في حالة إعادة انتخابها.. تحديات جمة تنتظر فون دير لاين
كتبت إيلا جوينز في DW.
تعتزم أورسولا فون دير لاين، الترشح لرئاسة المفوضية الأوروبية لولاية ثانية. ويقول مراقبون إن تحديات جمة تنتظر السياسية الألمانية لاسيما التجارة مع أفريقيا والتوتر مع الصين فضلا عن الصراع في أوكرانيا والشرق الأوسط.
عندما تولت أورسولا فون دير لاين، السياسية الألمانية التي تنتمي إلى الحزب المسيحي الديمقراطي المحافظ، زمام الأمور في المفوضية الأوروبية التي تعد الذراع التنفيذي للتكتل الأوروبي، أواخر عام 2019، تعهدت بتعزيز قوة المفوضية الأوروبية وجعلها كيانا “جيوسياسيا” أقوى.
بيد أن الأحداث العصيبة التي تلت ذلك لا سيما الحرب في أوكرانيا والاندفاع صوب تسليح كييف في مواجهة موسكو، تسببت في إحداث تغيرات في الصورة التقليدية للاتحاد الأوروبي باعتباره مشروع سلام.
وفي خطابها أمام البرلمان الأوروبي قبل أيام، قالت فون دير لاين، إن السنوات الأخيرة شهدت “تحطم العديد من الأوهام الأوروبية”. وفي عرض خططها لتعزيز قدرة الاتحاد الأوروبي على إنتاج الأسلحة، أشارت إلى أن “العالم بات خطيرا كما كان لأجيال.”
وحصلت فون دير لاين على دعم حزب الشعب الأوروبي، أكبر قوّة في البرلمان الأوروبي، في مسعاها للفوز بولاية ثانية على رأس المفوضية. واختار الحزب المحافظ (الخميس السابع من مارس/آذار 2024)، فون دير لاين رسميا مرشحة له لقيادة الحزب الشعب الأوروبي في حملة انتخابات البرلمان الأوروبي المقررة في حزيران/ يونيو المقبل.
ومع توقع أداء انتخابي جيد للحزب خلال انتخابات يونيو / حزيران المقبلة، فإن حظوظ فون دير لاين للحصول على ولاية ثانية ستكون أكبر، لكن لا يعني ذلك ضمان بقائها على سدة المفوضية الأوروبية حتى عام 2029.
ويقول مراقبون إن مواقف فون دير لاين تبدو واضحة حيال الداخل الأوروبي حيث تدعم أوكرانيا في مواجهة روسيا وتؤيد التحول صوب الاقتصاد الأخضر وتوسيع التكتل الأوروبي وأخيرا تقود حملة لتعزيز القدرات الأوروبية الدفاعية، لكن ماذا يعني فوزها بولاية ثانية للعالم؟
علاقة متوترة مع بكين
تعد الصين الشريك التجاري الأول للاتحاد الأوروبي إلى جانب الولايات المتحدة، لكن الولاية الأولى لفون دير لاين على رأس المفوضية الأوروبية شهدت تصلبا في موقف الكتلة تجاه الصين إذ تدعو إلى تبني استراتيجية تقوم على تقليل اعتماد الاتحاد الأوروبي على الصين تحت عنوان “إزالة المخاطر” مع النظر إلى الصين “كمنافس”.
وعمليا، تنطوي هذه الاستراتيجية على البحث عن مصادر أكثر تنوعا لاستيراد السلع والمواد الخام الحيوية مثل الرقائق الدقيقة فضلا عن خلق أدوات جديدة لحماية التجارة الأوروبية مثل أداة مكافحة الإكراه التي تحول دون استهداف التكتل الأوروبي بما يُطلق عليه “الترهيب الاقتصادي”.
وانتقدت فون دير لاين بكين بسبب ممارسات القمع داخلها وأيضا بسبب فشلها في جعل اقتصادها أكثر انفتاحا وعلى قدم المساواة أمام الشركات الأجنبية وأيضا بسبب عدم انحيازها إلى جانب الاتحاد الأوروبي ضد روسيا بعد توغل الأخيرة عسكريا في أوكرانيا.
وقالت أليسيا باتشولسكا، الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إنه بالمقارنة مع الأجيال السابقة من السياسيين الأوروبيين، فإن فون دير لاين ليست “من الشخصيات السياسية التي تروق للرئيس الصيني شي جين بينغ”.
وفي المقابل، اتهمت بكين الاتحاد الأوروبي بالتدخل في شؤونها الداخلية وإطالة أمد الصراع في أوكرانيا عبر تسليح كييف والرضوخ لضغوط الرئيس الأمريكي جو بايدن.
لكن باتشولسكا قالت إن تصلب مواقف فون دير لاين تجاه الصين يرجع إلى التغيرات التي طرأت على سياسة بكين، مضيفة “فون دير لاين اضطرت بشكل أساسي إلى التعامل مع الصين – التي كانت ومازالت – أكثر رجعية وأكثر صلابة وأكثر استعدادا للتأثير على دول ثالثة ربما باستخدام الإكراه الاقتصادي”.
وأضافت الباحثة إنه “إذا بقيت فون دير لاين في منصبها حتى عام 2029، فيمكننا أن نتوقع استمرار هذا المسار بما يحمل في طياته المضي قدما في التعاون في العديد من المجالات، لكن مع موقف أكثر تشددا بشكل عام.”
أفريقيا.. قضايا الهجرة والمواد الخام
قبل بدء الحرب في أوكرانيا، وضعت فون دير لاين تعزيز العلاقات مع الدول الأفريقية في صدارة أولوياتها حيث كانت إثيوبيا أول وجهة خارجية بعد أيام قليلة من توليها منصبها.
وإدراكا للنفوذ المتزايد للصين في القارة السمراء، أعلنت فون دير لاين قبل عامين عن خطة لضخ استثمارات بقيمة 170 مليار دولار في أفريقيا ما يمثل نصف استثمارات البوابة العالمية التي تمثل استراتيجية الاستثمار الأوروبية للعالم.
وفي مقابلة مع DW، قالت مادالينا بروكوبيو، الباحثة في الشؤون الأفريقية داخل المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن الاهتمام الأوروبي بأفريقيا لا يقتصر على الأهداف الاقتصادية.
وفي ضوءقضايا الهجرة يحرص الاتحاد الأوروبي على أن تعمل دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى على وقف تدفق مواطنيها بشكل غير قانوني صوب أوروبا مع ربط ذلك بشكل متزايد في السنوات الأخيرة بمساعدات التنمية وأيضا مع توقيع اتفاقا لوقف الهجرة مع تونس والذي تعرض لانتقادات حقوقية.
وأشارت بروكوبيو إلى أهمية هذه الاتفاقيات خاصة في حالة تنامي قوة الأحزاب الشعبوية، مضيفة “لكني لا أعتقد أنها هذا يشكل المسار الوحيد في العلاقات بين أوروبا وأفريقيا.”
وشددت على أن الاتحاد الأوروبي حريص على الاستفادة من الفرص الاقتصادية التي تزخر بها القارة السمراء الشابة، قائلة “الدول الأفريقية تضم في المقام الأول كميات هائلة من الموارد الطبيعية خاصة المعادن التي تعد ركيزة طموحات الاتحاد الأوروبي في جعل اقتصاده صديقا للبيئة في السنوات المقبلة.”
وكان الاتحاد الأوروبي قد وقع اتفاقيات اقتصادية مع دول أفريقية لاسيما ناميبيا وزامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
الشرق الأوسط.. مواقف متباينة داخل التكتل
وفي حالة فوز فون دير لاين بولاية ثانية، فسوف يتعين عليها استعادة ثقة منطقة بعينها ألا وهي الشرق الأوسط، فقد تراجعت مكانة الاتحاد الأوروبي في المنطقة العربية بسبب حرب غزة.
وكشف استطلاع حديث أجراه معهد الدوحة شمل 17 دولة عربية، عن أن 80% من المشاركين قالوا إن ردود الفعل الفرنسية والألمانية تجاه غزة كانت “سيئة” أو “سيئة للغاية”.
وأثارت موجة الصراع الحالية انقسامات داخل الاتحاد الأوروبي الذي يسعى للخروج بموقف موحد فيما تعرضت فون دير لاين لانتقادات شخصية بسبب دعمها القوي لإسرائيل في مقابل موقف أكثر تشددا ضد تل أبيب من قبل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل.
وفي مقابلة مع DW، ارجع السفير السابق للاتحاد الأوروبي في مصر والأردن، جيمس موران، هذا التباين الأوروبي إلى “عدم الترابط بين دول التكتل الأوروبي ومؤسساته. لقد فقد الاتحاد الأوروبي الكثير من الأصدقاء في جميع أنحاء العالم ليس فقط في العالم العربي وإنما دول مهمة أخرى مثل إندونيسيا وماليزيا”.
وقال موران، الباحث المخضرم في مركز دراسات السياسة الأوروبية، إن بوريل “يبذل جهودا كبيرة لإصلاح هذا الضرر وحقق بعض النجاح، لكن الطريق مازال طويلا. وآمل أن تكون فون دير لاين قد تكون تعلمت الدرس”.
أمريكا اللاتينية.. تحدي سوق ميركوسور
يتوقع خبراء أن تتصدر أمريكا اللاتينية أولويات ولاية فون دير لاين الثانية خاصة في مسار إكمال الاتفاق التجاري المعلق بين التكتل الأوروبي ودول كتلة دول “ميركوسور” التي تضم الأرجنتين والبرازيل والباراغواي والأوروغواي.
وتوصلت الدول الأربعة عام 2019 إلى اتفاق مبدئي للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي بعد مفاوضات صعبة استمرت عقدين، لكن جرى تعليقه في ظل رئاسة جايير بولسونارو للبرازيل التي امتدت بين عامي 2019 و 2022 الذي تصاعدت في عهده إزالة الغابات في الأمازون.
وتعارض فرنسا وأيرلندا فتح أسواق الاتحاد الأوروبي أمام السلع الزراعية المستوردة من أمريكا اللاتينية خاصة في مجال اللحوم دون التزامات مناخية من الدول اللاتينية الأربعة.
وكان فريق فون دير لاين يأمل في تحقيق انفراجة أواخر العام الماضي، لكن يبدو أن القضية قد تم تأجيلها مرة أخرى خاصة مع تصاعد احتجاجات المزارعين في الاتحاد الأوروبي.
الولايات المتحدة… ماذا لو فاز ترامب؟
مع ترجيح خوض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب السباق الانتخابي أواخر العام الجاري في مواجهة الرئيس الحالي جو بايدن، يستعد الاتحاد الأوروبي لأحداث جسام داخل الولايات المتحدة خاصة فيما يتعلق بمسار دعم واشنطن لأوكرانيا ولحلف الناتو فضلا عن النزاعات التجارية.
وفي ذلك، قال الدبلوماسي الأوروبي المخضرم جيمس موران إنه في ضوء الغموض الذي يكتنف الانتخابات الأمريكية، فإنه “لا ينبغي أن نتوقع التزام فون دير لاين بكل سياساتها أو نهجها إذا بقيت في منصبها”. وأضاف “قد تتغير السياسات اعتمادا على الظروف وأعتقد أنه يتعين علينا أن ننتظر كيف ستتحول الأمور”.