قراران يرفعان سعر صرف الدولار في لبنان .. ما هما؟!
قرّر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة معالجة قرار دعم الاستيراد الذي اتّخذه في أيلول 2019، عبر تحميل مستحقّي الدعم كلفة إلغائه. إجراءات سلامة، قبل تشرين الأول 2019، مهّدت للانهيار، بينما إجراءاته اللاحقة أدّت، عمداً، إلى انحدار إضافي انعكس مباشرة في ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازية وإفقار السكّان. ففي يومٍ واحد، الخميس الفائت، أصدر سلامة تعميمين يخدمان هذا الهدف: الأول، أدخل بموجبه تعديلاً على التعميم 151 يرفع سعر صرف السحوبات النقدية من الحسابات بالعملات الأجنبية من 3900 ليرة إلى 8000 ليرة. والثاني، فرض على أصحاب شركات استيراد المحروقات تأمين 15% من ثمن البنزين المستورد بالدولار النقدي، بعدما كانت النسبة 10%، علماً بأن النسبة المتبقية تُدفع بالليرة وفق سعر صرف «صيرفة». ونتيجة للقرارين، ازداد الطلب على الدولار في السوق بما يفوق الكميات المعروضة منه.
أحد المعنيين بقطاع النفط يؤكّد أنّه في حال بقاء استهلاك البنزين على حاله من دون أي تغيّر، صعوداً أو نزولاً، «سنكون بحاجة إلى تأمين 100 مليون دولار إضافية من السوق بمعدّل 300 ألف دولار يومياً بعدما رفع سلامة نسبة الدولارات التي علينا تأمينها إلى 15%». وأشار الى أنّ الاستهلاك «ينخفض عادة في أيلول، ليعود ويرتفع بعد فتح المدارس واقتراب موسم الأعياد وارتفاع أعداد الوافدين إلى لبنان، لذلك يتوقع أن يعود استهلاك البنزين إلى الارتفاع في الأسابيع المقبلة، ما يعني استيراد كميات أكبر، وبالتالي زيادة الطلب على الدولار وارتفاع سعره مقابل الليرة».
ممثل موزعي المحروقات، فادي أبو شقرا، قال لـ«الأخبار» إنّ استهلاك البنزين «انخفض بمعدّل 50% منذ بدء ارتفاع الأسعار في آب، بحسب نسب المبيع في المحطات. ولكن، في المقابل، زاد الضغط في السوق الموازية نتيجة ازدياد كميّة الدولارات التي يجب تأمينها للاستيراد». وأشار الى «الصعوبة التي كنا نواجهها مع الصرّافين لتأمين نسبة الـ 10%، فكيف الحال مع نسبة 15%؟ اليوم (أمس)، بعض الصرّافين باعونا الدولار بـ 26100 ليرة وهو ما لا قدرة لكل أصحاب المحطات على تحمّله، إذ عليهم أن يشتروا بالدولار ويبيعوا بالليرة. قرارات سلامة كمن يقول لأصحاب المحطات أن يُقفلوا». وعما إذا كان هذا تمهيداً لبدء بيع البنزين للمستهلكين بالدولار؟ «مُمكن»، يُجيب أبو شقرا، مُعتبراً أنّ الخطوة قد تكون «اضطرارية» كردٍّ على تقليص مصرف لبنان لنسبة الدولار التي يؤمّنها للاستيراد.
بين مصرف لبنان وكارتيل المحروقات يدفع السكان الفاتورة الأكبر. سلامة، وبحجّة افتقار «المركزي» إلى الدولارات، يُحمّل السكان تبعات أزمة هو أحد المتسبّبين بها. أما تحالف الشركات المستوردة ــــ الموزّعين ــــ أصحاب المحطات، وبحجة تآكل أرباحهم، فقد فرضوا على وزارة الطاقة تضمين جدول تركيب الأسعار بنوداً تعوّض عليهم فروق سعر الصرف.
القفزات في سعر الصرف ستزداد في المُقبل من الأيام، على ذمة عاملين في «سوق المال»، لتؤدّي حُكماً إلى ارتفاع أسعار كلّ السلع والخدمات، فالمحروقات تدخل في كل أكلاف الإنتاج. تحويلها إلى «ترفٍ» يتمكّن المقتدرون فقط من تأمينه، يعني إقفال مؤسّسات صغيرة ومتوسطة ــــ أو تراجع أعمالها ــــ بعد أن ترتفع كلفة الإنتاج. إضافة إلى ذلك، سيفقد عمّال وأجراء وظائفهم، ويُدفع بالفئات الهشّة أكثر فأكثر نحو مزيد من الفقر. المزيد من الانهيار في قيمة الليرة، وارتفاع الأسعار، يعنيان زيادة نسبة التضخم، وانكماشاً كبيراً في السوق، وكبحاً للنمو.
هي حلقة مميتة يدور فيها الاقتصاد، وستبقى تتوسّع في غياب خطة تعاف مالي ــــ اقتصادي تضعها الحكومة ويُقرّها مجلس النواب، تُعالج خسائر مصرف لبنان بالدولار الأميركي التي تفوق 60 مليار دولار.
يقول مصدر في لجنة المال والموازنة إنّ تعديل سعر الصرف للسحب من الودائع بالعملات الأجنبية، ورفعه من 3900 ليرة إلى 8000 ليرة، سيُمكّن مصرف لبنان من تحرير نسبة من الاحتياطي الإلزامي تُساعده في تلبية الدعم الجزئي لاستيراد بعض السلع وتوفير نفقات الدولة بالدولار.