رأي

قراءة سياسيّة لنتائج الانتخابات : هناك رابح وخاسر لكن الأغلبيّة مفقودة

كتب محمد بلوط في “الديار”:

لم تسفر الانتخابات النيابية عن نتائج رقمية تحدد الاغلبية تحت قبة البرلمان الجديد، لكن المؤكد ان هناك عددا لا بأس به من قوى جديدة خارج الاحزاب التقليدية دخلوا الى الندوة النيابية على اثر انتفاضة 17 تشرين وما احدثته من ارتدادات وتداعيات، بغض النظر عن تنوعهم واختلاف ميولهم.

وفي ضوء ما جرى يمكن القول ان كل فريق من القوى المتنافسة يحتاج الى وقت لا بأس به لمراجعة هذه النتائج وتقويم ابعادها والاسباب التي ادت اليها وقراءة المرحلة المقبلة في ضوئها.

وفي القراءة الاولى يمكن القول ان فريق الثنائي امل وحزب الله مع التيار الوطني الحر وباقي الحلفاء تراجع عن الاغلبية الواضحة التي يتمتع بها في المجلس المنصرف (71 نائبا) الى ما بين 59 و61 نائبا، مع امكان زيادة هذا الرقم الى ما فوق الاغلبية المطلقة اي فوق الـ 64 نائبا اذا ما نسج او استقطب نوابا مستقلين او لم يشاركوا في التحالف معه في الانتخابات.

وفي المقابل لم تتمكن القوى المنافسة من الفوز بالاكثرية النيابية بسبب التباين بين صفوفها اكان خلال المعركة الانتخابية ام على صعيد الكتل والاصطفافات السياسية تحت قبة البرلمان الجديد. فتحالف القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي وبعض المرشحين الذين خاضوا الانتخابات تحت عنوان السيادة من السنّة والمسيحيين لم يتمكنوا من الفوز باكثر من 45 نائبا، بينما توزع الباقون الذين يبلغ عددهم الـ 15 نائبا على قوى التغيير بالوانهم المختلفة. فعلى سبيل المثال لا الحصر فان هناك تمايزا واضحا بين نواب صيدا اسامة سعد وعبد الرحمن البزري والفائز الماروني المتحالف معهم وبين الفائزين من التغييريين في الشوف – عاليه في كثير من التوجهات والمواقف.

كذلك فان هناك تمايزا واضحا بين التحالف الثلاثي جعجع – جنبلاط – السنيورة حول التعاطي مع المرحلة المقبلة او مرحلة ما بعد الانتخابات، كما ان هذا التمايز يبرز ايضا مع كتلة الكتائب التي خاض مرشحوها المعركة بشعارات اقرب الى قوى التغيير.

هذه الوقائع والحقائق تؤكد ان البرلمان الجديد سيكون مشكلا من قوى وتوازنات سياسية غير محسومة تجاه كل القضايا والملفات السياسية والاقتصادية والمالية، وبالتالي لن يخضع للتوازنات التي كانت قائمة في المجلس النيابي الحالي المنصرف.

ووفقا للنتائج التي اسفرت عنها الانتخابات يمكن التأكيد ان هناك تغيرات حصلت على صعيد تراجع او تقدم بعض الاحزاب والتيارات. ولعل الابرز هو تقدم «القوات اللبنانية» على التيار الوطني الحر مسيحيا، وفوزها بما لا يقل عن خمسة مقاعد اضافية وتشكيلها الكتلة المسيحية الكبرى التي تبلغ حوالى العشرين نائبا.

كذلك اسفرت الانتخابات عن فوز كتلة وازنة للقوى التغييرية بمختلف الوانها تتراوح بين 10 و12 نائبا، لكن من غير المؤكد ان تتحد فيما بينها نظر للخلافات والتباينات فيما بين اعضائها. غير ان هذا التباين لا يحول دون ان يؤدي هؤلاء النواب دورا فاعلا ومؤثرا في المجلس النيابي الجديد تشريعا ورقابة.

والحقيقة الثالثة ايضا هو تراجع عدد نواب تكتل «لبنان القوي» الذي يقوده التيار الوطني الحر الى عشرين نائبا بمن فيهم نواب الطاشناك. ولعل الضربة الموجعة التي تلقاها كانت في جزين التي تعتبر معقلا له حيث خسرت لائحته ولم يفز منها احد من نواب او مرشحي التيار. وفقد ايضا نوابا في المتن وبعبدا والكورة، لكنه حقق بعض التعويض بفوز مرشحيه في بعلبك – الهرمل والبقاع الغربي واضافة ناب جديد له في عكار.

اما الحقيقة الرابعة فهي سقوط رموز من مرشحي محور الممانعة كالامير طلال ارسلان والنائب اسعد حردان ورئيس تيار التوحيد الوزير السابق وئام وهاب.

والحقيقة الخامسة البارزة هي فوز الثنائي امل وحزب الله بكامل المقاعد الشيعية كما كان متوقعا، وزيادة عدد نوابه في بعلبك – الهرمل نائبا سنيا اضافيا، مع خرق لائحته في الجنوب الثالثة بخسارة النائب حردان.

ويقول احد نواب الثنائي ان النتائج برهنت قوة وصلابة وثبات الثنائي رغم الحملة الكبيرة التي تعرض لها من جهات داخلية وخارجية، والتدخلات السافرة التي حصلت من سفراء ودول سعيا الى دعم خصومه بكل الوسائل الممكنة.

ماذا بعد الانتخابات؟

تقول اوساط سياسية مراقبة ان ما جرى من شأنه ان يطرح علامات استفهام حول مسار المرحلة المقبلة، وانه من السابق لاوانه التأكيد ما اذا كنا نسير نحو تسوية او حلول بعوامل داخلية او خارجية ام ان البلاد تتجه الى مزيد من التأزم.

ولا شك ان الاستحقاق الاول للمجلس الجديد هو انتخاب رئيسه، حيث ان اعادة انتخاب الرئيس نبيه بري امر محسوم وحتمي ليس لانه لا يوجد مرشح شيعي منافس انما لانه يضمن الفوز باغلبية صريحة رغم المعارضة من قبل قوى سياسية تقليدية او بعض التغييريين.

لذلك فان جلسة انتخاب رئيس المجلس ستكون جلسة محسوبة سلفاً، من دون «منغّصات» مهما قيل من مواقف وتصريحات على لسان بعض المنتشين بالفوز وابرزها ما صدر عن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ومحاولته وضع املاءات «دونكيشوتية» لا تستأهل التوقف عندها ما دام انتخاب رئيس المجلس محكوما بالاصول الدستورية واللعبة الديموقراطية تحت قبة البرلمان.

اما الامتحان الثاني فهو تشكيل الحكومة الجديدة، وهنا تقول الاوساط، انه من غير المستبعد ان يجري مدّ وجزر في هذه العملية في ضوء النتائج التي اسفرت عنها الانتخابات النيابية.

وبعد انسحاب الرئيس الحريري من المسرح السياسي المباشر حتى اشعار آخر، يبدو ان رئاسة الحكومة مرجحة لأن تذهب مرة اخرى الى الرئيس نجيب ميقاتي رغم معارضة بعض القوى السياسية مثل القوات اللبنانية وحزب الكتائب والتغيريين.

وما يعزز الاعتقاد بترجيح كفة ميقاتي هو المناخ الداخلي والخارجي الذي يعزز موقعه وحضوره، خصوصاً بعد فشل الرئيس فؤاد السنيورة الذريع في قيادة كتلة سنيّة قوية بديلة عن كتلة المستقبل بالتحالف مع «القوات اللبناينة»، حيث لم يتمكن من ايصال سوى بضعة نواب سنّة بالتعاون مع حليفه اللواء اشرف ريفي في طرابلس، اما النواب السنّة الباقون الذين فازوا بالانتخابات فهم مشكلون من نواب سابقين للمستقبل مناوئين للقوات او من قوى حزبية اخرى كالأحباش والجماعة الاسلامية التي تفضل التمايز عن الاصطفاف تحت لواء الدكتور جعجع.

وفي كل الاحوال فان اكثر ما فعله السنيورة في هذه الانتخابات هو تقديمه «وقوداً سنياً» للقوات اللبنانية في رفع حاصلها الانتخابي في زحلة، واهداؤها كمية كبيرة من الاصوات في دائرة صيدا ـ جزين ما جعلها تفوز بمقعدين مسيحيين ولم يفز مرشحه السنّي يوسف النقيب. كما انه سجل اقل نتيجة من نتائج اللوائح الاساسية في بيروت الثانية بخرق واحد، ولم يتمكن مرشحاه السنّيان في عكار خالد الضاهر وطلال المرعبي من الفوز بل شكلا ايضا جسر عبور لفوز المرشح «القواتي».

من هنا يبدو ان الرئيس ميقاتي هو المرشح الاوفر حظا لرئاسة الحكومة الجديدة حيث لا تستبعد اعادة تسميته بدعم الثنائي امل وحزب الله والتيار وباقي الحلفاء وبتأييد من زعيم الحزب التقدمي ااشتراكي وليد جنبلاط.

لكن التكليف لا يعني ان الطريق ستكون معبّدة للرئيس ميقاتي لتشكيل حكومة سريعة الا اذا حظي بجرعة دعم قوية من الخارج وتحديدا من فرنسا والسعودية التي تستطيع ان «تمون» على حلفائها في مثل هذه الحال من أجل عدم عرقلة تشكيل الحكومة، لكيلا تستمر مرحلة تصريف الاعمال الى انتخابات رئاسة الجمهورية في الخريف المقبل.

وحسب الاوساط السياسية المراقبة فان حسم مسار المرحلة المقبلة مرهون بارادة داخلية وخارجية، فاذا كانت الاجواء الدولية والاقليمية تميل الى سلوك مسار الحلول للازمة القائمة وعدم تفاقمها انتظمت الامور باتجاه تشكيل حكومة فاعلة تنصرف الى معالجة ووقف الانهيار، واستمرار تحمل المسؤولية اذا ما تعقدت اجواء وظروف انتخاب الرئيس الجديد. 

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى