قبرص التركية تخالف إردوغان: دعاة «الحلّ الاتحادي» يتصدّرون

كتب محمد نورالدين, في الأخبار:
حقّق رئيس «الحزب الجمهوري التركي» (CTP)، طوفان إرهورمان، فوزاً ساحقاً في الانتخابات الرئاسية في «جمهورية شمالي قبرص التركية»، متغلّباً على الرئيس الحالي إرسين تتار، المدعوم من حزبَي «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية» التركيَّين. وأثار فوز إرهورمان بواقع 62.7% مقابل 35.81، في انتخابات الأحد الماضي، انزعاج أنقرة، نظراً إلى تباين موقفه من حلّ الأزمة في قبرص، مع موقف الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان؛ إذ يدعو الأول إلى حلٍّ اتحادي في الجزيرة، بينما كان تتار من المدافعين بشدّة عن حلّ الدولتَين المستقلّتَين بالكامل.
وسعياً منه إلى تهدئة المخاوف التركية، قال إرهورمان، في أول تصريح له بعد إعلان النتائج، إن «السياسة الخارجية ستُدار، بطبيعة الحال، بالتشاور الوثيق مع تركيا؛ وهذا أمرٌ لا شكّ فيه»، لافتاً إلى «وجود قدْر كبير من الدعاية السوداء». ولم يتأخّر إردوغان في تهنئة الرئيس المنتخب، آملاً في أن «تكون هذه الانتخابات، التي تعكس إرادة إخواننا القبارصة الأتراك في صناديق الاقتراع، مفيدةً لبلداننا ومنطقتنا»، في حين قال نائب الرئيس، جودت يلماز: «أثبتت الانتخابات مجدّداً نضج جمهورية شمالي قبرص التركية كدولة وناخب»، علماً أن تركيا هي البلد الوحيد الذي يعترف بجمهورية قبرص التركية.
وكان «العدالة والتنمية» أرسل بعض كبار سياسييه إلى الجزيرة خلال الحملة الانتخابية، لدعم تتار، ومن بينهم وزير الداخلية السابق سليمان صويلو، ووزير الدفاع السابق خلوصي أكار، ورئيس «حزب الوحدة الكبرى» مصطفى ديستيجي، ورئيس «حزب النصر» أوميت أوزداغ، ولاعب كرة القدم السابق مسعود أوزيل.
في المقابل، تخطّى زعيم «الحركة القومية»، دولت باهتشلي، الأصول والأعراف، مخالفاً شريكه إردوغان، إذ اعترض على نتائج الانتخابات، ولم يعترف بها، بحجة أن المشاركة فيها، والتي بلغت 65% من مجموع الناخبين وعددهم 218 ألفاً، جاءت ضعيفة. وقال: «حتى لو أَعلنت لجنة الانتخابات النتائج، يجب على برلمان جمهورية شمالي قبرص التركية الانعقاد بشكل عاجل، وإعلان رفض نتائج الانتخابات والعودة إلى الاتحاد، وقرار الانضمام إلى جمهورية تركيا واعتبار قبرص التركية الولاية الـ82 في تركيا». وسارع إرهورمان إلى الردّ على باهتشلي، معتبراً اقتراحه ضمّ قبرص التركية «مخالفاً تماماً لإرادة الشعب القبرصي التركي، وللقوانين الدولية، ولا يمكن قبوله».
على الضفة المعارضة، اعتبر «حزب الشعب الجمهوري»، فوز إرهورمان، انتصاراً له، ذلك أنه يمثّل «الطبعة» القبرصية التركية من الحزب التركي، ووجّه زعيمه، أوزغور أوزيل، رسالة تهنئة إلى الرئيس المنتخب، جاء فيها: «أهنئ من أعماق قلبي صديقي العزيز، السيد طوفان إرهورمان، زعيم حزبنا الشقيق، حزب الشعب الجمهوري. لقد ردّ بفوزه على العقلية التي تتدخّل في ديموقراطية الشعب القبرصي التركي في جمهورية شمالي قبرص التركية وإرادته الوطنية».
وحول مزاعم التدخّل في الانتخابات القبرصية التركية، قال أوزيل: «نأمل في أن يكون أولئك في أنقرة الذين يتجاهلون علناً ليس فقط آداب السياسة الخارجية لبلادنا، بل أيضاً سيادة القانون، ويلجؤون إلى جميع أشكال الدعاية السوداء ليفوز مرشّحهم المفضل، وحتى في هذه اللحظة، الذين يُعبّرون عن استيائهم من نتائج الانتخابات على وسائل التواصل الاجتماعي، أن يكونوا قد فهموا رسالة القبارصة الأتراك بشكل صحيح»، واصفاً دعوة باهتشلي إلى ضمّ قبرص التركية إلى تركيا، بأنها «هراء»، إذ «كيف يمكن أنقرة أن تدعو العالم إلى الاعتراف بدولة قبرص التركية وهي نفسها لا تعترف بها؟».
رحّب وزير الخارجية اليوناني، جيورجوس جيرابتريتيس، بانتخاب إرهورمان رئيساً
كذلك، برزت اختلافات كبيرة في وجهات نظر المحلّلين الأتراك، بين مَن دعا إلى احترام إرادة الشعب القبرصي التركي، وفقاً لِما قاله طه آقيول في صحيفة «قرار» المعارضة، وبين مَن اعتبر النتائج انقلاباً دوليّاً على تركيا، على ما رأى إبراهيم قره غول في «يني شفق» الموالية. وكان إرهورمان أعلن أنه في حال انتخابه، سيستأنف المفاوضات المتوقّفة مع نيقوسيا منذ عام 2017، معتبراً أن حلّ الدولتَين الذي يسعى إليه كلّ من «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية»، «ليس الحلّ الأمثل لإنهاء العزلة الاقتصادية والسياسية المفروضة على شمالي قبرص».
وفي ردود الفعل الدولية، رحّب وزير الخارجية اليوناني، جيورجوس جيرابتريتيس، بانتخاب إرهورمان رئيساً، واصفاً الحدث بأنه «فصل جديد مليء بالأمل والتوقّعات في جهود إعادة توحيد قبرص»، ومعتبراً أن هذا التطوّر «قد يُسرّع استئناف المفاوضات في الأمم المتحدة، استناداً إلى القرارات ذات الصلة ومبادئ القانون الدولي، وذلك بهدف التوصّل إلى حلّ يضمن السلام والازدهار للقبارصة اليونانيين والأتراك في الإطار الأوروبي».
وأشار إلى أن أثينا تعمل بشكل منهجي مع نيقوسيا لإدراج قضيّة احتلال قبرص على جدول أعمال المنظمة الدولية، معرباً عن تطلُّعه إلى «الاجتماع غير الرسمي الموسّع»، الذي من المتوقّع أن يكون الخطوة التالية نحو إعادة التوحيد. أيضاً، نُقل عن ديميتريس مانتسوز، رئيس «لجنة العلاقات الخارجية» في «حزب باسوك» اليوناني، قوله: «مع الانتهاء من إعلان إرادة القبارصة الأتراك، أصبح الطريق ممهّداً أمام مواصلة عملية حلّ المشكلة القبرصية ضمن الإطار الذي تحدّده قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة».
على أن نتائج الانتخابات في قبرص التركية، لها أيضاً بُعدٌ دَولي؛ ذلك أنها جزء من الجزيرة التي لعب قسمها الجنوبي دوراً مهمّاً في سنتَي الحرب في الشرق الأوسط، خصوصاً على مستوى القواعد البريطانية التي اضطلعت بدور مساند للعدوان الإسرائيلي على أكثر من جبهة. أمّا بالنسبة إلى شمالي الجزيرة، تفيد المعلومات بأن الإسرائيليين يشترون بشكل منهجي الأراضي هناك، ويفتتحون مؤسسات (مدارس ومراكز ثقافية)، وهو ما تحذّر منه الصحف التركية بشكل دائم.
علاوة على ذلك، تُعدّ المياه البحرية لقبرص مصدر جدل رئيسي، حيث تقع في قلب النزاع على الحدود البحرية بين الدولة التركية وسوريا ولبنان والأراضي المحتلة ومصر وليبيا واليونان، فيما تتنافس أنقرة وتل أبيب، على وجه الخصوص، على استغلال حقول الغاز الطبيعي قبالة سواحل قبرص.




