “الأفعال المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لمجموعة قومية، أو إثنية، أو عنصرية، أو دينية”، ورغم أن القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا تتعلق بالأراضي الفلسطينية المحتلة، إلا أن الفلسطينيين ليس لهم دور رسمي في الإجراءات لأنهم ليسوا دولة عضوا في الأمم المتحدة.
أثناء عملية النظر بالنزاع يتم توسيع اللجنة المكونة من 15 قاضيًا في محكمة العدل الدولية بقاض إضافي من كل جانب في القضية، وتنظر المحكمة التي تفصل عادة في النزاعات الحدودية بشكل متزايد، في القضايا المرفوعة من الدول التي تتهم الآخرين بانتهاك التزامات معاهدة الأمم المتحدة، ووقعت كل من جنوب أفريقيا وإسرائيل على اتفاقية الأمم المتحدة للإبادة الجماعية لعام 1948، مما يمنح محكمة العدل الدولية السلطة القضائية للحكم في النزاعات حول هذه المعاهدة.
ستكون جلسة محكمة العدل الدولية التي تستمر يومين مفتوحة للجمهور، ومن المؤكد أن الملايين حول العالم سيتبعونها وسيمثل بعض المحامين والخبراء من جنوب أفريقيا، وهي دولة لديها خبرة مباشرة في جرائم الحرب والفصل العنصري، وسيدعمه مئات الخبراء من دول أخرى، مثل تشيلي وبوليفيا وماليزيا والأردن وتركيا.
اما اسرائيل فقد اختارت المحامي البريطاني مالكولم شو لتمثيلها، ويعتبر أحد الخبراء في العالم في مجال القانون الدولي، ويدرس دورة في الجامعة العبرية في القدس كمحاضر ضيف كل عام.
وتقول جنوب أفريقيا في ملف القضية المؤلف من 84 صفحة، إن قتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين في غزة يتسبب في أضرار عقلية وجسدية خطيرة لهم، ويحرمهم من الحصول على الغذاء والماء والدواء والوقود والمأوى وغيرها من المساعدات الإنسانية الأساسية.
ومن خلال شن حملة قصف متواصلة دمرت جزءًا كبيرًا من قطاع غزة وأجبرت على إجلاء أكثر من 1.9 مليون ساكن، ترتكب إسرائيل أعمال إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني.
ردا على القضية المرفوعة ضدها في محكمة العدل الدولية، قال الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ إن قضية محكمة العدل الدولية “فظيعة ومنافية للعقل”،أضاف: “أن إسرائيل تبذل قصارى جهدها لتجنب سقوط ضحايا من المدنيين في غزة”. وأشار إلى “أن الهجوم الإسرائيلي جاء نتيجة لهجمات “حماس” عبر الحدود في 7 أكتوبر 2023، والتي قتل فيها مقاتلون إسلاميون عددهم 1200 شخص واختطفوا 240، وفقا للأرقام الإسرائيلية”.
وقال هرتزوغ: “سنكون هناك في محكمة العدل الدولية، وسنعرض بكل فخر قضيتنا المتعلقة باستخدام الدفاع عن النفس بموجب حقنا الأصيل بموجب القانون الإنساني الدولي”.
وفي جلسات الاستماع التي ستعقدها محكمة العدل الدولية في 11 و12 يناير 2024 سيكون لدى كل من جنوب أفريقيا وإسرائيل ساعتان في اليومين المنفصلين لعرض قضيتهما المؤيدة أو المعارضة لتدابير الطوارئ، ولن تكون هناك شهادة شهود، ولن تكون هناك فرصة للاستجواب، وسيكون العرض التقديمي في الغالب عبارة عن حجج قانونية يقدمها مسؤولو الدولة، وفرقهم من المحامين الدوليين.
إن تدابير الطوارئ الموقتة التي طلبتها جنوب أفريقيا في التماسها هي خطوة أولى في قضية سيستغرق استكمالها سنوات عدة، حيث لن تتخذ المحكمة قرارًا نهائيًا بشأن مزاعم الإبادة الجماعية حتى جلسة الاستماع للقضية على أساس موضوعي، والتي ربما يكون على بعد سنوات، ويُطلق عليها رسميًا التدابير الموقتة، والمقصود منها أن تكون بمثابة نوع من الأوامر التقييدية لمنع تفاقم النزاع أثناء نظر المحكمة في القضية بأكملها.
جلسات الاستماع هذا الأسبوع تتعلق فقط باحتمال منح إجراءات الطوارئ بالنسبة للتدابير الموقتة، ويتعين على المحكمة فقط أن تقرر ما إذا كانت ستتمتع بالولاية القضائية للوهلة الأولى، وأن الأفعال موضع الشكوى يمكن أن تقع ضمن نطاق معاهدة الإبادة الجماعية وغالبًا ما يمنح قضاة محكمة العدل الدولية مثل هذه التدابير، والتي تتكون عمومًا من مطالبة الدولة بالامتناع عن أي إجراء قد يؤدي إلى تفاقم النزاع القانوني.
وبغض النظر عن سير الإجراءات والموقف الذي ستتخذه المحكمة في مرحلة لاحقة، يؤكد الخبراء أن تحرك جنوب أفريقيا يواجه تحديات قد تحول دون تحقيق أهدافه، أبرزها غياب آلية فعلية لتنفيذ الأحكام فضلا عن اتخاذ مواقف داعمة لإسرائيل من دول كبرى، على رأسها الولايات المتحدة.
خلال جلسات الاستماع يومي 11 و12 يناير 2024 ستقدم جنوب أفريقيا مرافعتها الشفوية في اليوم الأول من الساعة 10 صباحًا حتى الواحدة ظهرًا، بينما ستقدم إسرائيل مرافعتها الشفوية يوم الجمعة 12 يناير 2024 من الساعة 10 صباحًا حتى الواحدة ظهرًا.
ومن المتوقع اتخاذ قرار بشأن التدابير الموقتة في الأسابيع التالية لجلسات الاستماع، ورغم أن أحكام محكمة العدل الدولية نهائية وغير قابلة للاستئناف، إلا أنها لا تملك أي وسيلة لتنفيذها، إن الحكم ضد إسرائيل يمكن أن يضر بسمعتها الدولية، ويشكل سابقة قانونية.
وتمثل هذه القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا، سابقة باعتبارها الأولى من نوعها أمام محكمة العدل الدولية في ما يتعلق بالحصار المفروض على قطاع غزة حيث قُتل أكثر من 23 ألف شخص منذ 7 أكتوبر 2023 منهم نحو 10 آلاف طفل.
وستكون محكمة العدل الدولية بمثابة قضية تقف فيها إسرائيل، للمرة الاولى، كمدع عليها أمام أهم محكمة في العالم.
إن نتيجة هذه القضية يمكن أن تشكل سابقة، مما يفتح الطريق أمام قضايا متعددة في المستقبل، سواء بشكل فردي أو جماعي، لضحايا إسرائيل، والأهم من ذلك أن صدور حكم لصالح جنوب أفريقيا من شأنه أن يجبر المحكمة الجنائية الدولية على التدخل، والنظر في ما فعله أو حتى قاله الجنود والضباط والسياسيون الإسرائيليون للتحريض على ما يعرفه الكثير من الناس والدول بالفعل بأنه إبادة جماعية.

شغل منصب مستشار، رئيس اللجنة المالية،
رئيس لجنة الميزانية العامة في محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي، مراقب في المجلس الإداري للمحكمة، مستشار في سفارة دولة كويت في لاهاي خلال هذه الفترة من 2013 إلى 2020

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى