رأي

كيف أعادت الحروب الجديدة الانقسامات الأميركية القديمة

كتب روس دوثات في صحيفة نيويورك تايمز.

على الرغم من كل الطرق التي تغيرت بها التحالفات السياسية، خلال الأجيال القليلة الماضية؛ من انضمام الديمقراطيين الجنوبيين إلى الحزب الجمهوري، وتحول الجمهوريين في الشمال الشرقي إلى الديمقراطيين، وانتقال «ديمقراطيي ريغان» يميناً، وتصويت الجمهوريين في الضواحي لصالح جو بايدن، هناك أنماط مستمرة وثابتة عبر الأجيال.

هذا ما نراه في السياسة الخارجية، الآن، حيث ينقسم الديمقراطيون والجمهوريون حول إسرائيل وفلسطين، وأوكرانيا وروسيا، على التوالي، بطرق كانت لتبقى مألوفة لنسخة كل حزب كان موجوداً قبل 50، أو حتى 75 عاماً.

أولاً، يعيد الديمقراطيون تجسيد انقساماتهم، التي وقعت في عصر فيتنام، في الانقسام بين إدارة بايدن واليسار المؤيد لفلسطين. ومرة أخرى، لدينا رئيس ديمقراطي مُسن يكافح لتعديل الصراع، مع عدم وجود نهاية محددة للعبة. ومرة أخرى، يمثل منتقدوه اليساريون جيل الشباب في حزبه، حيث يتركز نفوذهم في الجامعات، ويعبرون عن قوتهم، في المقام الأول، عبر تكتيكات الاحتجاج التخريبية.

تتشابه لغة المحتجّين عبر الحقبتين، ولو أن «الاستعمار الاستيطاني» حلّ محل «الإمبريالية» كلقب مفضل. كذلك تكمن المعضلة الداخلية لليسار – وبالتحديد إلى أي مدى يمكن معارضة حملة عسكرية ضد قوة متمردة مندمجة في السكان المدنيين دون أن تتحول إلى دمى في أيدي سياسات التمرد السلطوية (في فيتنام)، أو الدينية (في قطاع غزة)؟

وفي حين يعيد الديمقراطيون اللعب وفق ستينات القرن العشرين، فإن الانقسام الجمهوري حول تمويل أوكرانيا كان ليؤدي إلى إحياء المناقشات التي كانت لتصبح مألوفة لأي شخص يشاهد الحزب الجمهوري منذ ثلاثينات القرن العشرين، وحتى أوائل خمسينات القرن العشرين. والآن، كما كانت الحال آنذاك، لدينا دعاة عدم التدخل ضد الصقور، والشعبويون الجاكسونيون ضد دعاة النزعة الدولية (الأمميين)، وهي نسخة محدثة من جناح روبرت تافت القديم في الحزب ضد المعادلين المعاصرين لويندل ويلكي وتوماس ديوي.

وإذا كنت راغباً في دفع القياس إلى الأمام، فبوسعك حتى أن تقول إن التحول الأخير، الذي قام به رئيس مجلس النواب المحاصَر، مايك جونسون، من المتشككين في الإنفاق الأوكراني، إلى المؤيدين لحزمة مساعدات ضخمة، أشبه بالتحول الذي أحدثه السيناتور الجمهوري آرثر فاندينبيرغ، على مدى أربعينات القرن العشرين، من الانعزالي إلى المحارب البارد.

بالطبع، التاريخ لا يكرر ذلك بدقة، ولا سيما عندما تنتقل من الانقسامات الداخلية في أميركا إلى تحديات السياسة الخارجية الفعلية. روسيا في عهد فلاديمير بوتين ليست ألمانيا تحت حكم أدولف هتلر، أو الاتحاد السوفياتي تحت حكم جوزيف ستالين، وإسرائيل ليست مثل فيتنام الجنوبية على الإطلاق، والقوات الأميركية ليست ملتزمة بأي من الصراعين حتى الآن.

علاوة على ذلك، فإن رؤية الاستمرارية عبر مختلف العصور لا تخبرك بمن هو المُحق في هذه المرحلة، أو تكشف كيف سوف تنتهي أزمات اليوم في نهاية المطاف، خصوصاً عندما تتزامن الأزمات، وتلوح أزمات أخرى في الأفق. من بين الجوانب المثيرة للاهتمام في الموقف الحالي أن كل مناظرة داخل الحزب الواحد تشعر بأنها منفصلة إلى حد ما عن الأخرى. يمكنك أن تتخيل أن عدم التدخل اليميني يُقوض الدعم الجمهوري لإسرائيل، وكذلك لأوكرانيا، لكن حتى الآن لا يتمتع منتقدو إسرائيل اليمينيون، مثل تاكر كارلسون، وكانديس أوينز، بقاعدة انتخابية كبيرة في الكونغرس. وعلى نحو مماثل، قد يتصور المرء نشاطاً مناهضاً للحرب في التعامل مع إسرائيل وفلسطين لتشجيع قضية يسارية تسعى إلى إحلال السلام مع روسيا. (إذا كان من المتوقع أن تتساوم إسرائيل مع «حماس»، فلماذا لا تتساوم كييف مع موسكو؟)، ولكن هذه الحجج ليست جزءاً كبيراً من السياسة الديمقراطية في الوقت الراهن.

ربما سيكون هناك مزيد من التلاقح المتبادل إذا استمر الصراعان، أو لعلَّ الأحداث الجارية في آسيا سوف تؤدي إلى تغير المناقشات الحالية وتحل محلها. وفي الوقت الحالي، فإن القلق بشأن موقف واشنطن من الصين يقدم أرضية مشتركة محتملة للفصائل الجمهورية، حيث يتفق فانس وخصومه من الصقور – من الناحية النظرية على الأقل – على ضرورة بذل مزيد من الجهد لردع بكين. وفي الوقت نفسه، في الائتلاف الديمقراطي، لا تحظى مسألة الصين بكثير من الاهتمام على الإطلاق.

لكن هذا يمكن أن يتغير بسرعة، خصوصاً إذا كنت تعتقد أن الفترة الحالية من الصراع العالمي هي فقط «تشديد» نية النظام الصيني «لتنفيذ عمل عدواني مماثل لغزو روسيا لأوكرانيا» (على حد تعبير تحليل جديد من مايك ستولمان، القائد السابق لمكتب الاستخبارات البحرية).

في هذه الحالة، سوف تتحول الصين من احتلال دور من المرتبة الثانية في مناقشاتنا إلى إعادة كتابتها بالكامل – ربما من خلال التشكيك في كل من اليسار واليمين في الالتزامات الأميركية الخارجية، بالطريقة التي جرى التخلي بها عن الانعزالية عندما أفسحت أزمات الثلاثينات المحتدمة المجال للحرب العالمية الثانية.

أو ربما من خلال زيادة حدة الانقسامات والارتباك، اليوم، وبالتالي فهم لا يشعرون بالرغبة في العودة إلى الوراء بقدر ما يشبهون المناقشات الجديدة في عصر حيث ربما كانت الإمبراطورية الأميركية تحارب من أجل حياتها.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى