كيف أشعل الخطاب التقسيمي وشعار “أوقفوا القوارب” أعمال الشغب العنصرية
وجدنا أنفسنا في هذا الوضع بعدما شبه سياسيون من الصف الأول طالبي اللجوء بـ”الغزو”، وحذروا من “إعصار” هجرة وشيك قد يضرب بريطانيا
كتب شون أوغرايدي, في “اندبندنت عربية”:
تدور أعمال الشغب الأخيرة في المملكة المتحدة حول الصدام بين جماعات اليمين المتطرف والشرطة، إذ تتفاقم الأزمات بفعل تصريحات سياسية مغذية للإسلاموفوبيا، مما يتطلب من القادة البريطانيين التصدي لهذه الأكاذيب والدفاع عن سيادة القانون.
تناولت إحدى الصحف البريطانية، التي لا يهمها توخي الدقة في نقل الأخبار، أعمال الشغب التي عمت في مناطق مختلفة من المملكة المتحدة، تحت عنوان “اشتباك اليمين المتطرف مع المسلمين في أعمال شغب”.
وعلى رغم وقوع مواجهات مباشرة مع الأفراد الذين هاجموا المجتمعات الإسلامية المحلية والمساجد خلال أعمال الشغب الأولية، فكان من الواضح أن غالب حوادث العنف نشأت من جماعات اليمين المتطرف التي كانت تسعى إلى صدام مع الشرطة البريطانية.
اقرأ المزيد
عن أسباب موجة الشغب في بريطانيا
ستارمر يتوعد بمعاقبة المتورطين في أعمال الشغب سريعا
أكاذيب اليمين المتطرف أشعلت الشغب في المملكة المتحدة
ويعزى السبب في الحقيقة، وإلى حد كبير، إلى قلة عدد الحالات التي وقعت فيها مواجهات مباشرة بين المحتجين العنيفين والمجتمعات المسلمة المحلية، إلى الجهود التي بذلتها أجهزة الشرطة في البلاد لإبقاء الطرفين منفصلين.
فقد نظر كثير من الأشخاص الذين شاركوا في هذه “الاحتجاجات” المزعومة إلى قوى إنفاذ القانون باعتبارها عدواً لهم، وقاموا باستفزاز عناصرها، ورشقوهم بالحجارة وغيرها من الأشياء الأخرى. وكادوا أن يشنقوا أحد الشرطيين بعدما دفعوه عن دراجته النارية، كما قاموا بإحراق مركبات، وتدمير مركز للشرطة المحلية في مدينة ساندرلاند في إنجلترا، ويبدو أنهم لم يكونوا مكترثين كثيراً بالخسائر المحتملة في أرواح عناصر الشرطة في هجوم الحرق المتعمد الذي وقع.
لقد أجج موضوع “معاداة الإسلام” “إسلاموفوبيا” الذي حرك هذه الجموع، سواء عن عمد أو بتهور، من جانب سياسيين يمينيين متطرفين، وأنصار ستيفن ياكسلي لينون (المعروف باسم تومي روبنسون). وجرى تضخيم هذا الخطاب من “جهات فاعلة سيئة” عملت على نشر إشاعات لا أساس لها من الصحة، من مصادر إخبارية مرتبطة إما بروسيا، أو بشخصيات مثل قطب الأعمال إيلون ماسك.
وبعد مضي أسبوع على هذا الوضع، يجب ألا ننسى كيف ألقي اللوم في جرائم القتل المأسوية لثلاث فتيات صغيرات في أحد صفوف الرقص في بلدة ساوثبورت، على طالب لجوء سوري مسلم لا وجود له، قيل إنه وصل إلى المملكة المتحدة على متن قارب مطاطي.
لكن الحقيقة الواضحة للعيان التي لا جدل فيها، المتمثلة في أن المشتبه به كان مسيحياً من أصل رواندي، وولد في المملكة المتحدة، لم تبدد من غضب أولئك الذين كانوا حانقين في الأساس. إذ وجهت شخصيات سياسية مثل نايجل فاراج اللوم إلى السلطات البريطانية، لترددها الأولي في اتخاذ الإجراءات اللازمة، وكأن أعمال الشغب كانت لتكون مبررة لو كان المعتدي لاجئاً حقيقياً أم لاجئاً مزعوماً (وهو موقف غير مبرر في بلد يدعي أنه يحترم سيادة القانون).
اللغة المستخدمة مهمة، فمن المثير للاهتمام التنبه إلى المرات العديدة التي تبنت حشود الشغب التي نزلت إلى الشوارع شعارات معينة، مثل “أوقفوا القوارب” Stop the Boats التي روج لها رئيس الوزراء السابق ريشي سوناك، وكذلك شعار “نريد استعادة بلادنا” We Want Our Country Back الذي ينادي به حزب “ريفورم” (حزب إصلاح المملكة المتحدة).
ويزعم فاراج، من دون أن تكون لديه أدلة كافية، أن “ثلاثة أرباع المسلمين في بريطانيا لا يشكلون أي تهديد للبلاد”، مما يعني ضمناً أن الربع المتبقي، و”عدداً من الشباب المسلمين الأجانب”، لا يشاركونه القيم الغامضة التي يؤمن بها (التي في الواقع لا يتشاركها معه كثيرون).
لكن لا بد من الإشارة إلى أن أحداً لم يقم بتأجيج خطاب “معاداة الإسلام” وإضعاف الثقة بأجهزة الشرطة، كما فعلت وزيرة الداخلية السابقة سويلا برافرمان. إذ أسهمت بشكل كبير طوال فترة ولايتها، بإضفاء شرعية على “معاداة الإسلام”، وتقويض عمل الشرطة. وتمثل أعمال الشغب هذه والمعاناة الناتجة منها، انعكاساً سلبياً للإرث الذي خلفته خلال عملها في الخدمة العامة.
يجب أن نتذكر أنها هي التي شاءت أن تصف المهاجرين بأنهم يشكلون حالة “غزو” للبلاد، وحذرت من “إعصار” هجرة وشيك قد يهدد بريطانيا، واتهمت الشرطة باعتماد “معايير مزدوجة” والقيام بـ “ممارسات متحيزة” خلال فترة توليها منصب وزيرة الداخلية المسؤول عن الأجهزة الأمنية. ومن المفارقات أن الشرطة التي انتقدتها برافرمان، هي التي تتعرض للهجوم الآن، في وقت تتولى فيه حماية المساجد والأحياء التي يواجه فيها الأشخاص ذوو البشرة الملونة العنف من جانب غوغائيين غاضبين. والآن يردد كثير من هؤلاء المهاجمين الشعار المألوف والمبتذل: “أوقفوا القوارب”.
من المؤشرات الإيجابية النادرة التي قد تدعو إلى التفاؤل في ما يتعلق بمستقبل المملكة المتحدة والتيار اليميني الدستوري الديمقراطي، أن سويلا برافرمان أصبحت ممقوتة ومثيرة للجدل إلى درجة أنها أصبحت عاجزة عن حشد الدعم الكافي لترشحها المتوقع منذ فترة طويلة لزعامة حزب “المحافظين”. ويبدو أن هناك تحولاً الآن في المواقف – أقله بين أعضاء البرلمان ومؤسسة الحزب، لجهة الابتعاد عن تشكيل تحالف مع حزب “ريفورم”، والخوض بدلاً من ذلك في تحد مباشر مع فاراج.
وقد يكون مثيراً للدهشة أن نسمع اليوم تصريحات عقلانية مباشرة في شأن وجود “عدم مساواة في عمل الشرطة وممارسات متحيزة”، من جانب وزيرة الداخلية البريطانية السابقة بريتي باتيل، التي عرفت بآرائها المتشددة حيال اللاجئين.
فقد قالت باتيل إن “هناك فارقاً واضحاً بين إغلاق الشوارع أو الطرق، والأعمال العنيفة مثل إحراق المكتبات والفنادق وبنوك الطعام، ومهاجمة أماكن العبادة. إن ما نراه الآن هو أعمال بلطجة وعنف وعنصرية، لقد تعاملنا مع الاعتراضات في السابق من منطلق إيماننا بحرية التعبير، وشهدنا خلال فترة الوباء احتجاجات كانت تنظم بحماية الشرطة، إلا أن ما نراه الآن هو فوضى إجرامية، لا يمكن مقارنتها أبداً بتلك الاحتجاجات”.
إن هذه الأوقات العصيبة التي تشهدها البلاد، تفرض على السياسيين من مختلف الأحزاب البريطانية، أن يعملوا على دحض الأكاذيب والدعاية الخادعة التي يروج لها اليمين المتطرف وأنصاره وأغبياؤه الذين يستغلهم ويتلاعب بهم.
كما أن هذه الأزمة التي يواجهها القانون والنظام، تمثل فرصة للديمقراطيين الحقيقيين داخل حزب “المحافظين”، للدفاع عن سيادة القانون وتجنب تبرير السلوك العنصري. ويتعين عليهم أن ينأوا بأنفسهم عن أخطاء الماضي، وأن يعترفوا بوجود ظاهرة الـ”إسلاموفوبيا” في البلاد، وأن ينددوا بها وبما تمثله.
وعلى رغم أن السيدة باتيل لم تقدم على هذه الخطوة بعد، إلا أنه لو اعتمد قادة آخرون في حزب “المحافظين” الصراحة نفسها التي عبرت عنها وزيرة الداخلية السابقة في دعم الشرطة، فإن هذا من شأنه أن يمنحنا مزيداً من الأمل في إمكان التغلب على هذه الفترة الصعبة والمقلقة في تاريخنا الوطني، وتجاوزها.