قمة «بريدج».. إعادة صياغة مستقبل الإعلام

كتب د. صلاح الغول, في الخليج:
مثّلت قمة «بريدج» 2025 BRIDGE، حدثاً عالمياً غير مسبوق، حيث أعادت تعريف مفهوم المؤتمرات الإعلامية عبر الجمع بين بعدي المؤتمر والمعرض في منظومة واحدة شاملة. وانطلقت القمة التي نظمها المكتب الوطني للإعلام في دولة الإمارات، في 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وأطلقت معها، على مدار ثلاثة أيام، فضاءً دولياً جامعاً لأبرز القادة وصناع السياسات وخبراء الإعلام وقادة الفكر والمبدعين، بهدف استكشاف مستقبل الإعلام في ظل التحولات التكنولوجية المتسارعة والتنوع الثقافي العالمي، وتمكين الجيل القادم من رواد الإعلام والمبتكرين. والحق أنّ بريدج 2025 لم تكن مجرد فعّالية دولية موسمية، وإنما منظومة إعلامية ديناميكية عالمية، أتاحت فرصة فريدة للمشاركين فيها للتداول والنقاش فيما يتعلق بسبل قيادة التحول في قطاع الإعلام وتوجيهه في ظل الثورة الهائلة في مجالات المعلومات والاتصالات والذكاء الاصطناعي، ومن ثم دفع دور الإعلام والإعلاميين للإسهام في تنمية اقتصادات وطنهم والاقتصاد العالمي.
وتجسّد قمة بريدج، التي صُممت كمنصة عابرة للقطاعات، رؤية إماراتية طموحة تسعى إلى بناء نظام إعلامي عالمي أكثر تكاملاً وابتكاراً. وقد تمكنت بريدج 2025 من استقطاب أكثر من 300 عارض وما يزيد على 400 متحدث من مختلف أنحاء العالم، من بينهم شخصيات دولية بارزة، ما أتاح فضاءً حيوياً للحوار وتبادل الخبرات، وفتح آفاقاً غير محدودة للتعاون بين الإعلام والتكنولوجيا والاقتصاد الإبداعي.
وتتجلّى أهمية «بريدج» في قدرتها على كسر الحواجز التقليدية بين القطاعات، إذ جمعت الإعلام والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وصناعة الترفيه والفنون والثقافة ضمن منصة واحدة شاملة. وأسهم هذا التكامل في إطلاق مسارات تعاون جديدة بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، وبين المؤسسات الكبرى والمبدعين المستقلين والشركات الناشئة، وبين القطاعين العام والخاص، والمجتمع المدني، بما يعزز بناء اقتصاد معرفي متجدد تقوده دولة الإمارات بثقة واقتدار.
علاوة على ذلك برزت القمة كمساحة نقاش معمّق حول القضايا الأكثر إلحاحاً في صناعة الإعلام، من تأثير الذكاء الاصطناعي في اقتصاد المحتوى، إلى مستقبل السينما التفاعلية، ومن قضايا الثقة بعصر التوثيق الشامل، إلى التحولات الجيوسياسية وانعكاساتها على صناعة التأثير. وأسهم تنوع الجلسات ونوعية المتحدثين في تقديم رؤى متعددة الزوايا تجمع بين التحليل الأكاديمي والخبرة العملية.
وقد سلّطت بريدج 2025 الضوء مرةً أخرى على دور دولة الإمارات البارز في صناعة المعارض والمؤتمرات على المستوى العربي والعالمي، وأثبت مصداقية وصفها ب«العاصمة العالمية للمعارض والمؤتمرات». وتؤكد أرقام المشاركة الحجم الاستثنائي للقمة وتأثيرها العالمي، إذ استقطبت أكثر من 40 ألف مشارك من 182 دولة، وحققت تغطية رقمية لافتة تجاوزت 57.5 مليون مشاهدة عبر البث المباشر على منصة «إكس». كما عكس تصدّر تطبيق «بريدج» لقائمة تطبيقات الأعمال في متجر «أبل» بالإمارات مستوى التفاعل الذكي الذي وفرته القمة، سواء من حيث تنظيم الاجتماعات أو بناء شبكات التواصل المهنية.
والأهم من ذلك أنّ قمة بريدج، وغيرها من القمم والمؤتمرات والمعارض الدولية التي تستضيفها الإمارات، ترفد القوة الناعمة للدولة بمصادر هائلة التأثير والجذب. فقد شكلت القمة منصة حيوية لتعريف العالم بتجربتها التنموية، والاطلاع على تجارب الآخرين، وتبادل المعارف والخبرات الإعلامية، وخلق المزيد من الفرص والشراكات محلياً وعالمياً. كما رسّخت القمة مكانة دولة الإمارات كمركز عالمي لصناعة المحتوى والابتكار الإعلامي، حيث جمعت الدبلوماسيين والوزراء وقادة المؤسسات الإعلامية والتكنولوجية في العاصمة أبوظبي، مؤكدة دور الدولة في تدشين منصات مهنية رفيعة المستوى، جامعة لتلاقي الأفكار واستقطاب المواهب. وقد رسم حفل الافتتاح ملامح توجهات القمة، باعتبارها ساحة دولية موحدة لإعادة صياغة مستقبل الإعلام وبناء منظومة أكثر ثقة وترابطاً.
وقدمت القمة الإعلامية الدولية أفضل فرصة لصنع صورة إيجابية عن دولة الإمارات، والترويج لنموذجها الثقافي والتنموي، وللمسؤولين الإماراتيين للقاء مسؤولين رسميين أجانب، وعرض وجهات نظرهم في القضايا ذات الأهمية بالنسبة لهم.
وفي المحصلة النهائية، عكست مخرجات «بريدج 2025» أهمية القمة ليس فقط كحدث إعلامي ضخم، بل كبنية جديدة للتواصل العالمي وصناعة الشراكات العابرة للحدود. إذ تؤكد القمة أن مستقبل الإعلام لن يُصاغ بمعزل عن البحث العلمي الرصين والتقنية المتقدمة، بل من خلال منصات جامعة قادرة على تحويل الأفكار إلى سياسات، والمعرفة إلى تأثير، وهو ما نجحت «بريدج» في تجسيده بجدارة.
.. اُختتمت القمة، لكن الأفكار الملهمة والشراكات التي انطلقت منها ما زالت تمتدّ بإلهامها وأثرها.
ولنتذكر، في هذا الخصوص، أنّ أحد المبادئ العشرة في وثيقة مبادئ الخمسين، الصادرة في سبتمبر/أيلول المنصرم، وهي المرجع لجميع مؤسسات الدولة خلال الخمسين عاماً المقبلة، يؤكد «التفوق الرقمي والتقني والعلمي لدولة الإمارات وسيرسم حدودها التنموية والاقتصادية، ويُرسّخها كعاصمة للمواهب والشركات والاستثمارات في هذه المجالات وسيجعلها العاصمة القادمة للمستقبل».




