قدرات بايدن الذهنية مسألة انتخابية وعلى الديمقراطيين استبداله حالا
الرئيس الأميركي واجه عاصفة من الانتقادات بسبب ظهوره ضائعاً وفاقد التركيز في مناسبات دولية
كتبت ماري ديجيفسكي, في “اندبندنت عربية”:
تتزايد المخاوف في شأن قدرات بايدن العقلية، إذ أثار ظهوره العلني خلال الآونة الأخيرة الجدل حول قدرته على الترشح لولاية ثانية بسبب وضعه الصحي والعقلي، ومع هذا يواجه الحزب الديمقراطي دعوات متزايدة لاستبدال بايدن بمرشح أكثر قدرة على الاستمرار في انتخابات 2024
خلال الأسبوع الماضي تحولت المناقشات الدائرة حول الانتخابات الرئاسية الأميركية بشكل دراماتيكي، من تركيزها على مسألة حظوظ جو بايدن في الفوز خلال الانتخابات لفترة رئاسية ثانية، إلى الحديث عن قدرته على خوض مثل تلك المنافسة بالمطلق.
إن مسألة عمر بايدن ظلت كامنة في الخلفية منذ أعلن، وهو الذي سيبلغ من العمر 82 سنة بعد أسبوعين من انتخابات الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، سعيه إلى إعادة انتخابه، لكنها عادت لتتصدر المشهد بفضل مقاطع الفيديو التي تظهره ساكناً بشكل مريب، ويتصرف بغرابة أو بشكل “منقطع عن الواقع” على ما يبدو في عدد من المناسبات العامة، ومنذ ذلك الحين اتهم البيت الأبيض بغضب “منتقدي بايدن اليمينيين” بإنتاج “مواد مزيفة رخيصة” من خلال التحرير الانتقائي.
إحدى التسجيلات من قمة “مجموعة السبع” في إيطاليا والتي جرت الأسبوع الماضي، وأظهرت الرئيس بايدن على ما يبدو سائراً في اتجاه آخر، قيل إن جرى تعديلها بطريقة كي لا تظهر أن الرئيس الأميركي كان عملياً متجهاً نحو الانضمام إلى مجموعة من الأشخاص، وفي مقطع آخر يعود لاحتفالات البيت الأبيض بمناسبة “جونتينث” Juneteenth، [الذكرى التي تعود لعام 1865 في ولاية تكساس للاحتفال بيوم إبلاغ الأميركيين السود بتحريرهم]، أما مقطع آخر فيبدو فيه الرئيس بايدن وهو يحدق في الفراغ فيما يرقص الحاضرون، وجرى تفسيره كون بعض الناس لا يحبون الرقص.
ومن المؤكد أن دونالد ترمب قد لاحظ ذلك وهو الآن منشغل بجني الثمار السياسية على حساب متاعب منافسه في السباق إلى البيت الأبيض، ففي نهاية الأسبوع الماضي وخلال تجمع حاشد في ديترويت، شكك في قدرة الرئيس العقلية وتحداه أن يأخذ الاختبار الإدراكي نفسه الذي قال ترمب إنه “تفوق فيه”.
في الحقيقة أن انطباعاتي الخاصة متضاربة، فمن ناحية بعض الصور أصلية وتعطي بالتأكيد انطباعاً بوجود رجل مسن لا يواكب تماماً ما يجري حوله، ولكن أليس هناك شعور بأن بايدن لطالما كان كذلك؟ فأنا أتذكر قمته مع الرئيس الروسي بوتين في جنيف خلال الأشهر الأولى من رئاسته، ولم يكن هناك مؤتمر صحافي مشترك، فقدم بوتين أداء سلساً خلال المؤتمر الصحافي، بينما كانت رواية بايدن متعثرة ومكتوبة وغير متماسكة تقريباً.
من ناحية أخرى هناك أوقات يبدو فيها بايدن واعياً تماماً ويتواصل اجتماعياً بمرح ويتفاعل مع الحوار بشكل سريع وملائم، وكان خطابه الأخير عن حال الاتحاد في شهر مارس (آذار) الماضي بمثابة استعراض قوة، فقد تحدث خلاله بكل وضوح وحيوية.
لكن الأزمة هي أن الحالات التي يبدو فيها الرئيس فاقداً للتركيز تتكرر أكثر، وسواء كان هذا يعكس الواقع أو هي حيل دعائية يستخدمها خصومه، فإن هذا ما يراه الناخبون الأميركيون، وهو ما قد يؤثر بشكل متزايد في أصواتهم، ولهذا السبب كان هناك حديث عن خطة، أو وبشكل أقل، إطراء مؤامرة من جانب بعض كبار الديمقراطيين لاستبدال بايدن كمرشح رئاسي للحزب، حتى في هذه المرحلة المتأخرة نسبياً.
ومن بين أولئك الذين يُفترض انضمامهم إلى مثل هذه التحضيرات، وردت أسماء باراك أوباما و/أو بيل و/أو هيلاري كلينتون، والسيناتور نانسي بيلوسي وتشاك شومر.
الحل الأبسط هو أن يفهم بايدن التلميح، أو يستسلم لإجراء أقل لطفاً ويوافق على التنازل عن الترشيح، وبعد ذلك قد يكون هناك منافسة سريعة لخلافته، سواء قبل أو أثناء مؤتمر الحزب الذي سيعقد في شيكاغو خلال النصف الثاني من أغسطس (آب) المقبل.
لكن هذا بدوره يثير أسئلة عدة حول من يحتمل أن يحل مكانه؟ ويُنظر إلى نائبته كامالا هاريس على أنها شخصية لا تجذب الأصوات والناخبين، بعد أن أثبتت أنها لم تكن مثيرة للإعجاب بشكل عام في منصبها، كما امتنع آخرون ممن ربما كانوا مرشحين للرئاسة عن تنظيم حملة هذا العام، لعلمهم أنه ستكون هناك منافسة مفتوحة [عدم وجود رئيس ديموقراطي في منصبه مؤهل لخوض الانتخابات] في غضون أربعة أعوام.
وقد يكون الأمر عبارة عن عملية حسابية دقيقة حول ما إذا كان المرشح الجديد الذي رُشح على عجل يمتلك فرصة أفضل للفوز من بايدن، على افتراض عدم وجود تدهور واضح في قدرته خلال الأسابيع المقبلة. ميزة بايدن الخاصة هي أنه تغلب على دونالد ترمب في المرة الأخيرة، فهل سيحظى المرشح الأصغر سناً والأكثر نشاطاً ولكن الأقل اختباراً بفرصة أفضل؟ إنها مجازفة.
إن إجبار بايدن المتردد على التنازل عن الترشيح سيكون أكثر فوضوية، وقد يجد خصومه الديمقراطيون أنفسهم مضطرين إلى إثبات قدراته المتضائلة من خلال المطالبة بتقارير طبية وما شابه ذلك، وقد يُطرح السؤال بعد ذلك حول قدرة بايدن على الاستمرار كرئيس حتى خلال الأشهر السبعة الباقية من ولايته.
هناك إجراء دستوري للقيام بذلك، وهو التعديل الـ 25 الذي يعود تاريخه لعام 1967، والذي يتطلب وجود نصاب قانوني من كبار الشخصيات في الحكم لإثبات عدم قدرة الرئيس، لأي سبب كان، على ممارسة مسؤوليات منصبه، ثم التصويت في الكونغرس، وتلك السلطات لم يُلجأ إليها قط على رغم وجود مناقشات عابرة خلال الولاية الثانية لرونالد ريغان، عندما لاحظ بعضهم العلامات الأولى لمرض ألزهايمر.
ولكن نظراً إلى الوقت القليل نسبياً الباقي من رئاسة بايدن، فمن المرجح أن الشخصيات المؤثرة في الحزب الديمقراطي تفضل الدفع في اتجاه توفير مرشح جديد بدلاً من محاولة الإطاحة برئيس حالي، ومع ذلك فإن السيناريو برمته يأخذ مظهراً فوضوياً ومقيتاً من النوع الذي لا يريده أي حزب سياسي خلال الفترة التي تسبق الانتخابات، وهذا لا يعني عدم وجود مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ وحكام ولايات ديمقراطيين يجسون نبض آفاق حملات تبرعاتهم، ويلمعون سيرهم الذاتية ليكونوا جاهزين في حال كان هناك سباق حزبي على الترشح في آخر لحظة.
ومن بين هؤلاء يمكن أن يكون هناك كثير من المرشحين للانتخابات التمهيدية لعام 2020، بما في ذلك بيت بوتيجيج، العمدة السابق لمدينة ساوث بيند بولاية إنديانا البالغ من العمر 42 سنة، والذي انتقل إلى واشنطن كوزير للنقل في إدارة بايدن، وبعد أن تقدم بمحاولة للحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي عام 2020 عندما أصبح أول مرشح مثلي الجنس بشكل علني يفوز بانتخابات تمهيدية أو تصويت حزبي، فقد يكون في وضع مواتٍ لمحاولة جديدة.
وإذا كان عمر بايدن السبب في إنهاء مسيرته فإن تكرار ترشيح هيلاري كلينتون ( 76 سنة) يبدو غير مرجح، ومع ذلك فقد يُطرح أمثال إيمي كلوبوتشار (64 سنة) عضو مجلس الشيوخ عن ولاية مينيسوتا، واسم أكثر شهرة وهو إليزابيث وارين (74 سنة) عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ماساتشوستس، من دفعة المرشحين التمهيديين لعام 2020 لتولي قيادة المنافسة.
ومن المرشحين المحتملين الجدد حاكم ولاية كاليفورنيا جافين نيوسوم (56 سنة) الذي فرض نفسه على الخريطة بعد حكم المحكمة العليا الذي أنهى الحق الدستوري في الإجهاض، من خلال تمويله حملة إعلانات في ولايات تقيد إجراء عمليات الإجهاض، وتقول إن عملية الإجهاض لا تزال قانونية في كاليفورنيا.
وبطريقة ما فالأمر اللافت للنظر هو كيف تمكنت قضية العمر من البقاء خارج النقاش نسبياً حتى الآن؟ ففي نهاية المطاف إذا أعيد انتخابه فمن الممكن أن يظل بايدن رئيساً عندما يبلغ من العمر 86 سنة، ولكن الأمر كان يغلي بهدوء لأشهر عدة، وأثناء زيارتي للولايات المتحدة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي جرى تحذيري من افتراض أن أياً من المرشحين الرئيسين المتوقعين سيكون بالضرورة على ورقة الاقتراع بحلول الخامس من نوفمبر 2024، ويشكل العمر والعجز العائقين المحتملين أمام بايدن، أما بالنسبة إلى ترمب فمشكلاته القانونية.
وبعد مرور ستة أشهر لا تزال هذه الشكوك قائمة وإن كانت أقل قليلاً في حال ترمب وأكثر في حال بايدن، لكن خلال الأسبوع المقبل من المحتمل أن تكون بعض من تلك الغيوم قد انقشعت، فالجمعة المقبل، 28 يونيو (حزيران) الجاري، سيكون الأميركيون بصدد التفكر في أول مناظرة تلفزيونية بين المرشحين والتي ستعقد في الليلة السابقة، وهذا يعتبر موعداً باكراً بالنسبة إلى أية مناظرة رئاسية، فمن العادة عموماً أن تُجرى فقط بعد المصادقة على عمليات الترشيح في المؤتمرات الحزبية، ويُعتقد أن التوقيت يعكس أولاً حقيقة أن المرشحَين حصلا على ترشيحاتهما في وقت باكر جداً من موسم الانتخابات التمهيدية، ولكنه يعكس أيضاً، كما ورد، اهتمام معسكر بايدن بتهدئة الشكوك حول مدى لياقة مرشحهم لمدة أربعة أعوام أخرى في السلطة، والنتيجة بطبيعة الحال يمكن أن تكون عكس ذلك تماماً.
وبالتالي يعول على كثير من الأمور من هذه المناظرة الرئاسية الأولى، وكثير من الفضول حول أية نسخة من بايدن سيشاهدها الأميركيون، الملاكم السياسي المخضرم من خطاب حال الاتحاد، أو الشخصية المستوحدة والضائعة في الحشد؟ فالفصل التالي من سيرة جو بايدن الذاتية قد يتحدد هنا.