قرار مجلس الأمن 2728.. هُدنَة الأسبُوعين لِغزة
كتب د. ابراهيم النحاس في صحيفة الرياض.
إن قرار مجلس الأمن 2728، بتأكيده على هُدنة طوعية أو اختيارية مدتها أسبوعان، يُعبر عن حالة جديدة، وقد تكون استثنائية في تاريخ مجلس الأمن، يُبرِر من خلالها الإبادة الجماعية والتدمير الشامل لكل مصادر الحياة في قطاع غزة..
ما الذي حدث لِمجلس الأمن؟! وما الذي أصاب قراراته؟! وما الذي أضعف معظم أطرافه الدولية؟! ومن الذي يصنع توجهاته؟! وإلى أي مدى تؤمن به الشعوب والمجتمعات والدول؟! وهل تحولت أدواره، وتغيرت اختصاصاته، وتبدلت مهامه؟! تساؤلات عديدة استدعتها الجمل الرقيقة، والكلمات الناعمة، والعبارات اللطيفة، والتفسيرات العامة والمتضاربة والمتناقضة، التي تضمنها القرار الصَّادر عن مجلس الأمن رقم 2728 في 25 مارس 2024م. نعم، إننا عندما ننظر لقرار مجلس الأمن 2728، بحسب ما ورد بموقع الأمم المتحدة في 25 مارس 2024م، نجد الآتي: “بتأييد 14 عضواً وامتناع الولايات المتحدة الأمريكية عن التصويت، اعتمد مجلس الأمن الدولي قراراً يطالب بوقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان تحترمه جميع الأطراف، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن. … وأعقب التصويت تصفيق من أعضاء المجلس الذي لم يتمكن مرات عديدة على مدى الشهور الماضية من اعتماد قرار بشأن وقف إطلاق النار في غزة. في إطار مطالبته بالإفراج عن جميع الرهائن، طالب القرار بكفالة وصول المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الطبية وغيرها من الاحتياجات الإنسانية، وبامتثال الأطراف لالتزاماتها بموجب القانون الدولي فيما يتعلق بجميع الأشخاص الذين تحتجزهم. ويشدد القرار على الحاجة الملحة لتوسيع نطاق تدفق المساعدة الإنسانية للمدنيين في قطاع غزة بأكمله وتعزيز حمايتهم. ويكرر تأكيد مطالبته برفع جميع الحواجز التي تحول دون تقديم المساعدة الإنسانية على نطاق واسع.” فإذا وضعنا هذا القرار، وما تضمنه من جمل وكلمات وعبارات، في عين الاعتبار، فإننا نجد جملاً وكلمات وعبارات مختلفة تماماً عن الجمل والكلمات والعبارات التي نصَّت عليها المهام الرئيسية لمجلس الأمن، وأشار لها الموقع الرسمي للأمم المتحدة تحت بند “السلام والأمن”، والمتمثلة في الآتي: “يتحمل مجلس الأمن المسؤولية الرئيسية عن صون السلم والأمن الدوليين. ولدى مجلس الأمن 15 عضواً، وكل عضو لديه صوت واحد. بموجب ميثاق الأمم المتحدة، تلتزم جميع الدول الأعضاء بالامتثال لقرارات المجلس. يأخذ مجلس الأمن زمام المبادرة في تحديد وجود تهديد للسلام أو عمل عدواني. ويدعو أطراف النزاع إلى تسوية النزاع بالوسائل السلمية ويوصي بطرق التكيف أو شروط التسوية. وفي بعض الحالات، يمكن لمجلس الأمن أن يلجأ إلى فرض جزاءات أو حتى السماح باستخدام القوة للحفاظ على السلم والأمن الدوليين أو استعادتهما”.
نعم، إن لغة قرار مجلس الأمن 2728 الصادر في العام 2024م مختلفة تماماً عن لغة المهام والمسؤوليات والاختصاصات لمجلس الأمن الصادرة عند تأسيس الأمم المتحدة في العام 1945م. فبعد أن كان صون السلم والأمن الدوليين مسؤولية رئيسية لمجلس الأمن، أصبح تبرير العدوان وحماية المعتدي هدفاً رئيسياً له. وبعد أن كان الامتثال والالتزام بقرارات مجلس الأمن واجباً وإجبارياً على جميع الأعضاء، أصبح الامتثال والالتزام بقراراته طوعياً واختيارياً. وبعد أن كان مجلس الأمن يأخذ زمام المبادرة لضمان السلام، أصبح جهازاً لمنح الدول القوية تصريحاً لتفرض السلام الذي ترغبه وتراه. وبعد أن كان مجلس الأمن منبراً للتعبير عن حقوق الشعوب المظلومة والمحتلة وأداة لحمايتها وحفظ كرامتها وضمان سيادتها بشكل دائم، أصبح منبراً للظالم والمحتل، وأداة لتبرير استمرار العدوان والقتل وتأجيل الحلول السلمية والدائمة. نعم، إننا أمام تناقضات عظيمة بين المهام الرئيسية والاختصاصات الصَّلبة التي كُلف بها مجلس الأمن، والواقع الصعب واللغة الضعيفة والمتناقضة التي تضمنتها لغة قراره 2728.
نعم، إن التفاؤل والآمال تصاعدت كثيراً، عند أبناء قطاع غزة بشكل خاص، وعند الرأي العام العربي والإسلامي، ولدى المجتمع الدولي المُحب للسلام والأمن والحرية والعدل، عند سماعهم الدعوة لانعقاد مجلس الأمن لمناقشة وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وإدخال المساعدات، والحديث عن سلام دائم. إلا أن هذا التفاؤل وتلك الآمال تراجعت لتتوارى شيئاً فشيئاً، ولتعقبها خيبات وانكسارات من مجلس الأمن بعد صدور قراره 2728. نعم، فبعد ستة أشهر من الإجرام والعدوان الإسرائيلي المُتصل على قطاع غزة الذي أدى لـ”مقتل وتشويه أكثر من 100,000 فلسطيني وتشريد أكثر من مليوني شخص ومجاعته”، بحسب السفير رياض منصور المُراقب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة، يأتي قرار مجلس الأمن 2728 فقط لـ”يطالب بوقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان تحترمه جميع الأطراف،” بدلاً من الفرض الفوري لوقف إطلاق النار، وبشكل دائم وليس فقط لمدة أسبوعين. وبدلاً من مطالبة إسرائيل بالإفراج الفوري وغير المشروط عن عشرات الآلاف من الأسرى الفلسطينيين الذين قضوا عشرات السنين من أعمارهم في سجون الاحتلال الإسرائيلي، يأتي القرار 2728 مطالباً فقط الفلسطينيين بـ”الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن”، في اصطفاف صريح لجانب الطرف المستعمر والقوي على حساب الطرف الضعيف والواقع تحت الاحتلال. وفي تعبير صريح عن حالة الخلل المؤسسي الكبير التي أصابت منظومة مجلس الأمن، تبين ذلك عندما “أعقب التصويت تصفيق من أعضاء المجلس” في سلوك يُعبر عن حالة الوهن والضعف التي أصابت معظم أعضاء مجلس الأمن وتركيبته وبنيانه. وبعد أكثر من خمسة عشر عاماً من الحصار الشامل والتجويع المقصود لأبناء قطاع غزة، بالإضافة للتدمير الشامل للبنية التحتية وللقطاعات الخدمية الرئيسية مثل الصحة والتعليم والماء والكهرباء والزراعة والغذاء، يأتي القرار 2728 فقط مطالباً “بكفالة وصول المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الطبية وغيرها من الاحتياجات الإنسانية” من غير الإشارة للبنية التحتية التي دمرتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، ومن غير تحميل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن حجم المُعاناة الإنسانية لأبناء قِطاع غزة، ومن غير توجيه الإدانة الدولية لها نتيجة قيامها بجرائم ضد الإنسانية تجاه قطاع غزة بشكل خاص، وتجاه الفلسطينيين بشكل عام.
وفي الختام، من الأهمية القول: إن قرار مجلس الأمن 2728 أكد التحول الجذري في مهامه ومسؤولياته واختصاصاته من حفظ السلم والأمن الدوليين، وحماية المدنيين، لتبرير استمرار العدوان، ولضمان زعزعة الاستقرار، والتصريح لمواصلة قتل المدنيين بعد توقف لمدة أسبوعين. نعم، إن قرار مجلس الأمن 2728، بتأكيده على هُدنة طوعية أو اختيارية مدتها أسبوعان، يُعبر عن حالة جديدة، وقد تكون استثنائية في تاريخ مجلس الأمن، يُبرِر من خلالها الإبادة الجماعية والتدمير الشامل لكل مصادر الحياة في قطاع غزة.