رأي

قمّة ترامب وشي وصراع على النفوذ

كتبت تمارا برّو في صحيفة العربي الجديد.

أخيراً، تحقق للرئيس الأميركي دونالد ترامب ما أراد، اللقاء بالرئيس الصيني شي جين بينغ، إذ كان يردّد، في الأشهر الماضية، رغبته في هذا الاجتماع، ووصَف شي بأنه صديقه، ومدحه مرّات. وتحت أنظار العالم، وأمام عدسات الكاميرات، اجتمعا، وتصافحا مع ابتسامات تخفي وراءها كثيراً من الضعف والقوة والتنافس، في بوسان بكوريا الجنوبية (30/10/2025)، على هامش منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ.

اختُتم الاجتماع بين الزعيمَيْن بإعلان هدنة تجارية، وحُدِّد تاريخ انتهائها بعام. وأعطى الرئيس ترامب الاجتماع نسبة 12 في مقياس من صفر إلى عشرة، في إشارة إلى تحقيقه نجاحاً هائلاً. وأعلن البيت الأبيض أن الرئيسين توصّلا إلى اتفاق تجاري واقتصادي يمثّل انتصاراً هائلاً للعمّال والمزارعين والأُسَر الأميركية. وعلى الرغم من الضجّة الإعلامية التي صاحبت الاجتماع، والضغوط التي مارسها كلُّ طرف على الآخر قبل القمّة، لم تحقّقْ سوى القليل من النتائج الإيجابية بتخفيف التوتّرات التجارية، فقد خُفِّضت رسوم الفنتانيل الأميركية المفروضة على الصين إلى النصف، لتصل إلى 10%، وعلّقت رسوم الموانئ التي فرضها كلا البلدَيْن. في المقابل، وافقت بكين على استئناف واردات فول الصويا الأميركية، وتأجيل ضوابط التصدير على المعادن النادرة الصينية إلى الولايات المتحدة، واستيراد النفط الأميركي.

لم يكن يُتوقع من اجتماع الرئيسَيْن أكثر من ذلك، في ظلّ التوتّرات التي صاحبت علاقاتهما قبل الاجتماع وأوراق الضغط التي رفعها كل بلد تجاه الآخر. وحتى مهلة السنة التي حُدِّدت لانتهاء الاتفاق الأميركي الصيني قد تنهار في أيّ وقت بالنظر إلى حالات سابقة، إذ إنه منذ بدء الاجتماعات هذا العام بين بكين وواشنطن للتفاوض على اتفاق تجاري، عُلِّقت المشاورات مرّات عدة بسبب توتّر العلاقات بينهما.

بكين لن ترفع القيود نهائياً عن المعادن النادرة ما دامت واشنطن تفرض قيوداً على تصدير الرقائق الإلكترونية إليها

وإذا كانت بكين تهدف إلى تخفيف القيود الأميركية على تصدير أشباه الموصلات المتطوّرة إليها، وهي بالفعل كانت تضغط من أجل ذلك، وتضع ورقة المعادن النادرة مقابل رفع ضوابط التصدير عن أحدث أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي، فإنه يبدو أن الطرفَيْن لم يصلا إلى نتيجة مُرضية حول أشباه الموصلات المتطوّرة التي تنتجها شركة إنفيديا الأميركية (بلاكويل)، إذ إن الولايات المتحدة رفضت تصديرها إلى الصين. وبناءً على طلب الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا، جنسن هوانغ، كان ترامب ينوي مناقشة هذا الملفّ مع الرئيس شي، إلا أن الضغوط التي مارستها الإدارة الأميركية على ترامب أعاقت ذلك، كما دفعت ترامب إلى التصريح بأن بلاده لن تسمح لأيّ دولة أخرى، وفي مقدمها الصين، بالحصول على أكثر رقائق الذكاء الاصطناعي تطوّراً من إنتاج شركة إنفيديا. ومع ذلك، قال “إن الشركات الصينية قد تتعامل مع إنفيديا، ولكن ليس على مستوى الشريحة الأكثر أداءً”. وحتى في مسألة السماح لشركة إنفيديا بتصدير الرقائق الإلكترونية إلى الصين، فقد سبق لواشنطن أن وافقت على السماح للشركة العملاقة بتصدير شريحة H20 إلى الصين، إلا أن الأخيرة امتنعت عن شرائها بحجّة المخاوف الأمنية، ولكن من المحتمل أن تكون الصين تنتج بالفعل مستويات مماثلة أو متفوّقة على الشرائح التي سُمح بتصديرها.

بطبيعة الحال، لن يتنازل أيُّ طرف عن أوراق الضغط التي يملكها تجاه الطرف الآخر. فبكين لن ترفع القيود نهائياً عن المعادن النادرة ما دامت واشنطن تفرض قيوداً على تصدير الرقائق الإلكترونية إليها، لأن الجانبين يدركان مدى أهمية أشباه الموصلات والمعادن النادرة من أجل التطوّر التكنولوجي والسيطرة على العالم، خاصّة أنهما يدخلان في تنافس وتوسيع للنفوذ والريادة العالمية. وحتى لو أن الصين علّقت القيود على تصدير سلع ذات الاستخدام المزدوج، مرتبطة بالغاليوم والأنتيمون والجرمانيوم، حتى 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2026، فإنها لن ترفع بصورة شاملة القيود التي فرضتها على المعادن النادرة، ولن تتخلّى عن ورقة الضغط هذه خلال المفاوضات المقبلة.

أدّى تصدّي الصين للإجراءات الأميركية إلى إظهار ضعف واشنطن في استخدام الضغط الاقتصادي ضدّ الصين

ركّز اجتماع ترامب وشي في المواضيع الاقتصادية المُلحَّة، وما زالت هناك ملفّات شائكة أخرى لم يُتطرَق إليها مثل قضية تايوان. وقد حاولت بكين قبل القمّة إرسال رسائلَ إلى واشنطن بأن تايوان لا تزال في قلب اللعبة الصينية طويلة الأمد، عبر إجرائها مناورات عسكرية قرب الجزيرة. كما واجه ترامب تحذيرات داخلية بعدم اللعب بورقة تايوان باستهتار، فقد أشار وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إلى أنه لن يكون هناك أيُّ تنازل علني عن تايبيه، في ظلّ تصاعد الحديث عن إمكانية تخلّي ترامب عن تايوان لقاء صفقة تجارية مع الصين. وبعد القمّة هدّد ترامب الصين (بصورة مبطّنة) في حال هاجمت تايوان.

بشكل عام، كان كل من الصين وأميركا في حاجة إلى هدنة من الحرب التجارية المتصاعدة بينهما، فقادة الصين يعتقدون أن الهدنة ستخفّف الضغط على بلادهم لإجراء تغييرات هيكلية في نموذجها الاقتصادي، وهو ما يوفّر الوقت للصين لتسريع اعتمادها على نفسها تكنولوجياً وعلمياً، لحمايتها من الضغط الخارجي. كما أن الاقتصاد الصيني يشهد تراجعاً في النمو، إذ تراجع إلى أقلَّ من 5% في الربع الثالث من العام 2025، في ظلّ تراجع الطلب المحلّي وضعف الاستثمار والإنتاج الصناعي والصادرات. كما أن الأوضاع الاقتصادية في الولايات المتحدة، ليست أفضل حالاً من الصين، وتعمل واشنطن على كسب الوقت وتوقيع اتفاقيات مع مختلف الدول للتعاون في مجال المعادن النادرة لمواجهة الصين كي لا تبقى مهيمنة على هذه الموارد، وهو ما تحقّق بالفعل عبر زيارة ترامب إلى جنوب شرق آسيا واليابان وكوريا الجنوبية.

أدّى تصدّي الصين للإجراءات الأميركية إلى إظهار ضعف واشنطن في استخدام الضغط الاقتصادي ضدّ الصين، وإذا كانت قمّة ترامب وشي أسفرت عن هدنة تجارية مؤقّتة، فإن ذلك لن يؤدّي إلى استقرار طويل الأمد في العلاقات بين البلدَيْن، نظراً إلى أن الخلاف الأساس بينهما هو على مسألة النفوذ العالمي، وربط الرئيس الصيني تحقيق الحلم الصيني برؤية ترامب “جعل أميركا عظيمة مرّة أخرى”.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى