كفى معايير مزدوجة!
كتب رامي الريّس في صحيفة نداء الوطن.
عارٌ على الغرب، بجميع دوله وحكوماته، أن يشيح النظر عن المأساة المستمرة التي يعيشها الشعب الفلسطيني منذ 75 عاماً وأن يتغاضى عن التراكمات السياسيّة والإجتماعيّة والنفسيّة التي ولّدتها سياسات إسرائيل العدوانيّة والإجراميّة منذ عقود دون أن تُمس بعبارة إدانة واحدة!
الغرب الذي وقف ضد الغزو الروسي لأوكرانيا رافضاً الاحتلال، لا يعير أهميّة لاستمرار أطول احتلال في العصر الحديث أي الاحتلال الإسرائيلي لأراضي فلسطين منذ سنة 1948، ولا يشير حتماً إلى توسّل هذا الاحتلال لأبشع الأساليب لإدامة سيطرته على الأرض والشعب والمقدرات من مجازر وقتل وترهيب وتهجير وأسر وعنف.
والغرب الذي منح إسرائيل اعترافه بها بعد دقائق من إعلان الدولة في أيار 1948، لم يدفع يوماً لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وهي حق مشروع للشعب الفلسطيني، بل يكتفي بعضه بتكرار ببغائي لمقولة حلّ الدولتين الذي صار مجرد لازمة أدبيّة لا تقدّم ولا تؤخر بفعل عدم الرغبة الإسرائيلية بالسلام الحقيقي والعادل، لا بل ها هو الرئيس الأميركي جو بايدن يفاخر بالتذكير أنّ حكومته اعترفت بدولة إسرائيل بعد 11 دقيقة من إعلانها!
لقد كان، ويبقى، الانحياز الغربي الأعمى لإسرائيل وتوفير التغطية لها ولممارساتها العدوانية ولمنع محاسبتها ومساءلتها أو مجرد إدانتها، سبباً رئيسياً لتراكم القهر الفلسطيني ولإنعدام فرص التسوية السلمية ما جعل العودة إلى الكفاح المسلح الخيار المنطقي الوحيد أمام الشعب الفلسطيني.
لم تكترث إسرائيل حقاً لكل المبادرات السياسيّة لحل الصراع، والتي وصلت إلى ذروتها في تبني العرب للمبادرة الشهيرة التي قدمها في قمة بيروت (2002) ولي العهد السعودي آنذاك الأمير عبدالله بن عبد العزيز والتي ترتكز إلى مبدأ الأرض مقابل السلام. إسرائيل تريد التطبيع المبعثر وليس السلام الشامل على أسس واضحة وعادلة تعيد الحقوق المشروعة للفلسطينيين، كما أنها تتمسك بالأرض ولا تتخلى عنها، وهي لا تريد حتى الإنسحاب من أراضي 1967.
حلم «إسرائيل الكبرى» لم يسقط يوماً، لا بل تصاعد بعد حرب العام 1967 وأنعش رغبة الأجنحة المتطرفة والراديكاليّة داخل إسرائيل (وما أكثرها) للاحتفاظ بالأرض والتوسع الاستيطاني في كل أرجائها وإبعاد الفلسطينيين عنها، وقد طُرحت الكثير من الأفكار والمشاريع يومذاك في هذا المجال.
وماذا فعلت إسرائيل مع أولئك الذين إختاروا «طريق السلام»؟ لم تُقدّم لهم عمليّاً أي خطوة إيجابيّة بعد مرور 30 عاماً على توقيع إتفاق أوسلو في حديقة البيت الأبيض في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون، لا بل أمعنت في إضعاف السلطة الوطنيّة الفلسطينية وفي إقفال كل المنافذ من أمامها باستثناء التعاون الأمني والاستخباري الذي يصب في مصلحتها.
لقد أعادت عمليّة «طوفان الأقصى» الاعتبار للقضية الفلسطينية وأكدت مجدداً أنّ المحاولات الالتفافيّة المتلاحقة التي قامت بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي لتجاوز القضية من خلال التطبيع المتفرق مع بعض الدول العربية لا يمكن أن تنهي المسألة المركزية وهي قضية فلسطين وحقوق شعبها.
بمعزل عن موقف الدول العربية التي انتهجت خيار التطبيع، فإنّ الأحداث والتطورات الأخيرة دلّت على أنّ القفز فوق القضية الفلسطينية لن يكون ممكناً بعد اليوم، وأنّ أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُهزم قد انتهت، وأنّ ثمة حقبة سياسية وعسكرية جديدة هي قيد التشكل وفق عناصر ومعطيات جديدة.
وآن الأوان لما يُسمّى «المجتمع الدولي» أن يلتفت أيضاً للمجازر والقصف العشوائي الجنوني الذي تقوم به قوات الإحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة والذي يحصد المئات من الأبرياء. ألا يستحق هذا السلوك الإجرامي الإدانة أيضاً؟ كفى معايير مزدوجة!