كلمات الأمير.. خيوط الاتزان وأنغام الحكمة
![](https://raiseyasi.com/wp-content/uploads/2024/04/ر1-780x470.jpeg)
كتب عبدالله بشارة, في “القبس” :
يسجل تاريخ الحياة البرلمانية الكويتية أن سمو الشيخ مشعل أحمد الجابر الصباح أمير الكويت يتحاور مع الدستور كشريك في الحكم، لا يستغنى عنه ولا تتحقق أهداف الكويت من دون شراكته، وهو وثيقة ليست للتجميل وإنما له دور في رسم المستقبل وتغريس أعمدة الاستقرار، وفي بناء الخطة الشاملة التي تحمي الدولة وترسم دروب التنمية فيها وتتفاعل مع رغبات شعبها، فالدستور ليس وصفة علاج مؤقت، وإنما وثيقة دائمة تؤمن سلامة الدولة وتحمي وحدتها وتضيء مسار المستقبل للشعب ولجهاز الدولة، قدمها سمو الأمير في خطابه مساء الاثنين الموافق الأول من أبريل 2024، من أجل الالتزام بها وحماية معانيها والحفاظ عليها والتصدي لتخريب أهدافها.
ثانياً – يستطرد سمو الأمير منتقلاً من حالة التأكيد على الحفاظ عليها، إلى التوجيه نحو التنفيذ، داعياً أبناء الشعب الكويتي إلى ممارسة حقهم في الانتخابات ناصحاً بأن يكون الخيار للاعتدال البناء المضيء للمستقبل من أجل الوصول إلى التوافق الجماعي في جميع المجالات، تنموياً واجتماعياً وسياسياً، آملاً أن يشارك بفاعلية أهل الفكر والاعتدال، تحقيقاً لعزل تأثيرات نواب المخالفات والتوسطات والمضايقات المتجولين في ممرات الوزارات، المتجاهلين لدور التشريع، المجتهدين لتحقيق ترقيات للمفاتيح الانتخابية.
ثالثاً – يلمح الخطاب إلى ضرورة الابتعاد عن مرشحين أهدافهم الحصول على مصالح شخصية لا علاقة لها بمنفعة المجتمع، وإلى صد جهود المرشحين ممن شاركوا في البرلمان السابق، وتميز سلوكهم بافتعال الأزمات والمساس بالثوابت الدستورية التي تشكل العمود الصلب للتوافق السياسي والاجتماعي العام، والحامية للأمن والاستقرار، وبذلك يذهب صوت أبناء الشعب إلى المتزنين العقلاء المشغولين بصياغة خريطة المستقبل التي تخرج الكويت من البطء وتحركها نحو الإنجاز.
رابعاً – واضح من هذا الخطاب التاريخي أن سمو الأمير يأمل بأن يخرج من حصيلة الانتخابات برلمان قوي يتسيده الاعتدال ويميزه التعاون البرلماني – الحكومي الراسم لخطة المستقبل، معتمداً على دعم شعبي قوي يؤدي إلى التنفيذ دون عراقيل بيروقراطية، أو اعتراضات نيابية، وأن هذا النهج هو المنحى الملائم لنهضة الكويت التي ينتظرها جميع أبناء الشعب الذين ضجوا من سلوكيات نيابية أولوياتها الوصول إلى امتيازاتها لمعارفها وأنصارها.
مرت تجربة المجلس الماضية بتوترات غليظة، تسيدتها انفعالات تعدت الخط المقبول.
خامساً – وأيضاً لأول مرة يتكلم سمو أمير الدولة عن الضرر الفادح الجسيم الذي لحق بالهوية الوطنية من خلال العبث بالجنسية الكويتية، معبراً عن شعور كويتي عام يحمل عدم الاطمئنان لتسلل غرباء لنسيج المجتمع الكويتي المتجانس، والملتزم بالوحدة الوطنية، والمدرك للأخطار التي تحيط بالكويت، والحريص على منع الدمار الذي يسببه هذا التسلل، والساعي لتحصين الكويت من اختراقاته والقضاء عليه نهائياً.
وترجم سمو الأمير غياب الاطمئنان الشعبي من تكاثر هذه الظاهرة مع توقعات بحتمية علاجها، مدركاً بأن قوة الكويت في متانة وحدتها الداخلية، وانسجام شعبها مع المحتوى الكويتي المتوارث، بتعدد طوائفه وتوافقها التاريخي.
لا بد من إجراءات تنفيذية لهذه المسؤولية تتحمل العبء فيها وزارة الداخلية لتكشف الغموض الذي طغى على هذه الظاهرة، ونكرر بأن أهم سلاح تملكه الكويت هي صلابة وحدتها، مذكراً بأن خصوم الكويت والآخرين من الحالمين بأراضيها مدركون حجم صلابة تمسك الشعب الكويتي بترابه وبهويته واعتزازه بوطنه، كما شهدها العالم من تجربة الغزو البائس، وأن مفتاح التأثير على هذه الصلابة هو التسلل عبر التزوير والإبداع في الحيل.
وما يزيد من ضرورة العلاج السريع للعبثية في الجنسية، أن سمو الأمير عبر عن مخاوف طاغية يتحدث عنها الشعب الكويتي مهموماً منها، فجاءت مفردات سمو الأمير ترجمة واقعية للمعاناة التي يحملها الشعب من هذه العبثيات بالهوية الوطنية.
سادساً – لا ننسَ مخاطر المزدوجين، فلا تنظيف للجنسية الكويتية دون مواجهة المزدوجين الذين يحملون جنسيات من دول المنطقة ومن دول أخرى يدخلون الكويت كمواطنين ويشاركون في الانتخابات، وهم أعداد مؤذية ومؤثرة في مسار الكويت المستقبلي، وهم والمزوِّرون يشكلون كتلة الإضرار بمستقبل الكويت، ولا شك بأن وزارة الداخلية تملك الملفات وقادرة على الاقتراب من هذا الملف القبيح، ولنا ثقة بوزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف الحازم والعازم على ترجمة القرار للتنفيذ عند الطلب.
سابعاً – يجدد سمو الأمير ثقته بتمسك الشعب الكويتي بوحدته الداخلية وقدرته على إفشال مساعي التسلل، مؤمناً بأن وطنه الكويت فردوس الراحة وحضن الاطمئنان ووطن تعايشنا مع فقره وتعاضدنا لحمايته وتحركنا جميعاً مرافقين لتطوراته ومستجداته مع تصاعد حجم دخل الدولة من اكتشافات النفط، وزاد من عشقنا لترابه التزامنا أمنه ومعاشرتنا لتراثه والتصاقنا بأرضه، وبهذا الشعور يتعاظم الحس الوطني الكويتي لمواجهة مساعي التخريب داخلياً وإقليمياً.
ثامناً – لم يتطرق سمو الأمير إلى علاقات الكويت الخارجية، مكتفياً بما اعتاد عليه من سبقه من حكام الكويت بتوجيه كلمة إلى أبناء الشعب بمناسبة العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، والحقيقة أن خطاب الأمير جاء منطلقاً من حرص شديد على الجانب الأمني الذي يتعاظم بمسار البرلمان وبالتزام الشعب بمتانة الوحدة الوطنية.
كما يتابع شعب الكويت واقع المخاطر في إقليم الجوار وتأثيرها في سلامة الكويت، فتظل الحاجة الملحة لوقاية الشراكة الاستراتيجية مع كل من الولايات المتحدة وبريطانيا مع استذكار الضرورات بالتواصل المستمر مع هذين الحليفين في مختلف المسارات استراتيجياً وسياسياً واقتصادياً واستثمارياً، فالكويت لا تملك بمفردها تأمين ردع للمخاطر الإقليمية التي تولدت من اضطراب إقليمي شبه دائم.
تاسعاً – من المؤكد أن كلمات سمو الأمير دخلت العقول وفتحت الأعين وطمأنت الشعب الذي تابعها أو قرأها بمن فيهم أعضاء مجلس الأمة الجديد، وأتصور أنهم حفظوا مفرداتها وفسروا معانيها خاصة نواب البرلمان المنحل، المدركين مسببات الحل والمستوعبين للمعاني التي عبر عنها سمو الأمير في الاتزان والاعتدال، والترفع عن التطرف والتعاون مع الحكومة لتحقيق أهداف الشعب الكويتي، ولا سيما في التطوير والتنمية، ولا شك بأن الناخبين تابعوا النصح بالتصويت لمن يلتزم مبادئ الدستور ويسعى للتعاون المبني على تفاهم مشترك ويبتعد عن مرشحي الأهداف الشخصية، من المشاكسين الباحثين عن أزمات تمس الثوابت الدستورية.
عاشراً – تحدث سمو الأمير كأب وأخ وكمواطن فكل ما قاله ينسجم مع مشاعر الكويتيين كرغبتهم في برلمان منتج تتسيده العقلانية، وقلقهم من اتساع تزوير الجنسية ومخاوفه من تسلل الغرباء المدفوعين نحو الامتيازات والعابثين بمقام الجنسية.
سجل سمو الأمير في محتويات خطابه سابقة في إبراز أهم القضايا التي تشغل اهتمامات سموه والتي يرى منحها الأولوية للتعامل معها للجم المؤذيات التي تسببها للوطن، وهي من المؤذيات الناعمة وعلى رأسها تزوير الجنسية وتسلل العابثين..
ابتدع سمو الأمير تموجات الخطب الأميرية، يتلألأ فيها الوضوح ويسري فيها نغم الحزم وتعلو فيها أبوية النصح وتطغى عليها إيجابية الحكمة.. وعلينا الاهتداء بنورها