كتبت روزي بيتشارد في DW.
لم يكن اختيار منتجع بورجنشتوك الواقع على قمة جبلية وسط سويسرا، لاستضافة قمة السلام الأوكرانية محض صدفة فقد سطر المكان أسمه في التاريخ. فخلال العقود الماضية، استضاف المنتجع نجوم السينما وسياسيين لإنهاء نزاعات دولية كان أخرها توقيع اتفاق وقف إطلاق عام 2002 بين الحكومة السودانية والجيش الشعبي لتحرير السودان بعد مباحثات رعتها الحكومتان السويسرية والأمريكية.
وقبل يوم، شهد المنتجع اختتام قمة السلام الأوكرانية بمشاركة قادة ورؤساء ودبلوماسيين من أكثر من 90 دولة لإجراء محادثات هي الأولى من نوعها حول إحلال السلام في أوكرانيا فيما اعتبر مراقبون أهداف القمة معتدلة.
ولم تتم دعوة روسيا إلى القمة ولم تبد هي الأخرى أي اهتمام بالمشاركة مما دفع حليفتها الصين إلى مقاطعة المحادثات. ومع بدء القمة، أعربت الدولة المضيفة عن أملها فقط في وضع بعض أسس تمهد الطريق أمام عقد مفاوضات مستقبلية. وفي ختام القمة، اعتبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن روسيا غير مستعدة “لسلام عادل” مع بلاده.
وقال المراقبون إن جمع أكثر من خمسين من قادة دول العالم في غرفة واحدة للحديث عن السلام في أوكرانيا لم يكن بالأمر السهل فيما كان ضمان تمثيل عشرات الدول صعبا.
وجاءت القمة بعد جهود دبلوماسية مضنية امتدت لشهور في مواجهة مساعي روسيا السياسية التي كانت تهدف إلى تشويه سمعة التجمع. وخلال القمة التي استمرت ليومين، جرى الترحيب بانخراط ومشاركة دول لم تكن ضمن الأطراف الرئيسية في المحادثات الدولية السابقة حول أوكرانيا.
ورغم ادانته روسيا، إلا رئيس كينيا طلب من “جميع الأطراف المتحاربة” العمل على “تخفيف مواقفها”، فيما قال وزير الخارجية السعودي إن أي محادثات سلام ذات مصداقية بشأن الحرب في أوكرانيا ستحتاج إلى مشاركة روسيا وإنها ستتطلب “تسوية صعبة”.
وبسبب مشاركة أطراف تقف على طرفي النقيض من الأزمة الأوكرانية، فقد ظهرت خلافات في القمة بين الدول الغربية المؤيدة لكييف وبين أطراف رئيسة من أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وهو ما بدى جليا في وجود ممانعة سياسية.
تأييد وحدة أراضي أوكرانيا
وتوجت المحادثات ببيان أيدته غالبية الدول المشاركة – قرابة 80 بلدا بما في ذلك جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وغانا وكينيا والأرجنتين وكولومبيا والفلبين وقطر وغواتيمالا.
وجاء في البيان: “أن الحرب المستمرة التي تخوضها روسيا ضد أوكرانيا لا تزال تتسبب في معاناة إنسانية وفي دمار واسع النطاق وفي خلق مخاطر وأزمات ذات تداعيات عالمية على العالم”.
وأضاف البيان: “نؤكد من جديد التزامنا بالامتناع عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة أو ضد مبادئ السيادة والاستقلال والسلامة الإقليمية لجميع الدول بما في ذلك أوكرانيا”.
وأدانت الدول المشاركة في القمة التي وقعت على البيان الختامي “التهديدات النووية” مع التحذير من التلويح باستخدام الغذاء كسلاح مع الدعوة للانخراط في مفاوضات لتبادل الأسرى وعودة “كافة الأطفال الأوكرانيين الذين جرى ترحيلهم إلى روسيا بشكل غير قانوني”.
السعودية والهند وجنوب أفريقيا ترفض التوقيع
بيد أن اللافت أن البيان الختامي لم يحظ بتوقيع كافة الدول المشاركة، إذ رفضت دول ذات ثقل دبلوماسي دولي كبير مثل الهند وجنوب أفريقيا وإندونيسيا والمكسيك التوقيع على البيان. ولم تؤيد البيان الختامي أيضاً السعودية والإمارات وليبيا والبحرين وكولومبيا والفاتيكان.
وحتى قبل المشاركة، أعربت هذه الدول عن تحفظات ظهرت جليا في قرار إرسالها دبلوماسيين أو وزراء إلى قمة سويسرا وليس قادتها.
ولم يتم يتفاجأ كلود راكيستيس، الباحث السياسي البارز في مركز الأمن والدبلوماسية والاستراتيجية في بروكسل، بهذا الأمر، قائلا إن بعض الدول “لم تكن ترغب في إثارة بعض المشاكل” في إطار مساعيها للموازنة بين علاقتها بالدول الغربية من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى.
وقبل بدء الاجتماعات، كانت أوكرانيا قد اتهمت موسكو وبكين بممارسة ضغوط دبلوماسية على الدول الأخرى لإقناعها بعدم حضور قمة سويسرا في اتهام نفته الصين.
وأضاف راكيستيس إن علاقات بعض الدول بروسيا والصين قد دخلت في الحسبان خاصة الهند التي تعتمد على موسكو في التسليح أو حتى العلاقات التاريخية بين الدول كالتي التي تربط جنوب إفريقيا وبروسيا.
وفي مقابلة مع DW، أضاف الباحث الدولي بالقول: “لم يكن مؤتمر سويسرا يتعلق برمته بالأزمة في أوكرانيا، بل كان الأمر أكثر بكثير من ذلك إذ يتعلق بالحفاظ على النظام الدولي”.
أوكرانيا: الدعم الدولي لم يضعف
من جانبه، أكد الرئيس زيلينسكي على أنه لا يشعر بأي خيبة أمل إزاء رفض بعض الدول التوقيع على البيان الختامي، إذ شدد على أن مشاركة هذا العدد الكبير من الدول في القمة تمثل “نجاحًا كبيرًا”.
وقال إن قمة سويسرا ترسل رسالة مفادها أن “الدعم الدولي يقوى ولم يضعف” في أمر حظى بموافقة ضمنية من قادة دول غربية.
وفي مقابلة مع DW على هامش المؤتمر، قال رئيس الوزراء الأيرلندي سيمون هاريس إن القمة تعد “بالتأكيد أكبر وأهم تجمع دولي من جميع أنحاء العالم منذ اندلاع الحرب للحديث عن كيفية التحرك صوب إحلال السلام في أوكرانيا. وهذا في حد ذاته يعد بالأمر الهام”.
رفض غربي للمقترح الروسي
وعشية بدء القمة، كشفت روسيا عن طرحها لإنهاء الحرب في أوكرانيا بما في ذلك تنازل أوكرانيا عن جزء من أراضيها في أربع مناطق والتخلي عن طموحاتها في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو”.
وقال راكيستيس إن الاقتراح كان على الأرجح جزءا من محاولة موسكو لعرقلة المحادثات في سويسرا وصرف الانتباه عنها.
وقد لاقى الطرح الروسي رفضا من المستشار الألماني أولاف شولتس الذي اعتبره بكونه “غير جدي”.
وفي حديثه لـ DW، قال رئيس وزراء إيرلندا إنه “لا أعتقد أن بوتين بات في وضع يسمح له بوضع شروط مسبقة”، مضيفا: “هناك حقيقة جلية مفادها أن أي تسوية سلمية وأي عملية سلام يجب أن تتوافق مع القانون الدولي الذي يحترم ويقر بسلامة ووحدة أراضي أي دولة.”
ورغم ذلك، يقر مراقبون على أن أي تقدم حقيقي في تحقيق السلام في أوكرانيا لا يمكن أن يحدث من دون موسكو وهو ما أثار خلافات بين الدول المشاركة في قمة سويسرا حيال كيفية تحقيق ذلك.
ومع اختتام القمة، طرحت رئيسة سويسرا فيولا أمهيرد تساؤلا رئيسيا حول كيف يمكن إشراك روسيا في العملية ومتى ذلك؟ وأضافت “كشفت المناقشات على مدى اليومين الماضيين عن تباين في وجهات النظر والأهم من ذلك هو فهمنا أن الطريق نحو السلام في أوكرانيا يجب أن يستند على أسس القانون الدولي”.
ماذا بعد؟
ومع انتهاء قمة سويسرا، لم يتم الإعلان عن عقد مفاوضات تتابع ما تحقق في مباحثات بورجنشتوك، لكن أمهيرد قالت إن دولا عدة أبدت استعدادها لاستضافة محادثات مستقبلية. وفي هذا السياق، أعلنت كندا عن عزمها استضافة تجمع وزاري بهدف إجراء محادثات حول القضايا الإنسانية في أوكرانيا.
من جانبه، قال وزير خارجية أوكرانيا دميترو كوليبا إنه “من الواضح أن مساعي إنهاء الحرب تتطلب جلوس الطرفين على الطاولة”. وأضاف أن “وظيفتي ومهمة جميع الدبلوماسيين الأوكرانيين تتمحور حول جلوس كييف إلى هذه الطاولة في أقوى موقف ممكن وهذا ما يتصدر أولويات الرئيس زيلينسكي”.