قانون جديد للجمعيات في تونس يعيد “جدل الأموال المشبوهة”
عبرت قيادات من المجتمع المدني في تونس عن تخوفها من توجه السلطة السياسية في البلاد إلى تعديل المرسوم 88 لسنة 2011 المتعلق بتنظيم الجمعيات لـ”التضييق عليهم وتهديد نشاطهم”، وفق تقديرهم.
وكانت رئاسة الحكومة التونسية قررت استحداث لجنة للاشتغال على مشروع قانون جديد حول وضعية الجمعيات وطرق تمويلها، على أثر إشراف رئيس الحكومة، أحمد الحشاني، الإثنين الـ11 من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، على جلسة عمل وزارية بقصر الحكومة في القصبة.
رئيس الحكومة شدد على “ضرورة أن يسهم هذا القانون الجديد للجمعيات في تدعيم دور المجتمع المدني في كنف احترام المبادئ والحقوق والضمانات المنصوص عليها في الدستور، وفي إطار دولة القانون”.
في الاتجاه نفسه تقدم جملة من نواب الشعب بمشروع قانون جديد حول تنظيم عمل الجمعيات في تونس، مما أسهم في موجة من الاستنفار في أوساط الناشطين في جمعيات حقوقية عدة، معبرين عن خوفهم من أن يستهدف القانون وجودهم.
دولة القانون
تقول النائبة فاطمة المسدي إن “هذا المشروع على عكس ما يحاول البعض ترويجه عنه من مغالطات، فهو ينظم العمل الجمعياتي بتونس، ويهدف إلى إرساء دولة القانون”. مفسرة أن “الدولة التي انتظرناها بعد الـ25 من يوليو (تموز) 2021 تحارب الإرهاب وتبييض الأموال”.
وترى المسدي أن مشروع القانون يمكن من التحكم في ما اعتبرته “حنفية الأموال المشبوهة التي تدخل من طريق بعض الجمعيات التي تكونت بعد يناير (كانون الثاني) 2011″، معتقدة أن “التجربة أثبتت أن بعض الجمعيات تسعى إلى ضرب قيم الدولة التونسية في الأعماق وحان الوقت لمراقبة طرق تمويلها”.
وأوضحت أن القانون “لا يمنع تماماً التمويل الأجنبي لكنه يخضعه للمراقبة من طرف مصالح رئاسة الحكومة، فكل جمعية تريد تمويلاً أجنبياً يجب أن تتحصل على موافقة مسبقة من الحكومة”.
من جانبه قال رئيس حزب “التحالف من أجل تونس” سرحان الناصري، إنهم منذ مدة طالبوا بتعديل قانون الجمعيات في تونس، موضحاً “ندعم تغيير هذا القانون لما رأيناه من فساد في هذا المجال، فعديد من الجمعيات الناشطة في تونس بعد يناير 2011 ممولة من الخارج لتطبيق أجندات خاصة، كما أن عديداً من الجمعيات هي في الحقيقة امتداد لأحزاب سياسية”.
ويتابع “نعلم جيداً أن الأحزاب السياسية ممنوعة من التمويل الخارجي، ودائماً ما كانت هناك جمعيات تسندها مالياً على غرار (حركة النهضة) الإسلامية، التي لديها عشرات الجمعيات الداعمة سراً وجهراً، وأيضاً حزب (قلب تونس) وجمعية (خليل تونس) التي ساندته بطريقة فاضحة، و(عيش تونسي) الجمعية التي رصدت أموالاً طائلة من أجل مساندة شخصية سياسية”.
استخبارات مقنعة
يعتقد الناصري أن “هذه الجمعيات التي تقدم ولاءها إلى ممولها أصبحت تمثل خطراً على أمن تونس واستقرارها، بخاصة أن معظم هذه الجمعيات كان يقدم تقارير مفصلة إلى الخارج، فهي استخبارات أجنبية مقنعة يجب اجتثاثها”.
ويستدرك “لكن هناك جمعيات ومنظمات وطنية على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل، واتحاد الصناعة والتجارة، واتحاد المرأة، وكلها منظمات وازنة في الشأن المدني والسياسي، ونشجعها ونشجع دورها التنموي سواء كانت في صف مراقبة السلطة أو الاقتراح والمشاركة في تنمية البلاد اجتماعياً واقتصادياً”.
في المقابل يرى ناشطون في الجمعيات عكس تلك الرؤية، ويعتقدون أن القانون جاء لمضايقة نشاطهم، وفي هذا الإطار قال رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بسام الطريفي إن السلطة السياسية “لديها رغبة في التضييق على المجتمع المدني من خلال تعديل المرسوم 88 وإيداع مشروع القانون 27 لسنة 2023 بالبرلمان من قبل مجموعة من النواب وقبوله من طرف لجنة الحقوق والحريات في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي”، واصفاً المرسوم 88 بأنه “مكسب من مكاسب الثورة ودعامة لحرية التنظيم وحرية الجمعيات”.
يرى الطريفي أن “خطاب السلطة السياسية يتضمن اتهامات لجمعيات عدة بالإرهاب والعمالة للخارج، في حين أنها تعمل تحت رقابة عديد من الأجهزة الرسمية، ومنها البنك المركزي ولجنة التحاليل المالية ووزارة الداخلية ومحكمة المحاسبات، وتعاضد جهود الدولة في المجال التنموي”.
أما ممثلة مكتب تونس لمنظمة “محامون بلا حدود” نورس الدوزي، فأكدت تمسك المنظمة بالمرسوم 88، منتقدة تعلل السلطات بأنه “غير كاف لمراقبة ومحاسبة الجمعيات”.
وفي آخر تحديث رسمي بلع العدد الكلي للجمعيات المدرجة بالسجل الحكومي نحو 24900 جمعية. ويشار إلى أن عشرات الجمعيات أحيلت ملفاتها على لجنة التحاليل المالية بالبنك المركزي بشبهة تمويل الإرهاب والفساد المالي، وفي عام 2017 تم تصنيف تونس في القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي الدولية.