رأي

كوريا الجنوبية تدخل عهداً جديداً: آمال باستعادة الاستقرار

كتب سعيد محمد, في الأخبار:

تحول سياسي كبير شهدته كوريا الجنوبية، مع الإعلان عن فوز مرشح المعارضة اليساري في الانتخابات الرئاسية المبكرة، ما بعث الأمل في إنهاء أشهر من عدم اليقين السياسي

لندن | مع فرز أكثر من 90% من الأصوات في الانتخابات الرئاسية المبكرة التي جرت (الثلاثاء) في كوريا الجنوبية، تَقدّم لي جاي ميونغ، مرشح «الحزب الديموقراطي» اليساري، بشكل حاسم، على منافسه اليميني المحافظ، كيم مون سو – الذي أقرّ بالهزيمة -، حاصداً 48.5 بالمئة من مجموع الأصوات، مقابل 42.5 بالمئة لسو. وبهذا الانتصار الصريح لميونغ، الذي يسيطر حزبه على الجمعية الوطنية (البرلمان)، فإن الأنظار تتجه إليه الآن لاستعادة الاستقرار السياسي، في وقت يواجه فيه الاقتصاد تباطؤاً تفاقم بسبب التعرفات الجمركية التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والتوترات الجيوسياسية الأوسع على نطاق إقليم شرق آسيا.

وتعهّد ميونغ، في خطاب النصر الذي ألقاه خارج مبنى الجمعية الوطنية، بحماية الديموقراطية في كوريا الجنوبية، بعد المحاولة الفاشلة لفرض الأحكام العرفية من قبل سلفه المخلوع يون سوك يول في كانون الأول الماضي، قائلاً إنه سيضمن «ألا يستخدم الجيش أبداً الأسلحة التي عهد بها إليه الشعب لتدبير انقلاب». كما وعد مواطنيه بالعمل على إنعاش الاقتصاد الكوري الجنوبي المتراجع، وضمان أمنه الدولي، وتوحيد شعبه المنقسم سياسياً.

وأتت هذه الانتخابات المبكرة كنتيجة مباشرة للأزمة السياسية التي أطلقتها محاولة يون الفاشلة لفرض الأحكام العرفية، ما أدى إلى إقالته في نيسان الماضي، والدعوة إلى انتخابات رئاسية. ووصف بارك تشان داي، نائب رئيس «الحزب الديموقراطي»، النتيجة بأنها «حكم ناري قاطع من شعب كوريا الجنوبية ضد الانقلابيين». وكان ميونغ قد خسر أمام يون بهامش أقل من 1 بالمئة في الانتخابات الرئاسية لعام 2022، بعدما ترشح على أساس برنامج يساري تعهّد بتقديم دخل أساسي شامل لكل مواطني البلاد، ولكنه لطّف من مواقفه منذ ذلك الحين ليصبح أقرب إلى الوسط، وعمل على طمأنة الناخبين المعتدلين والمحافظين الذين شعروا بالنفور من بهلوانيات يون وحزبه (سلطة الشعب)، وأعلن أنه «لن تكون هناك تغييرات جذرية تحت قيادته». ومع ذلك، فإن يمين الطيف السياسي في البلاد يشكك في ما إذا كان هذا التحوّل إستراتيجياً حقيقياً، أم مجرد تكتيك مرحلي لأغراض الحملة الانتخابية.

ولعل أهم الملفات التي سينبغي لميونغ التعامل معها عاجلاً مع تسلمه السلطة، مسألة العلاقات الشائكة بالولايات المتحدة – حليفة كوريا الجنوبية وضامنة أمنها -، لا سيّما بعد تهديد ترامب بفرض تعرفات جمركية بنسبة 25 بالمئة على السلع الكورية الجنوبية. وعانت الشركات الكورية الجنوبية بالفعل من تأثير التعرفات الجمركية الجديدة التي فرضت على قطاعي الصلب والسيارات، حيث انخفضت الصادرات إلى الولايات المتحدة بأكثر من 8 بالمئة على أساس سنوي في أيار الماضي.

ينحدر ميونغ من أصول فقيرة، وعانى إصابة دائمة في سن الثالثة عشرة

ويتوقع المراقبون أن تتعرض سيول لضغوط إضافية من إدارة ترامب لزيادة الإنفاق الدفاعي، وتحمل المزيد من تكاليف استضافة القوات الأمريكية؛ علمًا أنه يتمركز في البلاد ما يقرب من 30 ألف جندي أمريكي موزعين على قواعد عسكرية عدة تعدّ من أهم ركائز إستراتيجية واشنطن لردع كوريا الشمالية والحفاظ على هيمنتها في الإقليم بمواجهة الصين. وقرأ البعض في واشنطن اختيار الرئيس الجديد لكيم هيون تشونغ، المفاوض التجاري السابق الصارم ومسؤول الأمن القومي، كمساعد رئيسي، كإشارة إلى أنه قد يتبنى نهجاً أقلّ تساهلاً مع ترامب.

ويُتوقع أيضاً أن يسعى ميونغ إلى تحسين العلاقات مع الصين وروسيا، بعدما قال في مناظرة رئاسية هذا الأسبوع: «يجب ألا نهمل العلاقات مع الصين أو روسيا. ليست هناك حاجة إلى اتباع نهج عدائي مفتعل كما هو الحال الآن»، بينما يتهمه خصومه اليمينيون بأنه «ضفدع مؤيد للصين» لإصراره على أن كوريا الجنوبية ليست لها مصلحة مباشرة في نتيجة غزو صيني محتمل لتايوان. وتعهّد ميونغ، كذلك، بمواصلة جهود الانخراط الإيجابي مع كوريا الشمالية؛ علماً أنه كان قد أعلن، على هامش حملته الانتخابية، أنه سيسعى إلى «تعزيز مسار الحوار بين الكوريتين، لبناء تعايش وازدهار مشترك». وفي المقابل، يتكهن الخبراء بأن العلاقات مع اليابان، والتي تحسنت بشكل كبير بعد التقارب الديبلوماسي بين يون ورئيس الوزراء الياباني آنذاك فوميو كيشيدا، قد تسقط مجدداً في هوة من البرود التقليدي الذي يطبع علاقات الجانبين بسبب التاريخ الدموي للاحتلال الياباني لكوريا.

ولم يكن وصول ميونغ إلى منصب الرئاسة في بلاده سهلاً؛ إذ تعرّض منذ خسارته في الانتخابات الماضية لمحاولة اغتيال، وسلسلة من الاتهامات الجنائية، بما في ذلك إدانات بالقيادة تحت تأثير الكحول، وتحقيق طويل الأمد في تطوير عقاري مثير للجدل خلال مدة عمله كرئيس بلدية، كما وُجهت إليه اتهامات بسوء استخدام الأموال العامة، والإدلاء بتصريحات كاذبة خلال حملة انتخابية، والتورط في مخطط مزعوم لتحويل أموال إلى كوريا الشمالية؛ وهو ما ينفيه ميونغ بمجمله. ومع أن الإجراءات القانونية لا تزال جارية من الناحية الفنية، فمن غير المرجح أن يُدان، ولكن الخبراء يقولون إن صورته كمشاغب وضحية لـ«دولة عميقة» يسيطر عليها اليمين المحافظ خدمته، إذ ساعدت على زيادة جاذبيته عند عدد من الكوريين، ولا سيّما بين النساء.

وينحدر ميونغ من أصول فقيرة، وعانى إصابة دائمة في سن الثالثة عشرة عندما سحقت ذراعه آلة في مصنع لقفازات البيسبول حيث كان يعمل. وفي انتخابات عام 2022، أعلن طموحه إلى أن يكون «بيرني ساندرز ناجحاً» – في إشارة إلى المتنافس اليساري على ورقة ترشيح «الحزب الديموقراطي» للانتخابات الرئاسية الأمريكية -. لكنه منذ عزل يون في نيسان الماضي، تحول بشكل حاد إلى الوسط، حتى أنه وصف نفسه بأنه «محافظ» لجذب كتلة الناخبين المترددين في مجتمع عميق الصلات بالولايات المتحدة وعلى عداء مع الشطر الشمالي من شبه الجزيرة الكورية.

وقد ركز في برنامجه الانتخابي على «نمو الشركات»، وقال علناً إن ساعات العمل الأطول قد تكون ضرورية في بعض القطاعات؛ ومن المؤكد أنه استفاد بشكل كبير من دراما المحاولة الانقلابية التي بلغت ذروتها الدراماتيكية في كانون الأول الماضي، والفوضى التي تبعت ذلك في صفوف اليمين المحافظ، ما قدّم له الرئاسة على طبق من ذهب.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى