رأي

قرارات مشبوهة تدفع ليبيا نحو لحظة التقسيم

كتب الحبيب الأسود في صحيفة العرب.

قرار الدبيبة لن يجد طريقه إلى التنفيذ إلا في نطاق ضيق بالمنطقة الغربية ليضاف إلى عشرات إن لم أقل مئات القرارات التي صدرت خلال السنوات الماضية وكان مآلها سلة المهملات.

رئيس المجلس الرئاسي محمد يونس المنفي ينقاد إلى خطة وضعها مستشاروه الدائرون في فلك رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة، ويقرر إحداث المفوضية الوطنية للاستفتاء والاستعلام الوطني، بهدف معاكسة مجلس النواب وضرب ما تبقى من خيوط التواصل بين طرابلس وبنغازي. ويخرج من يتحدث باسمه ليعلن أن الهدف هو سحب الثقة من مجلس النواب عبر استفتاء شعبي إلكتروني، وكأن هناك من وفر له ضمانات بأن يحل البرلمان نفسه في حال تصويت الشعب ضده. ويعود عقيلة صالح إلى مجلسه الخاص في مدينة القبة ليواصل جلسات السمر مع أعيان القبيلة.

الثابت والمؤكد أن سلطات المنطقة الشرقية تبحث بشق الأنفس عن هكذا خطأ يقع فيه المجلس الرئاسي ومن ورائه أصحاب القرار في طرابلس، لتستثمره في تشكيل صورة جديدة للمشهد، عبر العودة عن كل مشاريع توحيد المؤسسات، والدفع نحو استفتاء سكان الشرق والجنوب بخصوص النظام الفيدرالي وتوزيع الثروة، وهو ما يتجاوب مع المشهد الحالي في بنغازي حيث تتشكل ملامح دولة مستقلة بأرضها وحدودها وحكومتها وجيشها وبرلمانها وعلاقاتها الإقليمية والدولية وثرواتها. وقد يكون أفضل أداة لاحتوائها هو النظام الفيدرالي وفق دستور 1951، أما مسعى المجلس الرئاسي للاستفتاء حول مجلس النواب فهو يعني التعجيل بالانقسام.

قد يقول أصحاب النوايا السيئة إن محمد المنفي ومستشاره المتخصص زياد دغيم هما المتصدران واجهة الصراع مع الشرق الذي يتحدران منه (الأول من طبرق والثاني من بنغازي)، وكأنهما ييسّران المهمة لطيف الانفصاليين في برقة ويقدمان خدمة مجانية لكل من ينوي تقسيم البلاد أو العودة بها إلى ما قبل 1963. كان قد سبق لدغيم، وهو عضو للبرلمان، أن طالب بطرح العودة إلى دستور عام 1951 والنظر في إعادة النظام الاتحادي وفقا للأقاليم التاريخية الثلاثة، وأعلن بوضوح تام أنه يدعم النواب في تفعيل دستور الاستقلال والعودة إلى النظام الاتحادي، وإجراء انتخابات على أساسه، مبينا أن اختصاصات الملك تنتقل إلى الحكومة الاتحادية مجتمعة بموجب نص دستوري.

رئيس حكومة الوحدة الوطنية التي لا تبسط نفوذها إلا على حوالي 20 في المئة من الجغرافيا الليبية، يخرج على شعبه بعد ساعات على نجاح الانتخابات البلدية، ليعلن عن ضم بلديات بتحويلها إلى فروع لبلديات أخرى هي مصراتة ومسلاتة والزنتان ويفرن وغريان في غرب البلاد وسلوق وبنغازي في شرقها وسبها في الجنوب.

رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد اتهم الدبيبة بـ”محاولة زعزعة الاستقرار ونشر الفوضى في الإدارات التابعة لوزارة الحكم المحلي،” وأشار إلى ما وصفه بـ”الممارسات الخاطئة التي ترتكبها جهات منتحلة السلطة ومنتهية الولاية،” وذلك بإصدار ”قرارات معدومة الأثر،” بسبب ”خروجها عن مبدأ الشرعية والمشروعية،” بحسب قوله.

اعتبر حماد قرار الدبيبة “ترسيخا لمحاولات متكررة لنشر الفوضى الإدارية، وزعزعة الاستقرار،” ودعا جميع الجهات والمؤسسات العامة “إلى عدم تنفيذ أو تداول هذه القرارات لانعدامها قانونا،” داعيا المفوضية العليا للانتخابات إلى “استكمال انتخابات باقي المجالس البلدية الأخرى وفقا للهيكلية الإدارية والمحلية في تقسيم البلديات والفروع التابعة لها.”

مبدئيا لن يجد قرار الدبيبة طريقه إلى التنفيذ إلا في نطاق ضيق بالمنطقة الغربية، ولن يكون له صدى في شرق وجنوب البلاد، ليضاف بالتالي إلى عشرات إن لم أقل مئات القرارات التي صدرت خلال السنوات الماضية وكان مآلها سلة المهملات بسبب فقدان أصحابها أدوات تفعيلها على الأرض. وهذا يعني غياب الحكمة لدى رئيس الحكومة المنتهية ولايتها وفريقه الاستشاري، باعتبار أن القرار غير القابل للتنفيذ ينقص من هيبة الجهة التي تصدره ويجهدها سياسيا وإداريا ويطيح بدرجات جديدة من قدرها أمام شعبها.

ثانيا، إن قرار الدبيبة الذي جاء بعد ساعات على تنظيم الانتخابات التي شهد الجميع بنجاحها سواء من حيث التأمين والتنظيم أو من حيث نسبة الإقبال، يعدّ تشويشا متعمدا على ذلك الحدث، ويطرح الكثير من الأسئلة عن الأهداف السياسية الكامنة في تفاصيل لحظة الإصدار، فيما يبدو أن الهدف كان بالأساس ضم بلديتي تاورغاء وزمزم إلى بلدية مصراتة التي ما انفك يسعى إلى السيطرة عليها بكل الأدوات، وآخرها ترشيح محسوبين عليه لانتخابات مجلسها، وفوزهم بالأغلبية ولكن بصعوبة أكدت أن هناك معارضة جدية لمشروعه السياسي والاجتماعي ولرغبته المعلنة في البقاء على منصة الحكم إلى أجل غير مسمى.

كل من يتابع تفاصيل ما يدور في المشهد الليبي، يدرك منذ الوهلة الأولى أنه أمام نخبة مسيطرة بمنطق الهواية سياسيا مع احتراف التآمر في ممارسة الحكم والعمل على استدامة البقاء فيه والحفاظ على امتيازات السلطة. نحن أمام معركة بين رأسين يتصارعان على رئاسة مجلس الدولة رغم أنهما منتخبان منذ العام 2012 عندما ترشحا آنذاك لعضوية المؤتمر الوطني العام، وحافظا على تلك العضوية في سياق إعادة تدوير تيار الإسلام السياسي من خلال اتفاق الصخيرات المبرم في ديسمبر 2015. نحن أمام مجلس النواب الذي تم انتخابه منذ العام 2014 ولا يزال يواصل نشاطه من دون أي حرج رغم أنه كان من المفروض تنظيم انتخابات جديدة منذ خمس سنوات. المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة جاءا إلى السلطة وفق اتفاق سياسي أُبرم في نوفمبر 2020، وأعطاهما فترة ثمانية أشهر من مارس إلى ديسمبر 2021 لتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية تحت إشراف الأمم المتحدة، وفي أقصى الحالات فإن شرعيتهما تنتهي بعد 18 شهرا من انتخابهما من قبل ملتقى الحوار السياسي. كل ما هو مؤقت تحول إلى دائم، وكل ما هو طارئ انتقل إلى سائد ومستمر، وعموم ليبيا باتت في يد جماعة تتصرف فيها على أنها إرث عائلي.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى