صدى المجتمع

قداس في الفاتيكان لمرور 25 سنة على زيارة يوحنا بولس الثاني الى لبنان

 ترأس المعتمد البطريركي الماروني لدى الكرسي الرسولي المطران يوحنا رفيق الورشا قداسا الهيا، لمناسبة مرور 25 سنة على زيارة البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان، في بازيليك القديس بطرس قرب ضريح القديس يوحنا بولس الثاني.

حضر القداس سفير لبنان لدى الكرسي الرسولي فريد الياس الخازن،  سفيرة لبنان في روما ميرا ضاهر والقنصل توفيق متى، والقنصل اللبناني  لدى الكرسي الرسولي ريتا قمر. كما حضر القاضي في محكمة الروتا الروحية (سلطة الاستئناف الخاصة بمحكمة الفاتيكان الكنسية) انطونيوس شويفاتي, الارشمندريت شحادة عبود للروم الكاثوليك, كاهن رعية مار مارون في روما الاب جوزيف صفير، المطران فرانسوا عيد والاب ماجد مارون وكيل الرهبانية الأنطونية لدى الكرسي الرسولي والاب شربل حداد وكيل الرهبانية المريمية وكيل الرهبانية المرسلين والاب جورج بريدي من رهبانية  المرسلين  .
 

شارك في القداس الرهبانية اللبنانية المارونية (الكسليك)، الرهبنة المخلصية، الرهبنة المريمية، الرهبنة الانطونية ولفيف من الكهنة والرهبان والراهبات من المقيمين في روما، وحشد من الجالية اللبنانية.

 
وقال المطران الورشا في عظة حملت عنوان “أين إيمانُكم” (لو 8: 25): “على مثال بطرس الذي قال للربّ يسوع على جبل التجلّي: «يَا رَبُّ، جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ ههُنَا! فَإِنْ شِئْتَ نَصْنَعْ هُنَا ثَلاَثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةٌ، وَلِمُوسَى وَاحِدَةٌ، وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةٌ”، نحن نقول اليوم ليسوع بثيابه القيامية البيضاء: حسنٌ لنا أن نكون مع البابا القديس يوحنا بولس الثاني ونصنع معه مظالّ لنا جميعًا لنعيش في معيّته هو الربّ القائم من الموت، الألف والياء، نبع الحياة والرجاء والسلام راجين أن ينتشلنا من هوّة اليأس والخطيئة والموت. ما اجمل أن نحتفل بالذبيحة الإلهية من قرب ضريح القديس يوحنا بولس الثاني الذي تجلّى على محيّاه في كلّ ايام حياته نور المسيح! فيا لهذا الوجه من إشعاع وصفاء ورجاء.

في زمن القيامة المجيدة، وفي الأسبوع الرابع من هذا الزمن، تضعنا الكنيسة أمام سلسلة أناجيل تسلّط الأضواء على شخص يسوع القائم، المنتصر على الموت، معطي السلام الحقيقي للتلاميذ الخائفين، ومرافق تلميذَي عمّاوس العائشَين خيبة أمل مرّة، ومعطي ثمر الصيد العجيب للتلاميذ بعد أن أمضوا ليلًا طويلًا من دون جدوى”.

أضاف: “اليوم، في بازيليك القديس بطرس العظيمة، وعلى قبر خليفته القديس البابا يوحنا بولس الثاني، نتأمّل ما حصل منذ  ألفي سنة، في قلب سفينة كادت تغرق إثر رياح قوية تعصف بها، وهي ترمز إلى الكنيسة. خاف التلاميذ فلجأوا إلى المعلّم يسوع الغائب-الحاضر، راجين منه ان يتدخّل لينقذهم من الغرق فالموت؛ استنجدوا به هو المعلّم الإلهي بخوف وقلق كبيرَين، إذ ليس إلّاه في وقت الشدّة والخطر. ويسوع ابن الله، القادر على كلّ شيء، كشف عن ذاته أنّه سيّد الطبيعة إذ أمر الريح فهدأت وسكنت. هو أقوى من الشّر. هو أقوى من الموت. هو القيامة والحياة. وبعد هذا العمل العظيم وبّخهم على قلّة إيمانهم: “يا قليلي الإيمان”. لقد امتحن الربّ يسوع إيمانهم، فكشفه ضعيفًا وهو يشبه إيمان الكثير منا نحن المؤمنين والمؤمنات اليوم، بحيث نمعن التفكير في مصيبتنا وحالتنا اليائسة وننسى أن يسوع هو الملاذ الوحيد والرجاء الذي لا يخيِّب. تعالَوا نطلب من يسوع كما طلب منه التلاميذ: “زدنا إيمانًا”، وبخاصة في هذه المرحلة الدقيقة والمصيرية التي يمرّ بها بلدنا لبنان والشرق الأوسط.

 
كم هو قريب هذا المشهد ممّا يعيشه وطنُنا المعذّب لبنان اليوم. في عين العاصفة التي تتخبّط فيها سفينة لبنان، يصرخ شعبٌ قلق منهك مُرهق خائف. يوقظ الربّ يسوع من نومه ليخلّصه؛ ليأمر الشرّ الذي يحيطُ به من كلّ حدب وصوب راجيًا أن يسحق رأسه ويُعيدَ لبنان الجريح إلى عافيته. أما حان الوقت لأن ينهض لبنان من كبوته؟  ألم تنتهِ بعد مسيرة الجلجلة ومراحل درب الصليب؟ اما حلّ وقت القيامة في لبنان؟”.

 
ولفت الورشا الى أن “السفينة في البحر، والماء يملأها فتكاد تغرق. السفينة ترمز إلى لبنان وهي تكاد تغرق من الماء الذي يملأها. الماء بالنسبة إلى لبنان هو  الشرّ بأشكاله المختلفة، وهو ينخر فيه، أرضًا وشعبًا ومؤسسات على اختلاف أنواعها”.
 

وقال: “منذ خمسٍ وعشرين سنة، كانت الزيارة التاريخية للبابا القديس يوحنا بولس الثاني إلى بلدنا الحبيب، حيث وقّع الإرشاد الرسولي: “رجاء جديد للبنان”، فأرسى أسسًا واضحة لهذا الوطن الذي أحبّه وحمله في قلبه وتفكيره وصلاته. رسم من خلال هذه الوثيقة دستور حياة للبنان في كلّ أطيافه ومكوّناته. فقال فيه: لبنان أكثر من بلد! إنه رسالة… لبنان أرض العيش المشترك، التعايش، التوازن، دون إقصاء لأحد؛ معًا يعيش شعبه تحت سقف السماء: أبناؤه وبناته متساوون في الحقوق، شبّانه يشاركون مشاركة فعّالة في حياة الوطن في كلّ أبعادها الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية…”.


وتوجه الى القديس البابا يوحنا بولس الثاني بالقول: “من أمام قبرك أيها الرجل العظيم، نُطلق صرخة شعب لبنان الذي اشتاق إليك تزوره قديسًا وتشفع به لدى الرب يسوع ليخلّصه من الغرق والرياح التي تعاكس سفينته.
أنت الذي ناضلت وما كلّيت يومًا من أجل الإنسان والسلام، من أجل الكرامة والحقوق، وشملت أوطانًا عدّة خلال حبريّتك لتعمل للسلام والعدالة أنّى حللت. ما تغافلت عن ظلم إلّا ودحضته مناديًا بالعدالة والإنصاف. ما رأيت كرامة مجروحة أو منتهكة إلّا وعملت لحمايتها وتعزيزها مدركًا أنّها مفتداة بدم يسوع على الصليب. ما تغاضيت عن حقوق مغتصبة أو تجاهلت شابًا يائسًا أو إنسانًا مستضعفًا مستغلًّا مهزومًا. كلّ هذه المبادئ ناديت بها وعملت من أجل تحقيقها في كلّ العالم. كما وذكرتها في الإرشاد الرسولي: رجاء جديد للبنان.

إنّ الشباب والشابات الذين التقيتهم في باحة بازيليك سيدة لبنان وعوّلت على مستقبلهم ومدى غناهم في المشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية… وقلت لهم: ما أجمل هذه الأفق! هم محبطون، يجدون ذواتهم أمام حائط مسدود وهم حاليًّا يبحثون عن مستقبلهم وعيشهم بكرامة خارج البلاد، منهم من غادر ومنهم على أبواب السفارات يحاولون الهروب من هذا الواقع الأليم”.

وتابع: “إنّ العائلة التي أعطيتها قسطًا كبيرًا من اهتماماتك في أثناء حبريتك تعاني في لبنان من عدم القدرة على تحصيل لقمة العيش، وتوفير ما يؤمّن لها استمراريتها وأمانها وهناءها: بطالة، ازمة مالية، انهيار اقتصادي، غلاء معيشي مخيف…
إن المرضى الذين أسست لهم اليوم العالمي للمريض في الحادي عشر من شهر شباط من كلّ سنة هم محرومون من الدواء والطبابة وليس بإمكانهم أن يخضعوا لعلاج أو عملية جراحية بسبب الأثمان الباهظة المترتّبة عليهم.
إن لبنان الذي زرتَه في العاشر والحادي عشر من شهر ايار 1997 وحلمت به وطنًا متألّقًا يعيش أبناؤه وبناته في جوّ من الخير العام والسلام والأمان، هو يرزح اليوم تحت الصليب، ويكاد يغرق. أيقظ معنا الربّ يسوع ليأمر عاصفة الشر والانهيار التي تعاكسه ان تسكن وتهدأ فيستعيد الوطن عافيته…

أيها القديس يوحنا بولس الثاني نائب المسيح، كم علّمت عن المصالحة والسلام والغفران وكنت مدرسةَ فيها بحيث غفرت لمن حاول قتلك في باحة هذه البازيليك، تشفّع لنا ولشعبنا ليتعالى على الانقاسمات ويتخطّى جروحات التاريخ التي لا تولّد إلّا الخصومات والصراعات. إجعل من المرحلة الجديدة المشرفة علينا بنوّاب جدد، مرحلة خير واستقرار.

وختم العظة بالصلاة الآتية: “يا مريم العذراء، في شهر ايار المبارك المكرّس لتكريمكِ وقد ظلّلت حبرية البابا القديس إذ قال لك: كلي لكِ، نسألكِ ان ترمقي بنظركِ الوالدي جميع بنيكِ في لبنان والشرق وتباركيهم، آمين”.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى