كلفة وصل العلاقات وأسس الشرق الأوسط الجديد
كتب رفيق خوري في إندبندنت بالعربي.
لا مجال للخطأ في قراءة الموقف السعودي من القضية الفلسطينية إلا إذا كان الخطأ مقصوداً في إطار سياسات أيديولوجية أو ديماغوجية، ولا مفاجأة في استنفار الدبلوماسية الأميركية أكثر من الإسرائيلية في العمل لعقد اتفاقات سلام بين الرياض وتل أبيب.
الملف الفلسطيني الذي عاصره الملك سلمان بن عبدالعزيز من أيام الملك فيصل مفتوح دائماً في الرياض كما في المبادرات السعودية خلال القمم العربية، والموقف السعودي حاسم كما أعلنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في حديثه إلى”فوكس نيوز”، ووزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان أمام الأمم المتحدة “حقوق الفلسطينيين هي حجر الأساس في سلام الشرق الأوسط الذي يحتاج أيضاً إلى تسوية سياسية في سوريا”.
وإذا كانت الولايات المتحدة أيام الرئيس جو بايدن تتحدث عن “حل الدولتين” من دون فعل، وإسرائيل ترفض قيام دولة فلسطينية وتعمل كل ما يجعل إقامتها مهمة مستحيلة، فإن “حل الدولتين” هو أساس الموقف السعودي الذي تجلى في مشروع الملك فهد ثم الملك عبدالله الذي تبنته “قمة بيروت” العربية عام 2002.
الأولوية في حسابات أميركا من أيام ترمب وما قبله وحسابات إسرائيل هي وصل العلاقات، إذ يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الأمم المتحدة “إن السلام مع العرب سيزيد من احتمالات التوصل الى إتفاق مع الفلسطينيين الذين لا يشكلون سوى اثنين في المئة من العالم العربي”.
وعلى الجانب الآخر فإن الأولوية في حسابات السعودية ومسؤولياتها القيادية العربية وكونها أرض الحرمين الشريفين هي للحق الفلسطيني، بحيث تكون تسوية القضية الفلسطينية هي المحطة الإجبارية على طريق السلام الشامل والكامل مع العرب، ذلك أن الأمير محمد بن سلمان يقول إن الاتفاق بين السعودية وإسرائيل سيكون “أكبر اتفاق تاريخي منذ الحرب الباردة”.
لكن هذا الاتفاق التاريخي الذي يقود إلى “شرق أوسط جديد”، بحسب الخريطة التي رفعها نتنياهو أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، مرتبط في نظر الرياض بقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية وعودة الجولان لسوريا، وكذلك بدء الاستقرار والالتفات إلى التنمية المستدامة في المنطقة.
وبكلام آخر فإن صفقة وصل العلاقات بين الرياض وتل أبيب بضمان أميركي تحتاج إلى أمور ثلاثة لا مجال لتأخيرها، الأول هو التحرك نحو حل الدولتين لضمان الحقوق الفلسطينية، والثاني إقدام الولايات المتحدة على توقيع اتفاق دفاعي مع كل من السعودية وإسرائيل على نموذج الاتفاقين الأميركيين مع كل من اليابان وكوريا الجنوبية.
أما الأمر الثالث فهو العمل على مشاريع اقتصادية وتكنولوجية مهمة، بينها بناء مفاعل نووي في السعودية ومساعدة الرياض في المعادلة التي حددها الأمير محمد بن سلمان، “إذا امتلكت إيران سلاحاً نووياً فإن السعودية مضطرة إلى امتلاك سلاح نووي وضمان التوازن”، ولا شيء خارج أولويات الأمن القومي السعودي ضمن الأمن القومي العربي وأولويات التنمية المستدامة.
وكل شيء في إطار الحرص السعودي على تنويع الشراكات الاستراتيجية مع الصين وروسيا والهند وبقية دول “بريكس” ومجموعة الـ 20، من دون التفريط في العلاقة الاستراتيجية التاريخية مع أميركا من أيام الملك عبدالعزيز والرئيس روزفلت.
يقول البروفسور غريغوري كوز عبر مقالة نشرتها “فورين أفيرز” تحت عنوان “المملكة والقوة: كيف ننقذ العلاقات الأميركية – السعودية”، إن “أميركا وحدها تستطيع وضع قوة مهمة في الخليج”، والظاهر أن إدارة بايدن انتقلت مما سماه كوز “ممارسة العلاقات بفظاظة إلى التعامل مع السعودية كما هي والتخلي عن وهم تغيير السياسات الداخلية”.
الشرق الأوسط الجديد يحتاج إلى ما هو أكثر من سلام عربي – إسرائيلي شامل، فلا بد من رؤية عربية للتطور مع “رؤية 2030” السعودية، ومن حماية للمشروع العربي المتطور مع تطورات العصر، ولا حماية تتقدم على حماية قوة عربية وقيادة عربية للتوازن مع قوى الثلاثي الإقليمي، إيران وتركيا وإسرائيل، والحؤول دون أن يستمر هذا الثلاثي في الصراع الجيوسياسي فوق المسرح العربي، ومن هنا نبدأ أو نرفض أي عمل ضد طبائع الأمور.