كويت الغد.. توقعات التطور ومخاوف التهور

كتب عبدالله بشارة في صحيفة القبس.
تدخل الكويت دورة برلمانية جديدة محملة بآمال الشعب الكويتي بأن تسفر مسيرة التعاون بين السلطتين بما يحقق الآمال التي ينتظرها منذ وقت طويل، في العبور إلى فصل التنمية، يأخذ مسيرة الكويت نحو طموحاتها في التفاهم مع مستجدات التكنولوجيا وتنفيذ خطة التطور التي تتوقع السلطة التنفيذية أن يتعاون البرلمان لترجمتها إلى واقع مستقبلي..
والحقيقة التي لا يمكن تجاهلها أن المجلس لن يتقبل بسهولة ما تقصده الحكومة في مشروعها دون موقف صلب يتمثل في قيادة حكومية مؤمنة بواجباتها، قادرة على الدفاع عن محتوى الخطة، وساعية لإقناع البرلمان بدعمها انطلاقاً من مفهوم التشاركية التي يجسدها دستور الكويت.
ولن يتحقق مبدأ التشاركية دون وقفة صلبة تقنع جميع أبناء الكويت بأن حكومة اليوم تتحرك بعمق القناعة في رسالتها، متمسكة بمسارات الخطة، مرحبة بمساهمة النواب في الإسراع بإنجازاتها، وعازمة على مقاومة التعطيل والتأجيل، وبدون هذا الموقف القيادي المسنود بدعم شعبي لن يتحقق شيء من الطموحات ولن تشهد الكويت الاستقرار الذي يفرزه التعاون بين السلطتين.
كما أن قيادة الحكومة في حالة إخفاقها في كسب التعاون البرلماني، ستتعرض لانحسار ثقة الشعب بها، وسيطغى الاسهام النيابي ودوره في مستقبل الكويت على حساب السلطة مع مخاوف من فقدان الحكومة للفاعلية القيادية ومن ثم إصابتها بالشلل والضجر من تغول الدور البرلماني.
ومن خلال رصد تجارب الشعوب، عند فقدان الثقة بين السلطتين فإن الدرس الأول استقالة الحكومة أو حل البرلمان مع انتخابات لاحقة.
ولا يمكن أن يجزم أي واحد من المتابعين، بما قد يحدث في حالة الفجوة بين السلطتين، من تباعد قد تتولد منه نزعة المواجهة، وهي حالة تتعرض لها النظم البرلمانية المعتمدة على الأحزاب، وهي حالة خصبة لولادة الشلل والخناقات وغياب الاستقرار والانقسامات الاجتماعية والسياسية.
ويمكن الإشارة إلى أن كبرى الآليات المفجرة للانقسامات هي تلاحق الاستجوابات التي يثيرها النواب دون تأمل في ما تحمله من تباعدات وانقسامات ولا سيما عندما تقترن بسخونة المداخلات وعصارة التعليقات.
الكويت وطن خرج من تكاتف شعبي، تواصل متميزاً بالغيرة الوطنية على سلامة البلد ووحدة شعبه، لا تناسبه المواجهات السياسية خاصة التي تخرج من خلافات داخل البرلمان التي تحمل معها الانشقاقات وانحسار الثقة المتبادلة، والتجربة البرلمانية خرجت من إيمان عميق بالتشاركية بين أبناء الشعب والشرعية التاريخية، وبدون الاستهداء بإملاءات هذه التشاركية لن تنجح التجربة الكويتية ولن تتحقق خطة وطنية تنموية، كما لن تنفتح الأبواب للمزيد من الاتساع الديموقراطي، والخوف من الإخفاقات يتصاعد من عوامل أبرزها حالتان، لا بد أن نعمل جميعاً على إفشال تأثيرهما في الحالة الكويتية، أولاهما- نزعة المواجهة التي تتواجد في جميع برلمانات العالم، وهي قاتلة للشأن الكويتي المعتمد على صفاء الحس الوطني والترابط المصيري، وهذه النزعة المؤذية تتفرخ من انفراط الثقة بين السلطتين، وانحسار الالتزام بحق المشاركة، واملاءات التشاركية التي أدخلها الشيخ عبدالله السالم كقاعدة تقف عليها الحالة البرلمانية الكويتية.. والأخرى حالة الضجر من التجربة Democratic Fatigue، والملل من أثقالها عندما تتعاظم فيها ليس الاستجوابات فقط، بل أيضاً فيضان الأسئلة التي توجه إلى الوزراء، وبعضها أسئلة تتحقق الأجوبة لها من روح التعاون الصافية، وليس من التسابق نحو دفع الوزراء إلى زاوية الاحراجات وتسجيل نقاط.
وفي تجربة الكويت من الواجب أن نتذكر بأن استمرار البرلمان هو صفة بقاء دائم وحيوية متدفقة لتطور لا يتوقف، والأهم استقرار الأمن الذي تحميه الوحدة الوطنية الصلبة والجامعة لألفة صحية تتداخل فيها الشرعية التاريخية وأبناء الوطن.
وأبرز تقاسيم هذه التجربة هي التمسك الوطني الجارف بالوطن بترابه وبنظاميه السياسي والاجتماعي، ونعرف جميعاً بأن الكويت حالة نادرة في سلوكها وفي التزام شعبها وفي معاناتها من موقعها الجغرافي، وإدراك المواطنين بأن أفضل علاج للأذى الجغرافي تواصل الهمة الوطنية الوحدوية كما سجلتها تجربة الغزو البائس.
أسوأ ما يزعج الكويت هو وصول الأذى الحزبي الديموقراطي إلى تجربتها، فحالة الديموقراطية الكويتية بنواقصها وضيق جغرافيتها رسمت بمحتوياتها كوصفة فريدة تلتقي مع الواقع الكويتي تحافظ فيه على أمن المحتوى الكويتي الداخلي وتعمق شبكة الترابط التاريخي مع الشرعية الكويتية، وليس لها حاجة للأحزاب ولا تتعايش مع الصخب الحزبي ولا تستذوق الفرز الأيديولوجي للتجمعات الحزبية.
ورغم هذه الحقائق التي تشكل محتوى الديموقراطية الكويتية فإن الواقع داخل مجلس الأمة لا يتماثل مع الهوية الديموقراطية الكويتية، فالتجمع الإسلامي لا يستهدي بحقائق الكويت في السلوك البرلماني لأعضائه، وإنما يأتي بطرح ما يناسبه من محتوى التراث معتبراً هذا النهج تجاوباً مع إملاءات الدين، ولا ينفرد الاجتهاد الديني بهذا النهج وإنما سعى الآخرون إلى استحضار أيديولوجيات حزبية عربية واجتهادات تتعارض مع التوجهات الكويتية ويتزايد خطرها عندما يتم التصويت حول محتواها.
وفوق ذلك لا مفر من التنسيق بين اللجان المختصة التي يشكلها المجلس حول مختلف المسارات وبين المختصين في سلطة الحكومة، وبدون الانسجام بين اللجان وتعاون الحكومة يبرز الاختلاف والتباعد ويعلو صوت الخلاف ويتأخر عمل المجلس، كل ذلك على حساب توقعات الشعب..
يجب ألا نتجاهل مواصفات البرلمانية الكويتية التي كما أشرت هي الشراكة وليست المواجهة، ولا تنمو هذه التجربة مع تطبيق النظام الديموقراطي الحزبي على واقع الكويت، فالحصيلة الطبيعية هي الصدام والتوتر والاضطراب السياسي والاجتماعي، وهي حالة اعتداء واضح على التجربة الكويتية واستخفاف بالشراكة الثنائية الضامنة للاستقرار السياسي والاجتماعي.
أعود إلى ضرورات المنطق القيادي الذي تبرره الحكومة داخل البرلمان، فهي صاحبة المبادرة في مشروع التنمية ودارسة للتفاصيل وملمة باحتمالات نقد النواب لمحتواها، فالمنتظر منها شعبياً وقيادياً، أن تشرح بقناعة وتطلب بإصرار وتقود الجلسات، لا تتردد ولا ترتعد من النقد، وتمشي بثقة، دون ذلك سيتطاول عليها الناقدون من الأعضاء، متجاهلين ضرورات التوافقية للوصول إلى التعايشية بين البرلمان والحكومة.
لا ننس أن طوائف الشعب الكويتي ستركز اهتمامها على حوار البرلمان مع الحكومة، متفائلين بالتوافق وجاهزين للتعبير عن الترحيب بهذا التوافق، أو السخط الحاد عند إخفاق الطرفين في تحقيق الإجماع، مع استحضار النقد للتجربة البرلمانية والضيق بآلياتها..
لعل سمو رئيس الوزراء مستوعباً لجميع الاحتمالات، ومجهزاً مساعديه وآلياتهم لفصل الانطلاق التنموي الذي يتشوق له الشعب الكويتي ويرى فيه مضمون طموحاته المستقبلية، وغير ذلك ستشهد الكويت فصول الجفاف والجفاء.