كتب خالد سيد أحمد في صحيفة الشروق.
تحجب دماء وصرخات الفلسطينيين المكلومين، جراء المجازر وحرب الإبادة الإسرائيلية فى قطاع غزة، رؤية الكثيرين للجانب الآخر من الصورة، والمتمثل فى أن العدو الصهيونى بات يألم فى هذه الحرب، كما لم يألم من قبل على مدى سنوات الصراع.
ربما يعتقد البعض أن هذا الكلام من قبيل رفع الروح المعنوية للشعوب العربية، التى هزتها بعنف مشاهد القتل والعنف والتوغل الصهيونى الواسع فى الدم الفلسطينى، وحرق وهدم وتدمير المنازل والمدارس والمستشفيات، ومنع الماء والغذاء والكهرباء والدواء عن سكان القطاع الفقير والمحاصر منذ 16 عاما، لكن هذا التصور فى غير محله، بل إن هناك حقائق كثيرة تشير إلى حجم الأزمة التى تعانى منها دولة الاحتلال فى الوقت الحالى.
وبعيدا عن حجم الخسائر البشرية فى صفوف جيش الاحتلال، والتى تتزايد كل يوم، نتيجة صلابة المقاومين الفلسطينيين على الأرض، واعتراف قادة الاحتلال بأن «دموع إسرائيل تنهمر جراء صور جنودها الذين قتلوا فى الحرب البرية ضد غزة»، فقد أعلنت وزارة المالية الإسرائيلية، أن كلفة الحرب على غزة بلغت حتى الآن نحو 30 مليار شيكل (7.527 مليار دولار)، وستصل نسبة العجز فى موازنة هذا العام إلى 4%، أى أربعة أضعاف ما كان مخططا له عندما تمت الموافقة على ميزانية إسرائيل قبل خمسة أشهر.
أما أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ليهاى الأمريكية، هنرى جيه. باركى، فقال فى تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية إن «الحرب الحالية مع حماس تمثل تهديدا أكثر خطورة بشكل كبير بالنسبة لإسرائيل من حرب يوم الغفران (حرب أكتوبر) عام 1973، قبل خمسين عاما». وتابع «لم يكن يعتقد أحد أن وجود دولة إسرائيل فى خطر، فى ذلك الوقت (حرب أكتوبر). ولكن الحال هذه المرة مختلف، فهى حرب سياسية، وتشير الدلائل الأولية إلى أن إسرائيل تخسرها». وأضاف: «دعونا نواجه الأمر.. ربما يمكن القول إن حماس فازت بالفعل فى المعركة السياسية».
صحيفة «هاآرتس» من جانبها قالت إن «التعاطف العالمى مع التراجيديا التى تعرضت لها إسرائيل (هجوم 7 أكتوبر الفائت) بدأ ينتهى بسرعة. وساعة الشرعية الدولية (للحرب ضد غزة) بدأت تدق بشكل يقلق إسرائيل».
رئيس الوزراء الصهيونى بنيامين نتنياهو، الذى ظل يردد دائما أن «أصدقاءنا فى العالم العربى، يعرفون أننا إن لم ننتصر فى الحرب سيأتى دورهم فى حملة الاحتلال والقتل التى يرتكبها محور الشر»، تلقى صفعات متتالية وقوية من جانب الدول العربية التى ترتبط باتفاقات سلام مع تل أبيب، حيث أجهضت المواقف المصرية الحازمة والقوية، مخطط التهجير القسرى للفلسطينيين من غزة وتوطينهم فى سيناء، فيما سحب الأردن سفيره من تل أبيب، مثلما فعلت البحرين التى أوقفت أيضا العلاقات الاقتصادية بين البلدين، بينما قررت سلطنة عُمان عدم السماح للطائرات الإسرائيلية بالسفر فى أجوائها، وفقًا لتقارير إسرائيلية.
كذلك أعلنت بوليفيا قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل بسبب العدوان على غزة، وبالتزامن مع ذلك، استدعت كل من كولومبيا وتشيلى سفيريهما فى تل أبيب للتشاور بسبب جرائم الحرب الصهيونية ضد القطاع المحاصر.
ليس هذا فقط، بل إن الحرائق التى أشعلها نتنياهو فى غزة يبدو أنها ستمتد إلى مقعده كرئيس للوزراء، وأن مستقبله السياسى أصبح على المحك، حيث أفادت صحيفة «بوليتيكو» بأن الرئيس الأمريكى جو بايدن ناقش مع كبار مساعديه احتمال أن تكون أيام نتنياهو كسياسى معدودة.
الأكثر أهمية مما سبق، ذلك الزخم الذى نالته القضية الفلسطينية على المستوى الدولى، بعدما كانت قريبة جدا من أن يطويها النسيان، جراء مشاريع التطبيع التى راجت فى المنطقة خلال الفترة الماضية، كما أن الكثير من شعوب العالم، اكتشفوا حقيقة هذا الاحتلال الذى فاقت بشاعة جرائمه ضد غزة كل خيال، بعدما كان يصور نفسه على أنه واحة للديمقراطية وضحية فى محيط معادٍ ومتشدد.
تلك الحقائق هى غيض من فيض، وجميعها تؤشر إلى أن الشعب الفلسطينى المتمسك بأرضه وقضيته العادلة وحقه فى التحرر والاستقرار وتقرير المصير، قد انتصر بالفعل على المحتل الصهيونى، وأن الجرائم الوحشية التى يرتكبها ضد الأبرياء، ليست سوى محاولة يائسة للحصول على انتصار زائف، يرمم به صورته وكرامته وكبرياءه الذى أهين تحت أقدام المقاومة الفلسطينية.
المطلوب الآن من الدول العربية، دعم صمود الفلسطينيين بكل الطرق والوسائل الممكنة، وعدم تركهم فريسة للعدو الصهيونى ومن يدعمه دوليا، والإصرار على مساندة حقهم فى البقاء على أرضهم، ومساعدتهم على إجهاض أى مشاريع للتهجير من وطنهم، وعدم الاكتفاء بالإدانة والشجب والتنديد كما هى العادة دائما، بل تفعيل ما بين أيديهم من أوراق ضغط كثيرة وقادرة على أن تعيد التوازن المفقود فى التعامل مع العدوان، جراء مواقف الولايات المتحدة والدول الغربية الداعمة للإرهاب الصهيونى ضد الشعب الفلسطينى فى غزة.