قمة بايدن من أجل الديموقراطية وانعكاسها على لبنان
كتب مسعود معلوف في صحيفة “الجمهورية” ان ” أحد وعود الرئيس بايدن أثناء حملته الإنتخابية كان تعزيز الديموقراطية في الولايات المتحدة وفي العالم بعد حصول تراجع ملموس في هذا المجال في عهد دونالد ترامب، سواء في الداخل الأميركي أو في عدد من الدول ومنها دول كبرى مثل الهند والبرازيل، إذ يشير تقرير صادر عن مؤسسة دراسات سويدية الى أن هذا التراجع بدأ عام 2016 وبلغ ذروته بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية عندما رفض ترامب نتيجة هذه الإنتخابات في أواخر العام 2020، وبعد أن توجّه مناصروه في مطلع العام 2021 لاحتلال مبنى الكونغرس للحيلولة دون تمكين أعضاء الكونغرس من تثبيت فوز بايدن بالرئاسة وفق مقتضيات الدستور الأميركي.
تنفيذاً لهذا الوعد، دعا بايدن أكثر من مئة دولة للمشاركة في قمة افتراضية من أجل الديموقراطية يومي التاسع والعاشر من شهر كانون الأول 2021، على أن تعقد قمة ثانية حضوريا بعد عام من القمة الإفتراضية إذا سمحت الظروف الصحية بذلك، لتقييم ما تحقق في هذا المجال خلال العام، علما ان الغاية المعلنة لهذه القمة كانت “تجديد الديموقراطية في الولايات المتحدة، ومجابهة التسلط والديكتاتورية في الخارج”.
أثيرت تساؤلات كثيرة حول جدارة الولايات المتحدة في إعطاء دروس في الديموقراطية بعد التراجع الملموس الذي حصل للديموقراطية الأميركية أيام ترامب، كما أثيرت تساؤلات حول الدول المدعوة مثل باكستان او جمهورية الكونغو الديموقراطية المعروفتين بقلة الديموقراطية فيهما، وعن دعوة العراق دون سواه من بين الدول االعربية.
بالنتيجة شاركت في هذه القمة الإفتراضية أكثر من 100 دولة إما على مستوى رئيس الدولة أو رئيس الحكومة، وقد غابت باكستان على رغم من دعوتها، كذلك دعي ممثلون عن المجتمع المدني وعن القطاع الخاص للمشاركة في أعمال هذه القمة. وكان بايدن قد شدد، منذ تولّيه الرئاسة وأثناء القمة، على أهمية تجديد الديموقراطية وتعزيزها في الولايات المتحدة وفي العالم من أجل مواجهة التحديات القائمة.”
واضاف: “في اليوم الذي سبق القمة، أي في الثامن من كانون الأول، عقدت سلسلة اجتماعات على مستوى وزراء وكبار المسؤولين من الولايات المتحدة ومن الدول المشاركة في مواضيع متنوعة تعتبر من ركائز الديموقراطية، كان أولها لقاء افتراضي برئاسة وزيري خارجية الولايات المتحدة وهولندا حول حرية الإعلام حيث تحدث المشاركون عن التحديات التي يواجهها الصحافيون وطريقة تعزيز حرية الإعلام، كذلك استضاف الوزير أنتوني بلينكن لقاء افتراضياً لقادة من الشباب في مختلف دول العالم للبحث في دور القيادات الشبابية في المسار الديموقراطي وطرق تعزيز مساهمة العناصر الشبابية في اتخاذ القرارات في دولهم.
كذلك عقد لقاء في اليوم نفسه تم التركيز فيه على العلاقة بين القطاع الخاص والقطاع العام وطريقة التعاون بين هذين القطاعين تعزيزا للديموقراطية، ولقاء آخر حول طريقة تمكين المرأة ومحاربة التمييز بين الجنسين الذي يعتبر عقبة في طريق تحقيق الديموقراطية، ولقاءات تناولت مواضيع مختلفة مثل مسألة مستقبل الإنترنت وكيف ينبغي أن تعمل الحكومات بالتعاون مع المجتمع المدني ليكون الإنترنت موثوقا وآمنا، ومسألة سجن السياسيين والمطالبة الدولية بتحريرهم من السجون.
أما الإجتماعات على مستوى القمة في التاسع والعاشر من كانون الأول، فقد تركزت على ثلاثة محاور:
– الحفاظ على الديموقراطية وتحسين وسائل إعادة بناء المجتمع بالتعاون بين الدول على خلفية جائحة كورونا.
– مكافحة الفساد وحماية المجتمع من هذه الآفة.
– حماية حقوق الإنسان والمدافعين عنها، وحماية الصحافيين المستقلين.
حول هذه المحاور الثلاث تركزت المداخلات التي شدد فيها المشاركون على أهمية الدفاع عن الديموقراطية، وقد بلغ عدد المشاركين 275 شخصاً يمثلون حكومات ومنظمات دولية وناشطين في مجال حقوق الإنسان وممثلين عن القطاع الخاص كمدراء شركات كبرى ورؤساء نقابات.
لقد خصص اليوم الأول، بعد خطاب بايدن الإفتتاحي، لمناقشة موضوع حماية الديموقراطية ومكافحة الفساد، بينما تم تخصيص اليوم الثاني لموضوع حماية حقوق الإنسان من كل جوانبه، وانتهت القمة بخطاب ختامي لبايدن.
من خلال مداخلات القادة المشاركين، ظهر التزام عام بدعم المحاور الثلاث عبر ضمان سلامة الإنتخابات، حماية أقوى لحقوق النشطاء والنساء والعناصر الشبابية، وكذلك حماية حقوق المثليين والأشخاص ذوي الإعاقات، ومجابهة الأخبار المضللة. وتم أيضاً الإلتزام بتحقيق مزيد من المساواة الإجتماعية والتشديد على ضرورة محاربة الفساد بكل تجلياته، والإهتمام الجدي بإنماء وتطوير التكنولوجيا خدمة للديموقراطية وحقوق الإنسان.
من جهة ثانية، طالب ممثلو المنظمات والتنظيمات غير الحكومية المشاركين الرسميين وممثلي الحكومات بمقاومة التسلط وسرقة الأموال العامة على يد المسؤولين الفاسدين والتوقف عن قمع المعارضين.
وفيما يتعلق بالتزامات الحكومة الأميركية لتحقيق أهداف القمة، فقد أعلن بايدن عن مبادرة عرفت باسم “المبادرة الرئاسية للتجدد الديموقراطي”، وهي تتضمن مجموعة التزامات ومساعدات خارجية لتعزيز الديموقراطية وحماية حقوق الإنسان عالميا حيث ستخصص الولايات المتحدة في السنة المقبلة مبلغ 424،4 مليون دولار لهذه المبادرة التي ستركز على دعم الإعلام الحر والمستقل، ومحاربة الفساد، وتشجيع الإصلاحات الديموقراطية، وتطوير التكنولوجيا خدمة للديموقراطية ودعم وحماية الإنتخابات الحرة والنزيهة والمسارات السياسية.
لقد تزامَن البدء بأعمال هذه القمة في التاسع من كانون الأول مع “اليوم العالمي لمكافحة الفساد”، فأعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن قرارها تعيين منسق لمكافحة الفساد العالمي مهمته دمج كل أعمال مكافحة الفساد ضمن الديبلوماسية الأميركية في مختلف جوانبها بما فيها المساعدات الخارجية، وسيعمل هذا المنسق مع الشركاء الدوليين للولايات المتحدة لتطبيق استراتيجية الولايات المتحدة لمكافحة الفساد، وسيعاونه في عمله مجموعة من الخبراء في هذا المجال سيتم تعيينهم في المستقبل القريب.
هنا يظهر انعكاس القمة من أجل الديموقراطية على الأوضاع في لبنان، إذ ينوي بعض المنظمات اللبنانية ـ الأميركية التواصل مع وزارة الخارجية الأميركية لحضّها على إيلاء موضوع الفساد في لبنان أولوية نظراً لاقتناع الإدارة والمغتربين بأن الفساد هو المسؤول الأول عن إيصال لبنان الى ما هو عليه اليوم، والإدارة واعية بلا شك الى أنه، منذ أن عقد مؤتمر “سيدر” في باريس في نيسان عام 2018 حيث تم تخصيص لبنان بمبلغ 11 مليار دولار شرط إجراء بعض الإصلاحات ومكافحة الفساد، لم تقم الحكومة اللبنانية بأي خطوة إصلاحية على رغم الضغوط الدولية المتكررة والوعود الحكومية اللبنانية التي لم ينفذ منها شيء.
المنظمات اللبنانية ـ الاميركية تضم عددا غير قليل من المواطنين اللبنانيي الاصل الذين خسروا ودائعهم في لبنان، وهم يسعون حاليا الى توحيد صفوف اللبنانيين في الولايات المتحدة قدر المستطاع في سبيل تشكيل قوة ضغط واسعة النطاق لِحمل الإدارة الأميركية على بدء نشاطها في مكافحة الفساد في لبنان قبل اي دولة أخرى فور تعيين المنسق المختص في هذه المسألة والخبراء الذين سيعاونونه.
جدير بالإشارة الى أن الإنتخابات التشريعية الأميركية ستجري في تشرين الثاني المقبل ولكن الحملة لهذه الإنتخابات ستبدأ قريباً، وإدارة بايدن ستسعى جاهدة لعدم خسارة الأكثرية الضئيلة جداً التي يملكها حاليا حزبه في الكونغرس لأنّ ذلك من شأنه أن يشل برنامج بايدن التشريعي وعدد من المشاريع التي وعد الناخبين بتحقيقها، ومن هذا المنطلق، تقوم المنظمات اللبنانية ـ الأميركية بتجميع أكبر عدد ممكن من اللبنانيين المستائين من الأوضاع في لبنان للضغط على إدارة بايدن لحملها على إيلاء الوضع في لبنان اهتمامها الجدي، علماً أن توحيد أعداد كبيرة من اللبنانيين لن يكون شديد الصعوبة لأنه لن يتم على أساس حزبي أو طائفي، بل على خلفية ما حلّ بودائع اللبنانيين وبالفساد المستشري الذي أوصل لبنان إلى هذا الوضع المخيف، وستركز المنظمات في لقاءاتها مع المسؤولين الأميركيين على المسائل الآتية:
– مسألة محاربة الفساد، علماً أن الإدارة مقتنعة بتفشي هذه الآفة في لبنان على مختلف المستويات ولا حاجة لها لأدلة ثبوتية، إذ أن الحكومة لم تقم بأي إجراء لتحقيق الإصلاحات المطلوبة بالإضافة الى الإعتماد على المحاصصة في تشكيل الحكومات المتعاقبة وعلى الشلل الحكومي الناجم من عدم التمكن من عقد اجتماع لمجلس الوزراء.
– التشديد على ضرورة إجراء الإنتخابات النيابية في مواعيدها في ظل مراقبة دولية.
– التأكيد على اهمية انجاز التحقيق في تفجير مرفأ بيروت الذي تعتبر المنظمات اللبنانية ـ الأميركية ان عرقلته هي احد وجوه الفساد.
– حرية الإعلام ودعم الصحافيين المستقلين وأولئك الذين يقومون بالتقصي لكشف أعمال الفساد.
هذه المسائل هي من صميم التزامات القمة من أجل الديموقراطية ولذلك ستجد الإدارة الأميركية نفسها مضطرة الى البحث في هذه الأمور لأن عدم تطرقها لها من شأنه أن يُفسّر على أنه فشل للقمة وبالتالي فشل للرئيس بايدن قبَيل الإنتخابات النصفية.
من جهة ثانية، تسعى بعض المنظمات اللبنانية المهتمة بهذه المسائل الى ربط الفساد في لبنان بالإرهاب وإن لم يكن هذا الموضوع من المواضيع التي كانت مطروحة على جدول أعمال القمة، وذلك انطلاقا من أن الولايات المتحدة تصنّف “حزب الله” منذ سنوات على أنه منظمة إرهابية، وبما ان هذه المنظمات تعتبر أن الحزب يسيطر على البلد الى حد بعيد بما في ذلك على قرارات الحكومة، فهي ستحاول التركيز في اتصالاتها مع الإدارة الأميركية على أنه يحمي الفساد في لبنان وستشجع الإدارة من هذا المنطلق على ضرورة الإهتمام بالوضع اللبناني فور تعيين المنسق والخبراء في شؤون الفساد العالمي.
لا شك في أن الموضوع سيتطلب بعض الوقت في انتظار تعيين المنسق المختص بمعالجة مسألة الفساد في العالم ومعاونيه، ومن ثم على هذا الفريق تحديد طريقة عمله التي ربما ستختلف من دولة الى أخرى، ولكن المنظمات اللبنانية ـ الأميركية بدأت التحضير لمتابعة برنامج تواصلها مع الإدارة الأميركية، وقد باشرت اتصالاتها مع الجالية اللبنانية في مختلف الولايات في سبيل تشكيل المجموعة الضاغطة التي تود تشكيلها والتلويح بقوتها الإنتخابية، إذ يبدو انها المرة الأولى التي قد يتمكن فيها اللبنانيون في الولايات المتحدة من التلاقي في مجموعة واحدة بعيداً عن الخلافات السياسية والطائفية التي كانت، حتى الماضي القريب، تفرّقهم وتحول دون تمكنهم من اتخاذ مواقف موحدة في قضايا الوطن الأم وهمومه.”