كيف سيتأقلم تشارلز الثالث في حياته الجديدة كرأس للدولة؟
كتب شون اوغرايدي في اندبندنت عربية”:
من نافلة القول، حتى إن الأمر قد يبدو مبتذلاً بعض الشيء، لكن لا بد من ذكره بأكبر قدر ممكن من الاحترام، الملكة إليزابيث الثانية مثال يصعب الاحتذاء به. فالملك تشارلز سيحكم لفترة أقصر من حكم والدته، هذا أمر محتوم! كما أنه يرث أيضاً أمة بمكانة أقل عما كانت عليه من سلطة إمبراطورية وعالمية عند جلوس والدته على العرش عام 1952.
حلت دول الكومنولث محل الإمبرطورية في حين اختارت معظم المستعمرات القديمة الاحتفاظ بارتباطها الطوعي الفضفاض مع التاج البريطاني. لكن تلك الدول هي من تحكم نفسها اليوم ومعظمها تحول إلى جمهوريات. وبمرور الزمن، تغير وجه الأمة متعددة الثقافات أيضاً. لكن وبشكل غريب نجحت الملكة إليزابيث التي نشأت في زمن أكثر تحفظاً وضمن عائلة محافظة جداً، ليس فقط بالتأقلم مع بريطانيا تعددية ولكن أيضاً بتشجيع هذا الوضع الجديد والاستمتاع به. كل ذلك من دون تنفير “أتباع المدرسة القديمة” old school من مواطنيها.
الاحترام والنفوذ اللذان راكمتهما الملكة على مدى سبعين عاماً جعل منها منيعة إلى حد لا يمكن المساس بها. لا نستطيع القول إن تشارلز يملك الشيء ذاته. وحتى كعاهل جديد لن يكون محصناً من الانتقادات. فزمن الإذعان [أو الاحترام] [للملكية] انتهى بالنسبة إلى تيار اليمين واليسار معاً.
وإذا ما كنا متفائلين، ربما ينجح الملك تشارلز في التأقلم مع دوره الجديد ويتمكن من كسب الاحترام كملك إذا ما لعب دوراً بناءً وأحسن التصرف. لكأن صدى قوياً يتردد ها هنا لوفاة الملكة فيكتوريا عام 1901، وكذلك لنهاية عهد آخر طويل مليء بالإنجازات العظيمة. ارتقى العرش حينها ابنها الضعيف والمنغمس في الملذات، أمير ويلز إدوارد السابع. لكن إدوارد حينها لم يتوان عن تقديم العون لوزرائه وإصلاح العلاقة التاريخية السيئة مع فرنسا من خلال قيامه بزيارة دولة ملكية كانت ناجحة بشكل كبير. الملك إدوارد السابع نجح أيضاً في اجتياز كثير من مسالب السياسة الغادرة في ذلك الوقت وبذل ما بوسعه لتفادي أزمة دستورية كاد أن يسببها سوء استعمال السلطة من قبل حكومة شعبوية. يبدو ذلك مألوفاً، أليس كذلك؟
لكن بالطبع إن المشكلات المتوقعة بالنسبة إلى العهد المقبل هي ظاهرة للعيان أيضاً. فما كان قد نقل عن تشارلز من انتقادات لخطة الحكومة البريطانية ترحيل اللاجئين إلى رواندا سوف يعرضه لبعض الهجوم اللاذع من اليمين السياسي في البلاد.
إن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم يتعلق بقدرة الملك تشارلز على التخلي عن مواقفه العلنية التي كانت بشكل مضحك تزعج والده الذي كان أيضاً هو الآخر لا يفوت فرصة للتعبير عن نفسه بحرية، وكذلك تحاشي قول أشياء ربما كان عليه ألا يقولها لا في السر ولا في العلن.
فمنتقدوه يبدو أنهم على استعداد لنعته بالـ “متيقظ” woke، [تدليل على الشخص الذي يتمسك بالعدالة وينبذ كل أشكال العنصرية والتمييز]، أو بالمدلل أو غريب الأطوار أو حتى كل تلك الصفات مجتمعة. لكن إذا ما استطاع تغيير عاداته ونجح في استمالة عامة الشعب، فربما سينجح في التعويض عن قصوره وسلبياته بشكل كامل كما فعل جده الأكبر في الماضي [إدوارد السابع]. وستكون إلى جانبه طبعاً، [زوجته كاميلا] سليلة إحدى عشيقات جده الأكبر [كاميلا هي حفيدة من الجيل الثالث لإحدى عشيقات إدوارد السابع، أليس كيبيل]. قد تكون فكرة قيام الملك تشارلز الثالث بزيارة إلى باريس هذه الأيام عاملاً مساعداً لهيئة المحلفين في بت الحكم بما إذا كانت فرنسا “دولة صديقة”، إذا ما استعدنا ما قالته رئيسة الحكومة الجديدة ليز تراس [بشأن موقفها بأنها ستحكم على الرئيس الفرنسي إن كان صديقاً أو عدواً من خلال أفعاله].
من جهة أخرى، لم يسبق أن كان هناك وريث للعرش البريطاني قد تم إعداده بشكل أفضل لدور العاهل أكثر من الأمير تشارلز. فبعد شغله منصب أمير ويلز على مدى 52 عاماً ضمن 70عاماً قضاها ولياً للعهد، يكون تشارلز حظي بفترة تدريب (وربما كان في ذلك شيء من المبالغة) هي الأطول في التاريخ. فمنذ تعميده وهو يحضر لما ينتظره [أي الجلوس على العرش]، وهناك صور تجسد تلك المناسبة للطفل تشارلز مع جده الملك جورج السادس ووالدة جده الملكة ماري (التي ولدت عام 1867)، أرملة الملك جورج الخامس.
700.jpg
الأميرة إليزابيث مع الأمير تشارلز والملك جورج السادس والملكة ماري (غيتي)
في الرابعة من عمره، حضر تشارلز حفل تنصيب والدته، وكانت جدته، الملكة الأم، تتولى الاعتناء به خلال ذلك الحفل. تم إرساله إلى مدرسة غوردونستون Gordonstoun (التي كان يكرهها) وبعد ذلك إلى كلية ترينيتي Trinity College في جامعة كامبريدج لاستكمال دراساته العليا، وفي جامعة كامبريدج أيضاً توافرت لتشارلز خدمات نائب رئيس سابق للحكومة آر أي باتلر RA Butler ليعطيه الإرشادات والمشورة “السياسية” بشكل غير رسمي.
برنامج تدريب تشارلز كان منظماً للغاية. فلقد حظي بحفل تنصيب مصغر عند تعيينه أميراً لويلز عام 1969 في احتفالية جمعت بين الحداثة، كراسي مصنوعة من البلاستيك، مع التقاليد البالية. كما أنهى فترة شبابه في البحرية الملكية ككثيرين من أسلافه.
كانت الملكة إليزابيث والأمير فيليب مترددين دائماً ولأسباب عدة في إعلان تقاعدهما والسماح لنجلهما بتولي السلطة، حتى خلال فترة سطوع نجم الزوجين تشارلز وديانا المجنون في منتصف الثمانينيات. في تلك المرحلة التي شهدت أكبر صعود لشعبية تشارلز، (ولسخرية القدر كان ذلك انعكاساً لتأثير زوجته الكاريزماتي)، كان هناك حديث جاد عن اعتزال الملكة وتولي الزوجين الفاتنين السلطة وبرغبة جماهيرية تقريباً. ربما كانت لوالديه معرفة أعمق حينها بمسالبه مقارنة بالرأي العام البريطاني. وربما كانا على علم بحقيقة علاقته الزوجية. في كل الأحوال، قاما بتأجيل منحه أي مهمة ربما تترتب عليها أي تداعيات.
لكن وفي بداية تسعينيات القرن الماضي، كان سمح لتشارلز أخيراً الاطلاع على وثائق الدولة الحساسة، بما فيها محاضر جلسات الحكومة (على الرغم من كونها محاضر لا تطلعنا على كثير مما يدور في مجلس الوزراء). في الأعوام الأخيرة، قام أمير ويلز أيضاً بعدد أكبر من الزيارات الدولية ولعب دوراً في فعاليات احتفالية مهمة بما فيها قيادته لاحتفالات ذكرى انتهاء الحرب العالمية الأولى Remembrance Sunday، وحفل الافتتاح الرسمي السنوي لأعمال مجلس العموم البريطاني (لكن رعايته لعملية الافتتاح هذه تمت بالاشتراك مع التاج الملكي البراق الذي كان وضع إلى جانبه على وسادة، ربما بهدف التذكير لكل من يهمه الأمر، وعلى رأسهم هو نفسه، بأنها [أي الملكة] لا تزال هي على رأس الدولة).
اعتاد تشارلز على نظرة الجمهور بقدر ما يستطيع. فلقد عاش حياته، بما فيها العاطفية منها، وإن على مضض في معظم الأحيان، والأعين ترقبه. كان زواجه الأول من النجمة ديانا متابعاً من قبل الملايين على شاشات التلفزيون، وكذلك كانت المتابعة الحثيثة والمتطفلة لانفضاض تلك الشراكة الزوجية من قبل ملايين أخرى من الناس أيضاً. أما تسريب تسجيلات فضيحة “تانبونغايت” Tampongate [نسبة لكلام قاله تشارلز عن عشيقته في حينه كاميلا باركر بولز]، فربما سجلت أعلى نقطة من الإحراج له من بين حالات كثيرة مشابهة. أما عن مسألة ملاءمته لأن يكون رئيساً للدولة من عدمه، فهو نجح بالتأكيد في إعادة بناء صورته بعد ما خلفه موت ديانا عام 1997 من تداعيات.
في تلك اللحظة، بدا على العائلة الملكية وكأنها كيان بارد وغير مبال ومتوافق مع الانطباع السائد عن كيفية تدبير آل ويندسور لشؤونهم [العائلية الداخلية]. كانت لحظة خطرة لمؤسسة العرش الملكي ككل. لقد اهتز الكيان الملكي. تم إنقاذ الموقف فقط من خلال استماع الملكة إلى نصائح رئيس وزرائها حينها توني بلير بضرورة عودتها من قصر بالمورال في اسكتلندا إلى لندن وتوجيه كلمة للشعب عبر شاشة التلفزيون. حظي بلير بعدها بمكافأة تعيينه عضواً في فرسان الرباط Order of the Garter [تأسس عام 1348 وهو أعلى مراتب الفرسان المحاربين الإنجليز على الإطلاق]، منصب كان طال انتظاره.
تصرفات تشارلز تجاه أميرته المحبوبة الراحلة كانت السبب الذي جعلت منه مكروهاً أكثر من أي رجل آخر في بريطانيا. أما “عشيقته” كاميلا باركر بولز (وهنا نستخدم التوصيف الأكثر كرهاً للنساء الذي يعود إلى تلك الفترة) فكانت المرأة المكروهة على الإطلاق في بريطانيا. وفي ذلك السياق كانا على الأقل متساويين مع بعضهما البعض!
لكن وبمضي هذا الوقت، يمكننا أن نرى الآن أهمية وفائدة الدور الذي لعبته [الملكة القرينة] كاميلا في تغيير تشارلز وتحويله إلى شخص أكثر سعادة، تظهر علامات الانشراح بوضوح على وجهه العجوز الأحمر وهو يبلغ الـ75 من عمره العام المقبل. منذ زواجهما الذي عقداه في مكتب تسجيل الزواج في بلدية ويندسور عام 2005، بدا الزوجان وكأنهما وجدا سعادتهما التي استعصت عليهما لمدة طويلة، ولو كان ذلك في مرحلة متأخرة من حياتهما.
اقرأ المزيد
تحدي الملك تشارلز الثالث هو تقوية النظام الملكي وتبني التحديث
تشارلز طليق اللسان هل سيلتزم الصمت بعد أن أصبح ملكا؟
الإعلام الأميركي يتحدث عن أفول نجم بريطانيا بعد إليزابيث
تدريجاً، نجحت “عملية بي بي” Operation PB [حملة علاقات عامة بإدارة Peter Mandelson ] في الترويج بعناية لكاميلا كي تصبح مقبولة شعبياً، وفيما بدأت ذكرى الأميرة ديانا بالتلاشي، برزت كاميلا وكأنها جزء من الجدران الملكية اللامعة. فبدأت بالانخراط في الأعمال الخيرية كالترويج لدعم مرض ترقق العظام osteoporosis، وأدلت بعدد من الخطابات موزعة ابتساماتها [أمام العدسات]. كما ظهرت إلى جانب زوجها في حلقة خاصة من مسلسل “إيست إيندرز” East Enders التلفزيوني الإنجليزي الشهير لمناسبة احتفالات اليوبيل البلاتيني Platty Joobs edition [للملكة إليزابيث في يونيو حزيران الماضي]، كما بذلت كل جهدها كي تستميل الجمهور. وفي وقت سابق من هذا العام، أعلنت الملكة إليزابيث الثانية أنها “تتمنى بصدق” أن يتم الاعتراف بكاميلا كملكة قرينة عندما يتوج تشارلز ملكاً على عرش بريطانيا. وهكذا حصلت على لقب “جلالة الملكة كاميلا”، أمر لم يكن أحد ليتصوره قبل سنوات عدة.
وعلى عكس أخ جده الأكبر ديفيد (الذي شغل أيضاً منصب أمير ويلز ولاحقاً توج كإدوارد الثامن والذي تخلى عن الحكم ليتزوج من امرأة مطلقة)، وبشكل مماثل لما جرى مع الأمير هاري، نجح الأمير تشارلز في الزواج من المرأة التي أحبها وفي الوقت ذاته تمكن من الاحتفاظ بمنصبه الملكي. لقد فاز بالكعكة وأكلها، وذلك من خلال التزام وإصرار كبيرين أبداهما على مر الأعوام، وهذا إن دل على شيء فهو مثال على ما أشيع عن عناده ومشاكسته.
إذاً هو ملك سعيد اليوم، بشكل كان ممنوعاً عليه في الماضي، لكن علينا أن نعترف أنه كان المسؤول عما حل به من ويلات، لأنه وبشكل أو بآخر كانت له اليد الطولى في فشل زواجه بديانا. حظي تشارلز بالتدريبات المناسبة والخبرة والمثال الأعلى الذي جسدته الملكة الراحلة والدته، وهو أظهر كل الإشارات التي تدل على تفهمه للفارق بين كونه أمير ويلز وكونه ملك المملكة المتحدة.
عام 2018 ولدى احتفاله بعيد ميلاده الـ70، قالها الملك تشارلز بشكل رسمي، وإن لم يكن يبدي ذلك الوضوح في مناسبات أخرى، “لا يمكنك أن تكون مثل الملك عندما تحتل منصب أمير ويلز وولي العهد البريطاني. لكن الفكرة أنه وبشكل من الأشكال، سأواصل عملي بالطريقة ذاتها، في حال توليّ العرش، هو هراء محض لأن الاثنين، أي كلتا الحالين، تختلفان جذرياً”.
ولدى سؤاله إذا ما كانت حملاته العامة ستتواصل [بعد اعتلائه العرش]، أجاب تشارلز قائلاً “لا لن تستمر الحملات. فأنا لست غبياً إلى هذا الحد”.
وكي نكون عمليين بشكل كبير، إن أكبر مشكلة دستورية كانت من الممكن أن تواجه الملك الجديد خرجت تماماً من الواجهةــ وهنا نقصد بوريس جونسون. فميول جونسون التي تقوم على محاولة تحدي الأعراف حد كسرها، ربما كان ليضعه على شيء من النزاع مع العاهل الجديد.
كان إيقاف عمل البرلمان بشكل غير شرعي عام 2019 مثالاً سابقاً وواضحاً لنوع المشكلات [التي يمكن لجونسون التسبب بها]، لكن أحداثاً مشابهة كان لها أن تتكرر لو بقي جونسون في السلطة، ومثال على ذلك انتهاكه أساليب منح الألقاب الفخرية، خصوصاً ترفيع بعضهم إلى رتبة لورد وسوء استخدام صلاحيات رئيس الوزراء لحل البرلمان استناداً إلى قوانين تم سنها خصيصاً لتفادي محاولة إطاحته، وفي شكل عام يضاف أيضاً إلى ما يمكن لبوريس جونسون أن يفعله من كسر الثقة وعدم الصدق. ما لم تتمادى ليز تراس إلى هذا الحد غير القانوني من الاحتيال مثلما فعل جونسون، ما من مصاعب ستواجه الملك الجديد كالتي واجهت والدته.
ولكن هل يمكن لتشارلز أن يتسبب بكارثة دستورية؟ هذا احتمال قائم دوماً. لكن المشكلة الأصعب التي ربما تواجهه هي أن يجد نفسه وسط خلاف تم افتعاله بشكل مقصود من قبل السياسيين ووسائل الإعلام الذين يرتابون من أي مؤسسة حكم لا تلتزم أفكارهم المتمسكة بنوع من السلطوية الشعبوية القومية. فعلى سبيل المثال، كأن يشعر الملك المتوج حديثاً بعدوانية بعض السياسات الحكومية وانتهاكها لقسم اعتلائه العرش بأن حكومته ستقيم العدل “بشكل رحيم”.
ففي دوره السابق، وإذا اخذنا في الحسبان تعهده بتغيير أساليبه كملك، ربما يلعب دور الناشط بشكل أكبر مما يسمح به حقه الدستوري التقليدي “أي أن يستشار، كما يحق له التشجيع، ويحق له التنبيه”. لكن كثيراً من القضايا التي كان ينشط من أجل تحقيقها لم تكن على أهمية بالغة، مثل حماية نوع “توث فيش” الباتاغوني Patagonian tooth-fish التي من أجلها كتب رسائل لحكومة حزب العمال الجديدة في تسعينيات القرن الماضي.
هذه الرسالة هي واحدة من الأمور التي أثارت سخرية حينها بسبب خط يد [أمير ويلز] العنكبوتي وبسبب الأفكار الغريبة التي طرحتها. لا يبدو أن أي شخص حينها كان ليمانع تدخله في شؤون فن العمارة أو الكائنات المهددة بالانقراض. لكن، ومن جديد، لطالما كان تشارلز مهتماً بقضايا البيئة، حتى قبل أن يصبح الأمر موضوعاً يتم تداوله بشكل واسع في الأوساط كافة، ولا بد ربما من أن تكون لديه نظرة سلبية تهكمية من طرح فكرة استخراج النفط عن طريق التكسير الهيدروليكي [المطروح من جديد حالياً في بريطانيا].
من المؤكد جداً أنه سيواصل الاهتمام بما كانت والدته تقيم له اعتباراً كبيراً، لا سيما التماسك الاجتماعي، وهذا موضوع كان قد تسبب بخلاف في المواقف بين الملكة إليزابيث الثانية ورئيسة الوزراء مارغريت تاتشر في ثمانينيات القرن الماضي. وفي قضايا أخرى، على الملك أن يتدبر أموره لإيجاد الوسائل القادرة على تمويل قضايا إنسانية التزم بها تشارلز، وأن يتأكد من أن المؤسسات الإنسانية التي أسسها لديها ما يكفيها من المال الذي تحتاج إليه للاستمرار. وكما أصبح واضحاً أخيراً، لم تنعكس التبرعات الهائلة التي تلقاها من الشرق الأوسط إيجابياً على حس القيام بتلك الأمور بشكل شرعي [وشفاف]. إن أمير ويلز الجديد وليام، ستكون أمامه تحديات حقيقية في محاولاته فهم الوضع المالي المعقد لمشاريع تشارلز من دوقية كورنول وغيرها من الصناديق الخيرية.
سيكون مؤسفاً للغاية أن تشوب عهد الملك تشارلز الثالث إشكاليات دستورية أو مالية. فهو أمضى حياته كلها منتظراً هذه اللحظة، وليس هناك سبب من حيث المبدأ يمنعه من أن يكون مليكاً دستورياً يحتذى به (بدلاً من أن ينتهي به الأمر كما انتهى بإدوارد الثامن وجورج الرابع).
إن وضع الملكية في بريطانيا راسخ بشكل كبير، ونجح كل من تشارلز وكاميلا في تجاوز بعض أسوأ الفضائح التي أصابتهما شخصياً وغيرها ممن تورط فيها أعضاء آخرين من بقية أفراد العائلة، خصوصاً الأمير أندرو. لكن، وفيما يتشارك تشارلز مع بعض أسلافه من أمراء ويلز حساً بسيطاً بالحق [في الوصول إلى العرش]، يمكن القول بشكل أقل تفاؤلاً إن لديهم أيضاً الرغبة والإرادة لتنفيذ ما يريدون. على الملكة كاميلا ومستشاريه المقربين أن يعملوا كي يتصرف ليس فقط كملك دستوري، بل أيضا أن يميل دوماً نحو ضبط نفسه. فوراء العبارات الوردية وعبارات الولاء والتمنيات له بالنجاح، لدى الملك تشارلز عدد كبير من الأعداء الذين يتربصون به ويتابعون كل تحركاته بشكل أكبر مما يعتقد.