كلامهم صحيح!
كتبت إقبال الأحمد في صحيفة القبس.
لأننا نعيش حرية رأي، ولأننا نتكلم عن كل شيء، ولأننا ننتقد في المجالس والصحافة والإعلام ووسائل التواصل، ونكرر ونكرر الكلام نفسه، ولأننا تعودنا على أن نتكلم من دون خوف أو تردد، العالم كله يعرف أزماتنا ومشاكلنا الصغيرة قبل الكبيرة.
نعم هناك أمور وخطوط لا يمكن أن نتجاوزها، وإن كانت هناك ضرورة للإشارة إليها ونقدها ننقدها ونعرضها بأسلوب النقد بهدف الإصلاح، من دون أي طيش في تدني الأسلوب والمفردات، أيضاً نقولها ونتعرّض لها أيضاً بشيء من الوضوح والشفافية.
بسبب ذلك كله، إخوتنا في دول الخليج والعالم العربي والغربي، يعرفون كل مشاكلنا وعيوبنا ومعاناتنا، لأننا نتكلم بصوت عالٍ وأمام الصحافة والإعلام، لأن حكومتنا لا تسكتنا إلا في حالات خاصة جداً، أنتم يا أهلنا في الخليج والعرب والعالم تعرفون صغائر أمورنا وكبير مشاكلنا.
نقدّر جداً – نحن الكويتيين – خصوصية كل دولة، وما هو مسموح أو غير مسموح الكلام عنه أو التعرّض له، وهذا حق كل بلد بالتأكيد. لكننا ككويتيين وكدولة ندفع ثمن هذا الجو من الحرية، الذي ورثناه عن آبائنا وأجدادنا الذين عاشوا هذا الجو نفسه في إطار دستور جميل نضعه تاجاً على رؤوسنا.
وكما كررت أنا شخصياً أكثر من مرة، وعبر وسائل الإعلام المحلية وغير المحلية، أن المرأة الكويتية مثلاً دفعت ثمن الديموقراطية عندما تأخّر حقها السياسي، وهي بذلك تكون قد دفعت ثمن الديموقراطية في بلادها.
نعم، بسبب مجلس الأمة وموقف بعض النواب من هذا الحق في تلك الأيام، رُفض هذا الحق الذي قُدّم من بعض الأعضاء، حتى المبادرة السامية من سمو أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح بهذا الخصوص لم تسلم من هذا الرفض، إلى أن خرج الحق السياسي من عنق زجاجة الديموقراطية.. وبصعوبة.
إذن الديموقراطية لا تعني الكمال، بدليل أن هناك دولاً قمة في الديموقراطية، ولكنها تعاني الأمرين في مستوى الحياة والبدائية أيضاً.
نعم أنا أؤكد كلام الأستاذ الفاضل تركي الحمد بأن الديموقراطية في بلادي أصبحت في «مرحلة من المراحل» عبئاً على التنمية والانجاز، واتحدّى من لا يتفق مع ذلك.
تنميتنا توقفت بسبب مشاكل مجلس الأمة، وتراجع أولويات الوطن بسبب أولويات بعض النواب.
مشاريع ضخمة كانت ستُسَجل للكويت، لو تم تمريرها وقبولها بمجلس الأمة المتحدث باسم الشعب بسرعة، ولكنها التُقِفَت من قبل دول أخرى ونفذتها وبسرعة «وحلو على قلبهم»، وأصبحت علامة فارقة في التنمية وتنويع مصادر الدخل هناك، لأن مجلس الأمة، وفي مراحل وفترات مختلفة أضاع بوصلته، وخلط الحابل بالنابل، فتحولت الصراعات الشخصية والشللية داخل مجلس الأمة إلى لعبة بلياردو، يتقاذف كراتها لاعبون لا يجيدون اللعبة، فضاع الوقت من دون أن يُصاب الهدف في وقته.
نعم ديموقراطينتا كانت وما زالت، وللأسف الشديد، في مرحلة معينة معيقة للنمو والتنمية، وكنا نقول هذا الكلام ولا ننكره أبداً، وما زلنا، وسنكرره طالما لن يتم تعديل الوضع.
إذن لماذا صراخنا واعتراضنا على هذه الحقيقة لمجرد أن أحد أهلنا في المملكة أو غيرها قالها؟
الكويت أكثر دولة صغيرة يعرف الكل مشاكلها ويسألوننا عنها ما إن يعرفوا جنسيتنا، لماذا؟ لأنهم سمعوا عنها وقرأوا على لساننا كلنا من خلال جهات إعلامية وصحافية محلية وغير محلية.
كل ما سبق لا يدعونا أبداً إلى أن نقول إن الديموقراطية لم تخدمنا، بالعكس هي الآن الأكسجين الذي نتنفسه كل ثانية.
تخيل أننا نعاني كل هذه المشاكل، ولا نستطيع ولا نملك أن ننتقد أو نعترض أو حتى نفتح أفواهنا بكلمة، بالتأكيد سننفجر.
الحرية عندنا في الكويت مصدر تنفيس وراحة، لأني قد أقبل أن يتوقف مشروع سياحي فترة من الزمن قد تطول عشر سنوات، ولكنني لا أقبل أن يكمّم فمي عشر سنوات عن انتقاد هذا التخلّف وهذا السوء في الإدارة.
نحن الكويتيين نمتدح التنمية في كل مكان، ونتغنى بالتطور الذي تشهده المملكة أو الإمارات أو غيرهما، ونفخر بذلك بالتأكيد، ودائماً ما نقارن ذلك بالوضع عندنا، ولكن ذلك لا يعني أبداً أن نتخلى عن الديموقراطية كشرط للتنمية.
ندعو ربنا أن يديم على كل دول الخليج التطور والتنمية في كل المجالات، وأن نلحق بها سريعاً، كما نتمنى أيضاً أن تتمتع كل دول الخليج والعالم العربي بالديموقراطية والحرية المسؤولة، وليست الحرية التي لا حدود لها أبداً.
ما يحصل عندنا ليس بسبب الديموقراطية إخوتنا الأفاضل، بل بسبب عدم استخدام وممارسة الديموقراطية بشكل صحي، وبسبب تقديم المصالح الخاصة عند من يجد لديه الصلاحية والقوة، وأيضاً عدم وجود أداة ردع لهذه الممارسات الخاطئة من خلال تطبيق القانون وفوراً وبشكل عادل، هذه هي مشكلتنا الحقيقية.
«ليست ديموقراطية تلك التي لا ينجح فيها إلا ممثلو الطوائف، وليس برلماناً هذا الذي تصله وبرنامجك الانتخابي الوحيد (وين ربعي).. (وين محزمي).. (وين عصابة رأسي)؟!».
هذه الفقرة التي كتبها أحد الاخوة السعوديين.. بنظري لا تشوبها أي شائبة، بل كل كلمة صحيحة وفي مكانها.
وما علينا سوى أن نقرأها بتمعّن، ونترك عقولنا تفكّر في معناها ومدلولاتها ومنطقها، بالتأكيد سنجد أن انحدار بعض صور أداء البرلمان أو مجلس الأمة من خلال مخرجاته اليومية، جزء منه جاء بهذا الشكل.
يجب ألا نعتبر أي نقد هو هجوم تغلّفه الكراهية والحقد. لا، الموضوع أبعد من ذلك بكثير. يجب ألا تكون مقومات ارتقاء المجتمعات وتقدمها، مثل الديموقراطية والحرية والتنمية والتطور العمراني، مصدر خلاف بين الشعوب، فما بالك إذا كانت هذه الشعوب اخوة بمعنى الكلمة.
نفتخر بتنميتكم وتطوركم في السعودية والإمارات، ونتمنى لكم ولكل دول الخليج المزيد والمزيد، لأنكم كنتم الحضن للشعب الكويتي وقيادته عندما ضاع وطنه، ووقوف كل دول الخليج صفاً صامداً أمام الغزو العراقي واحتلاله لنا أمر نعتز به ولا ننساه.
شكراً وألف شكر لكم، ولكن ذلك لا يسمح بأن يتحول أي حوار بيننا إلى مهاترات واتهامات، بسبب بعض البسيطين التفكير والسطحيين في التعبير عن الرأي، وجميل جداً أن تكون هناك نقاشات بين الشعوب في قضايا تستاهل، ولكننا أبداً لا نتمنى أن تتحول هذه النقاشات إلى اتهامات وتدنٍّ في الردود، لأننا في النهاية «خليجنا واحد.. وشعبنا واحد».
تنميتكم وتطوركم هما مصدر فخر لنا، وأيضاً ديموقراطيتنا مصدر فخر شديد لنا.