كيف تتوقفين عن الصراخ في وجه أطفالك؟
تمر مراحل الأمومة بكثير من الإحباطات، فالحياة اليومية ليست وردية كما تصورها مؤثرات منصات التواصل الاجتماعي، وبينما تحاولين تطبيق قواعد التربية الإيجابية، ستواجهك مجموعة من المواقف الضاغطة التي تفقدك التحكم السليم في مشاعرك، فتلجئين إلى الصراخ في وجه الأبناء لإنهاء الموقف. ولكن هل يصبح الصراخ حلا أو وسيلة تربوية لحل مشكلات الأبناء؟
الصراخ في وجه الأطفال قد تكون له آثار ضارة على رفاههم العاطفي والنفسي والاجتماعي، لا سيما حينما يصبح أداتك الوحيدة لإجبار الطفل على اتباع التعليمات أو فض النزاعات بين الأشقاء أو حتى لتوجيه الأوامر بالتوقف عن الحركة والبكاء المستمر.
آثار سلبية
قد يؤدي الصراخ المستمر من الآباء والأمهات إلى عواقب دائمة، من بينها التأثيرات التالية:
1- نقل الخوف
تقول خبيرة التربية وتعديل السلوك عبير مصطفى “ربما لا تتخيلين أبدا ملامح وجهك المخيفة حينما تصرخين في وجه طفلك، هو وحده الذي يرى تلك الملامح، حتى لو كان هناك آخرون في المكان، فهو وحده من توجه إليه كلمات لوم عنيفة وتهديدات مخيفة من شخص يظنه الأقرب إليه”.
وأضافت خبيرة التربية للجزيرة نت أنه “في الوقت الذي تتجنب فيه الأمهات الواعيات لقواعد التربية السوية الضرب كوسيلة للتأديب، تلجأ بعضهن إلى الصراخ كبديل آمن وغير بدني للعقاب، لكن ما يجب أن تدركه الأمهات أن الصراخ مخيف جدا للطفل، فأنت تنقلين إليه مشاعر الخوف، مع رسالة مبطنة أنني كأم لن أساعدك على تخطي هذا الخوف الآن”.
2- الأذى العاطفي
وتضيف عبير مصطفى “يفترض أن البيت وأفراد الأسرة هم مساحة الأمان المطلق في عالم الطفل، فإذا كان العالم الخارجي مليئا بالإحباطات لطفلك، يجب أن يصبح بيته الملاذ الآمن له، وكذلك تصبح أمه أول من يلجأ إليه ليشعر بالطمأنينة، ولكن إذا تعرض الطفل للصراخ المتكرر من أمه، قد يشعر بالخوف أو القلق أو عدم الأمان في المنزل، مما يؤثر على نموه العاطفي”.
قد يؤدي الصراخ إلى تآكل الثقة بين الوالدين والأطفال، مما يجعل من الصعب على الأطفال الوثوق بوالديهم. بمرور الوقت، قد ينمو لدى الأطفال تدني احترام الذات، لأن الصراخ المستمر يمكن أن يخلق صورة سلبية عن الذات.
3- السلوك العدواني
يتعلم الطفل معظم سلوكياته الإيجابية والسلبية من بيئته، وإذا كان الصراخ هو وسيلة التفاهم والتعبير عن الغضب، ستصبح الطريقة المعتمدة لدى طفلك للتواصل مع الآخرين، سواء كانوا أصدقاء وأشقاء، أو حتى في تعامله مع البالغين.
توضح عبير مصطفى أن “الأطفال الذين يتعرضون للصراخ المستمر يرون أنه سلوك مقبول لحل المشكلات والمواقف الحياتية، ومن ثم يفشلون في بناء علاقات صحية مع الآخرين، ويواجهون صعوبة في إدارة الخلافات والأوقات العصيبة”.
4- الإجهاد
تعرفين جيدا أن الصراخ يؤدي إلى إجهاد الجسم، لكن لست وحدك من يتعرض لهذا الإجهاد، قد يؤدي التعرض المستمر للصراخ إلى إضعاف النمو المعرفي للطفل.
تشير الأبحاث إلى أن التعرض لفترات طويلة للبيئات المجهدة قد يؤثر على وظائف المخ، مما يؤدي إلى صعوبات في التركيز والذاكرة وقدرات حل المشكلات، وهو ما ينعكس على أداء طفلك أكاديميا.
5- زيادة مستويات التوتر
يمكن أن يؤدي التوتر إلى ضعف جهاز المناعة، وزيادة خطر الإصابة بالأمراض المزمنة، واضطرابات النوم، حسب موقع “ماريدج”.
ما الحل؟
يوجه الصراخ رسالة غير مباشرة للطفل أن طرق التواصل بينه وبين أمه قد انقطعت، واللجوء إلى العنف اللفظي هو الحل، فكيف تمكن إعادة بناء الثقة بين الطرفين، وكيف يمكن للأم أن تعبر عن رفضها من دون تعريض طفلها لآثار الصراخ.
- توقفي عن الصراخ: قد تبدو نصيحة نظرية غير قابلة للتطبيق في بعض المواقف، لكن هناك بعض الإستراتيجيات التي يقدمها خبراء التربية، والتي قد تساعدك على التحكم في مشاعرك في المواقف الصعبة التي تستفزك فيها سلوكيات طفلك الخارجة عن السيطرة.
- اسألي نفسك “لماذا أصرخ؟”: تذكري دائما أن رد فعلك يجب أن يتناسب مع السلوك الخاطئ، وليس مع الحرج الذي تسبب فيه طفلك. فإذا سكب طفلك العصير في مكان عام، يجب علاج الموقف، وليس الصراخ لإرضاء المحيطين، لا تشتتي انتباهك بمواجهة نظرات من حولك، ولا بإثبات أنك تعاقبين طفلك على سلوكه، بقدر ما يجب أن توجهي طفلك لعلاج الخطأ -بمساعدة منك إن تطلب الأمر- مع توضيح أن هذا السلوك غير مقبول ويجب ألا يتكرر بوعي مرة أخرى.
- هل أنت غاضبة من طفلك أم من مواقف سابقة؟: نحن لا نفقد أعصابنا بصورة مفاجئة، فهناك مقدمات خفية مثل الضغوط اليومية، ومشكلات العمل وأعباء الأسرة وبعض المواقف المزعجة التي نتعرض إليها، وربما لأننا نثقل أنفسنا بمتابعة أخبار سيئة تترك أثرا في النفوس مثل أخبار الحوادث والحروب.
ربما لا تدركين أن هذه المواقف كانت سببا في إثارة غضبك، بينما السلوك الخاطئ لطفلك كان مجرد محفز لإشعال ثورتك، امنحي نفسك 10 ثوان لإدراك سبب ثورتك قبل أن تطلقي العنان لمشاعرك الثائرة.
- تمارين التحكم في الغضب: ابتعدي عن مكان الأزمة، قومي بممارسة تمارين التنفس العميق (4-7-8)، استخدمي هذا التمرين في المواقف الحرجة للتحكم في غضبك.
يعتمد التمرين على التنفس من الأنف مع غلق الفم لمدة 4 ثوان. وحبس النفس لمدة 7 ثوان، ثم إطلاق الزفير بهدوء لمدة 8 ثوان. مع تكرار التجربة، ستشعرين بتحسن كبير، يمكنك بعدها اتباع طريقة هادئة للتعبير عن رفضك السلوكيات الخاطئة. - طفلك يتعلم من أخطائه: التوقعات المثالية لا يمكن تحقيقها في الواقع، تذكري أن طفلك يتعلم من الأخطاء، فالطفل الذي لا يخطئ إنسان خائف جدا لا يقدم على التجارب تجنبا للعقاب.
- استخدمي أسلوب التعزيز الإيجابي: لا تتجاهلي السلوكيات الخاطئة، يجب أن ينتبه طفلك لأفعاله، ولكن في الوقت ذاته، ينبغي تقديم البديل الإيجابي لعلاج الخطأ. فإذا استخدمنا المثال السابق، وشارك طفلك في تنظيف مكان العصير المسكوب، يجب أن توجهي طفلك للجلوس في أثناء شرب العصير مع تجنب اللعب والحركة العنيفة، كما يجب أن ينتبه ليديه في أثناء حمل الكوب، وأن يعتذر عن الخطأ الذي ارتكبه.
بهذا السلوك الإيجابي، تعلم طفلك من أخطائه وقام بعلاجها من دون أن يتعرض لسلوك لفظي عنيف يخيفه ويفقده الثقة بنفسه.