كيف تلاشى شغف صناعة أزياء النساء بالكعب العالي؟
إذا كنتم تتساءلون عن الجانب الأبرز الذي عليكم معرفته عن “أسبوع الموضة في لندن” London Fashion Week هذا الموسم، فحولوا أنظاركم نحو الأسفل. قد لا يكون ذلك شائعاً في عالم الموضة والأزياء، نظراً إلى القامة الطويلة التي تتمتع بها معظم العارضات والتي تتجاوز معدل المتوسط، مع ذلك، إذا كنتم ترغبون في فهم الجوانب الأساسية لاتجاهات الموضة الرئيسة لربيع وصيف العام المقبل 2024، فلا بد من اتباع هذه النصيحة.
الأحذية التي غالباً ما كان يجري تجاهلها خلال “أسبوع الموضة في لندن”، أصبحت الآن محط الأنظار، أو بتعبير أدق: باتت تحظى الآن باهتمام بارز في عالم الأزياء. فقد ولى زمن حشر أصابع قدميكِ داخل زوج من الأحذية المدببة التي تتمايل وتتأرجح بكِ على امتداد الرصيف، أو زمن جر عقبيكِ داخل أحذية الكعب العالي التي ربما من الأجدى بها أن تكون زوجاً من معادن رفع الأثقال الرياضية.
الحذاء الأكثر أناقة اليوم أصبح الحذاء المسطح والمريح. وفي الواقع، كلما كانت نعالك أكثر التصاقاً بالأرض، كلما زاد احتمال تصدر اسمك العنوان الرئيس لإحدى مجلات الأزياء المرموقة.
من المفارقة أن الأحذية المسطحة أصبحت رمزاً للهيبة، سواء داخل أو خارج مدرج عرض الأزياء الذي تعاقبت عليه مجموعة من أحذية الباليه وغيرها من الأحذية المسطحة، إضافة إلى صنادل ذات أربطة. فجميعها خلت من أي كعب تقريباً. لنأخذ على سبيل المثال علامة “16 أرلينغتون” التي لم تكن مجموعتها المميزة لهذا الموسم من نوع أحذية “ماري جاينز” التي سارت على المدرج تحت سترات مربعة، بل أحذية مسطحة مدببة، مغطاة بطبقات من القصاصات الدائرية التي امتازت برسومات مأخوذة من كتاب ياباني عن المخرج ديفيد لينش والتي كانت بمثابة مصدر إلهام جزئي للمجموعة. تماماً مثل أي حذاء مميز، يعلن عن إطلالته على نحوٍ مختلف: فأنتم تسمعون وقع كعبه قبل حتى أن ترونه.
رأينا شيئاً مماثلاً في عرض مولي غودارد منذ إطلاق علامتها التجارية التي تحمل اسمها عام 2014. فقد طغت أحذية الباليه ذات الأربطة على العرض المستوحى من الملابس الداخلية للمرأة اللندنية. وقالت المصممة للنسخة البريطانية من مجلة “فوغ”: “أحب دائماً دمج عنصر رياضي في المجموعة لأن هذه هي الطريقة التي أصمم بها شخصياً مجموعاتي. لقد قمنا باقتباس بعض التفاصيل من الأحذية الرياضية واعتمدناها في أحذية الباليه، من خلال دمجها في الجلد واستخدام أربطة متقاطعة في الجهة الأمامية”.
آشلي ويليامز (مصممة الأزياء البريطانية) حققت من جهتها، عودة ناجحة لمدرج العرض هذا الموسم، من خلال مجموعٍ مستوحاة من العصور الوسطى، تضمنت حذاء باليه ذات حزام واحد باللونين الوردي والأسود، إلى جانب سلسلة من أحذية من ماركة “أغز”، نتيجة نشوء تعاون مشترك بين هاتين العلامتين هذا الموسم. وكانت الأحذية المسطحة أيضاً خياراً مهيمناً في مجموعة “توف”، وهي العلامة المفضلة لدى المحررة، إذ استحوذت الأحذية المدببة بلا كعب على الأضواء. وطغت شعبية الأحذية المسطحة أيضاً على مجموعة “جي دبليو أندرسون” التي امتازت بتصميمها العملي والأنيق المستوحى من صنادل المصارعين.
حتى “سوزان فانغ” التي تعتمد علامتها التجارية المبتكرة والمستدامة على تصاميم الفساتين التي تتراوح بين تلك الأثيرية الخفيفة والشبابية المريحة عمدت إلى موازنة الأنوثة الجريئة من خلال مجموعة من الصنادل المسطحة ذات الأشرطة المزينة بزخارف زهرية، والمقترنة بجوارب رياضية عالية تصل إلى ربلة الساق.
ومع ذلك، فإن شعبية الأحذية المسطحة خطفت الأضواء خارج إطار المدرج. ففي أسفل المقاعد، وعلى جانبي كل منصة تقريباً، كان يمكن العثور على ثلاثة إلى خمسة أزواج من أحذية الباليه الشبكية ذات الشعبية الكبيرة، من علامة “دير فرانسيس”، وهي المفضلة لدى عارضة الأزياء أدووا أبوا. من ناحية أخرى، اختارت المحررات مجموعة متنوعة من أحذية الباليه الجميلة المطبوعة والبسيطة “بريتي باليريناس” للحفاظ على راحة أقدامهن، على غرار تلك التي تشبه إلى حد كبير الحذاء الذي انتعلته الممثلة سيينا ميلر في عرض “فوغ وورلد”، وهو مدبب ذات أربطة حمراء.
وفي خيارات الأزياء الأكثر جرأة وغير التقليدية بين عشاق تصاميم نمط الشارع، لاحظنا استخدام أحذية مسطحة ومكشوفة الظهر، مقترنة بسراويل سوداء مفصلة. وفي بعض الحالات، اختار بعضهن صنادل خشبية ذات أحزمة عريضة، وهو خيار لا يظهر فقط مدى العناية بالقدمين بشكل جيد، بل يعكس أيضاً الثقة والقوة كما هو متوقع.
ومع ذلك، حظي حذاء مسطح متميز هذا الموسم بمقدار كبير من الاهتمام. وإذا لم تكونوا قد سمعتم بأحذية “ميزون مارجيلا تابيس” Maison Margiela Tabis من قبل، فمن المؤكد أنكم بتم تعرفونها الآن بفضل قصة على تطبيق “تيك توك” شهدت انتشاراً واسعاً، روت فيها إحدى النساء كيف سرق زوج الأحذية المفضل لديها خلال موعد لها عبر تطبيق التعارف “تندر” Tinder، لكنه أعيد إليها في النهاية وذلك بفضل جهود جماعية بذلها محققون عبر الإنترنت.
هذا الحذاء ذو الكعب العالي، مستوحى من جورب ياباني تقليدي يعود للقرن الـ15، ويحمل الاسم نفسه. وعلى رغم أنه شائع منذ عام 1989، إلا أن شعبيته زادت خلال الأعوام الأخيرة، وحاز المركز الأول في قائمة خيارات عشاق الموضة الذين هم على دراية جيدة بأحدث اتجاهاتها. وهذا الموسم، بات هذا النوع من الأحذية منتشراً في كل مكان، ليطل علينا سواء من تحت سراويل الجينز واسعة الساق، أو أسفل التنانير أو الفساتين الفضفاضة، بحيث يمكن مشاهدة ساق عارية تتنقل به بكل راحة وحرية.
جميع هذه العناصر تمثل تحولاً ملحوظاً عن مواسم الموضة الماضية. ففي إحدى المراحل، لم يكن بإمكانك حضور عرض واحد من دون مشاهدة مجموعة كبيرة من الأحذية ذات الكعب العالي إلى حد خطر، والأحذية الرياضية والصنادل. أما الآن، فنادراً ما يجري رصدها، إذ إن عشاق الموضة أصبحوا يركزون على عنصر الراحة أكثر من أي وقت مضى.
هذا التغيير يُعد مثيراً للاهتمام، ويبدو أنه لاح في الأفق، خصوصاً في أعقاب صدور فيلم “باربي” الأخير الذي انتقد الكعب العالي، وقام بتصويره كرمز لالتزام المعايير الأبوية، فعندما تخضع “باربي” لعملية تحول، وتصبح “حقيقية” أكثر، بسبب خلل في خوارزمية “باربي لاند مقابل العالم الحقيقي”، تتسطح قدمها المقوسة بشكل طبيعي فجأة على الأرض، ولعل هذا التحول يدل على أن صناعة الأزياء أصبحت تتبنى هي أيضاً نهجاً أكثر واقعية. لكن مع سعر مبدئي لزوج أحذية من “تابيس” يصل إلى 600 جنيه استرليني (744 دولاراً أميركياً)، ربما يكون هذا الاستنتاج غير واقعي.