قوانين جديدة لمصلحة العمال في بريطانيا
تستعد المملكة المتحدة لإدخال تغييرات جوهرية على قوانين العمل، في إطار خطط طرحها حزب العمال بهدف تحسين ظروف العمل وتعزيز حقوق الموظفين. تُثير هذه الإصلاحات المخطط لها في قانون العمل قلقاً واسعاً بين أصحاب العمل في إنكلترا وويلز واسكتلندا، بسبب تأثيرها المحتمل على قرارات التوظيف والإدارة في الأشهر المقبلة.
منذ السبعينيات، كان يُسمح لأصحاب العمل بتوظيف موظفين جدد لفترة معينة من دون القلق من دعاوى الفصل التعسفي، في حال لم يتمكن الموظف من تلبية متطلبات الوظيفة.
وكانت الفترة تتراوح بين ستة أشهر وسنة، لكن منذ عام 2012 تم تمديدها إلى عامين، ولم تكن مطبقة منذ اليوم الأول على الإطلاق. هذا الإصلاح تحديدًا يُعدّ من أبرز التغييرات ضمن حزمة “الصفقة الجديدة” لإصلاحات قانون العمل، التي وعدت بها الحكومة لأول مرة في عام 2021، وتعتزم تقديمها إلى البرلمان بحلول منتصف أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
يثير هذا التعديل تحديداً مخاوف كبيرة بين أصحاب العمل ومستشاريهم، حيث يخشون من تداعيات منح الموظفين الحق في رفع دعاوى فصل تعسّفي منذ اليوم الأول للعمل. وتشمل إصلاحات حزب العمال أيضاً إلغاء العقود الصفرية (عقود شائعة الانتشار في بريطانيا، تسمح لرب العمل بعدم تحديد حد أدنى من ساعات العمل للأجير) ، وتعزيز متطلبات الإبلاغ عن الأجور في الشركات الكبيرة، وتشديد الإجراءات لمنع التحرش الجنسي في أماكن العمل، بالإضافة إلى إدخال حقوق اليوم الأول في الأجر المرضي القانوني وإجازات الأمومة والأبوة.
في هذا السياق، يعرب نيك إيمرسون، رئيس “جمعية القانون” في إنغلترا وويلز في تصريحات لـ “العربي الجديد” عن قلقه من أن يؤدي هذا التغيير إلى زيادة الضغط على محاكم العمل التي تعاني بالفعل من تراكم القضايا. ويقول :”إذا كان للموظفين، في ظل الحكومة الجديدة، الحق في مقاضاة رب العمل على الفصل التعسفي منذ اليوم الأول لبدء العمل، فقد يتعين على محاكم العمل، التعامل مع عدد كبير من المطالبات الإضافية.
وسيتعرض النظام لضغوط هائلة بسبب التراكم الحالي، حيث يستغرق البت في بعض القضايا أكثر من عامين، مما يترك أصحاب العمل والموظفين في طي النسيان”.
ويوضح إيمرسون، أن إصلاحات التوظيف المقترحة قد تخلق غموضًا حول فترة الاختبار، مما يترك مجالًا كبيرًا للتفسير ويمكن أن يؤدي إلى المزيد من الدعاوى القضائية. ويؤكّد أن حماية حقوق الموظفين أمر بالغ الأهمية، لكنها تضعف بشكل كبير إذا كان نظام العدالة يعاني من نقص التمويل والموارد.
من جهته، نشر مؤتمر نقابات العمال (TUC) الذي يمثل بشكل جماعي معظم العمال النقابيين في إنغلترا وويلز، بحثا هذا الشهر، بتكليف من جامعة كامبريدج، سلط الضوء على ضعف قوانين التوظيف البريطانية مقارنة بتلك الموجودة في الاقتصادات الكبرى الأخرى مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، على الرغم من أنها أقوى من تلك الموجودة في الولايات المتحدة.
يوضح البحث أنّ الوضع النسبي للعمال في المملكة المتحدة ازداد سوءا في ظل حكم المحافظين، مع اتساع الفجوة في الحماية بين المملكة المتحدة وغيرها من الاقتصادات المتقدمة منذ عام 2010. وحصر وزراء المحافظين الحماية من الفصل التعسفي بأولئك الذين عملوا لدى صاحب العمل لأكثر من عامين، الأمر الذي أدى إلى ترك الملايين عرضة لأهواء رؤسائهم. كما أنه جعل من الصعب جدًا على العمال، الإضراب للدفاع عن رواتبهم وظروف عملهم. وترتبط الحماية القوية للعمال بمستويات عالية من التوظيف وحصول العمال على حصة أكبر من أرباح الشركة.
وفي ردّه عن استفسارات “العربي الجديد” يشير المتحدّث باسم وزارة الأعمال والتجارة، إلى أن الوزارة ملتزمة بتقديم حقوق أساسية لحماية العمال من الفصل التعسفي منذ اليوم الأول، مع ضمان أن يتمتع أصحاب العمل بالقدرة على استخدام فترات الاختبار لتقييم الموظفين الجدد.
ويقول: “سوف نقدم الحقوق الفردية الأساسية لحماية العمّال من الفصل التعسفي منذ اليوم الأول، وضمان عدم طردهم بشكل تعسفي وإنهاء النظام الحالي الذي يتركهم في انتظار ما يصل إلى عامين للحصول على هذه الحقوق. مع ذلك، من المهم أن نحقق التوازن الصحيح، ولهذا السبب يظل أصحاب العمل قادرين على استخدام فترات الاختبار لتقييم الموظفين الجدد. وسنتشاور بشكل كامل مع الشركات قبل أن تدخل القوانين الجديدة حيز التنفيذ”.
كلام يعني أنّ وزارة الأعمال والتجارة سوف تتشاور بشكل كامل مع العمال والشركات والمجتمع المدني حول كيفية وضع خططها موضع التنفيذ قبل أن يدخل التشريع حيز التنفيذ.
بدوره يقول متحدث باسم مكتب إعلام خدمة الاستشارة والتوفيق والتحكيم (ACAS)، خبراء مكان العمل، لـ”العربي الجديد”، إنّ خبراء أكاس يقدمون نصائح محايدة للموظفين وأصحاب العمل بشأن حقوق التوظيف وأفضل الممارسات في العمل. ويتابع: “نقوم بتحديث نصائحنا بانتظام لتعكس أي تغييرات جديدة في قانون العمل، ونحن على استعداد للعمل مع الحكومة بشأن مقترحات أماكن العمل الجديدة المعلن عنها في خطاب الملك”.
قبيل الانتخابات العامة في مايو/أيار 2024، تمت الموافقة على مجموعة من قوانين التوظيف في المملكة المتحدة. من بين هذه القوانين، قانون إجازة الأبوة، الذي يتيح للآباء والشركاء أخذ إجازة أبوة من دون الحاجة إلى استيفاء شرط الخدمة لمدة 26 أسبوعًا في حال وفاة الأم بعد الولادة. هذا القانون يحتاج إلى لوائح إضافية ليصبح نافذًا.
كما شملت الإصلاحات قانون توزيع الإكراميات، الذي يهدف إلى ضمان التوزيع العادل للإكراميات بين العمال، حيث من المتوقع أن يدخل حيز التنفيذ بحلول أكتوبر، بناءً على قرارات الحكومة الجديدة. بالإضافة إلى ذلك، هناك قانون الفصل وإعادة التوظيف، الذي يحدد الخطوات الواجب اتباعها في ممارسات الفصل وإعادة التوظيف. ومن المتوقع أن تفرض الحكومة الجديدة حظرًا أكثر صرامة على هذه الممارسات.
واعتبارًا من أكتوبر، ستبدأ محاكم الاستئناف في المملكة المتحدة العمل وفقًا لإرشادات جديدة للتعامل مع القوانين المستندة إلى الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد. وسيتحدد تنفيذ هذه القوانين بناءً على أولويات الحكومة الجديدة.
ومن بين أبرز السياسات الرئيسية المدرجة في مشروع القانون الجديد، إتاحة حقوق التقاضي منذ اليوم الأول للبدء في العمل وإجازة الأبوة والأجر المرضي والحماية من الفصل التعسفي من اليوم الأول في الوظيفة. هناك أيضاً، حظر العقود ذات ساعات العمل الصفرية، يعني التأكيد على حق العمال في الحصول على عقود تعكس ساعات عملهم الفعلية، مع ضمان حصولهم على إشعار معقول بأي تغييرات في نوبات العمل وتعويض مناسب عن أي نوبات ملغاة.
وجعل العمل المرن القاعدة الافتراضية، بحيث يتمكن جميع الموظفين من الاستفادة من العمل المرن منذ اليوم الأول. وتعزيز الحماية للأمهات الجدد، من خلال حظر فصلهن من العمل لمدة ستة أشهر بعد عودتهن من إجازة الأمومة، إلا في ظروف استثنائية. وقد ينجم عن هذه التشريعات والإصلاحات، تغييرات واسعة في بيئة العمل في المملكة المتحدة.