في انتظار الردّ الأميركيّ!
كتب طوني فرنسيس في صحيفة نداء اللوطن.
تترقّب المنطقة والعالم الردّ الأميركي «الموعود» على مقتل جنودها في البرج 22 على تقاطع الحدود الأردنية- العراقية- السورية. إنتظار الردّ ومداه والتهيّب منه يأتي، ليس من مجرّد حصول الهجوم «المقاوم» على الموقع، وإنما بسبب حصيلته. فقد قضى فيه ثلاثة جنود وأصيب أكثر من ثلاثين آخرين. وأميركا كانت حذّرت مسبقاً من أنها ستتحرّك بقوة إذا جرى التعرّض لعسكرييها أو رعاياها في عمليات قتل مباشرة.
لم تكن عملية البرج معزولة، بل جاءت في سياق أكثر من 150 هجوماً شنّتها الميليشيات العراقية الموالية لإيران ضد مواقع في سوريا والعراق. لكنّ الهجوم هذا كان متميّزاً في أمرين، فهو طال أراضي الأردن البلد الحليف، في توسيعٍ لنطاق الاستهدافات الإيرانية من جهة، وأسفر عن مقتل عسكريين أميركيين من جهة أخرى، ما يوجّه ضربة لصورة أميركا الحليف الذي يمكن الاعتماد عليه ومجمل الحضور الأميركي في الشرق الأوسط.
لا يسع الإدارة الأميركية السّكوت، كما لا يمكنها الاكتفاء بضربات متفرّقة كالسابق. فسمعتها كحليف قوي يُعتمد عليه ستهتزّ بقوة، وهي أصلاً في حالة اهتزاز منذ تورّطها الكلي في معركة إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وصمتها على التحدّي الذي تواجهه سيعني نجاح خصومها الذين تقودهم إيران في تنفيذ خطة «طرد الأميركيين من غرب آسيا» في الصيغة التي أطلقها أمين عام «حزب الله»: جاؤوا عمودياً ويغادرون أفقياً!
حرصت أميركا على طمأنة إيران بأنها لا تريد حرباً ضدها، مع أنّها تحمّلها مسؤولية الهجمات، وردّت إيران بالمثل، نافيةً علاقتها بهذه الهجمات، كما فعلت في معركة غزة. وساد ما يمكن تسميته «ديبلوماسية التكاذب» بين القيادتين الأميركية والإيرانية بما يسمح بعدم توجيه الضربات الأميركية ضد طهران، ويسهّل في المقابل عمليات محدّدة ضد مواقع وأشخاص ينتمون إلى التنظيمات المتهمة في العراق وسوريا، يمكن أن تطول إيرانيين يعملون فيها.
احتياطاً سحبت إيران خبراء من سوريا أو بدّلت مواقع تمركزهم. وتحسّباً أعلنت الميليشيات التي تتولّى تنفيذ الهجمات وقف نشاطها، للانصراف إلى العمل الثقافي والتوعوي! كان ذلك جزءاً من خطة استجابة شاملة عنوانها الانكفاء أمام «الغضب» الأميركي المعلن. شارك في تنفيذها إضافة إلى المسؤولين الإيرانيين، مسؤولون عراقيون «وعدوا» الميليشيات أنّ القوات الأميركية في طريقها إلى الانسحاب من العراق وسوريا. لكنّ الانسحاب لا يبدو وارداً، والردع هو المطروح بمعزل عن زمانه ومكانه، ولا يمكنه أن يكون مجرّد ردٍّ رمزي.
لقد برّرت إدارة دونالد ترامب اغتيال قاسم سليماني بوصفه ردّاً على مصرع متعاقد مدني أميركي مع قواتها في العراق، والآن تقف إدارة جو بايدن أمام معضلة مماثلة نتيجة مقتل الجنود الثلاثة، وهم ليسوا متعاقدين أو مدنيين، وإنما من العسكريين العاملين في أسوأ الظروف والأماكن.