فواتير الاتصالات تلتهب مع الدولار
نائلة حمزة عبد الصمد .
خاص رأي سياسي…
ارتفاع أسعار الاتصالات الثابتة والخلوية والإنترنت في لبنان كغيرها تشكل عبئاً جديداً على اللبنانيين الذين يعانون غلاء كافة المنتجات والخدمات ، وكلّما ارتفع سعر صرف الليرة اللبناني مقابل الدولار الأميركي، ترتفع أسعار الاتّصالات المحمولة في لبنان ، ما يؤثر على الفئات الفقيرة وذوي الدخل المحدود وحتى موظفي القطاع العام.
ولطالما شكّل هذا القطاع وتحديدا منذ مطلع التسعينات، وبعد عودة الاستقرار الى لبنان واطلاق ورشة الاعمار وتأهيل البنى التحتية، عامل اضطراب وتجاذب على مستوى السلطات السياسية التي لم تنظر الى هذا القطاع انطلاقا من اهميته في النشاط الاقتصادي وانما من موقعه كمصدر تمويل رئيسي للخزينة.
خصخصة الاتصالات :
“لا مفرَّ أمام هذا الواقع من رفع تعرفة الاتصالات والانترنت، وفي حال الاستمرار في التعرفة الحالية سنتّجه نحو خطى الكهرباء”، بحسب وزير الاتصالات في حكومة تصريف الاعمال جوني القرم ، “ولكن بمقارنة مع باقي القطاعات تمكنّا من تحييد قطاع الخليوي عن الازمة”.وحذرالقرم من الذهاب للانهيار التام في ظل غياب الدعم والمساعدات لقطاع الاتصالات، فالمصاريف بالدولار وقسم من رواتب الموظفين بات بالدولار ولم يكن امامنا الا خيار تعديل التعرفة ومواكبة مصاريفنا بايراداتنا، على حد تعبيره، مشدداً على ان” صيرفة تؤثر علينا بشكل مباشر وهناك مصاريف تزيد كلما ارتفع سعر صرف الدولار”.
ويعتبر وزير الاتصالات “ان خصخصة القطاعات هي الحلّ وبما يخصّ قطاع الاتصالات يجب تطبيق قانون ٤٣١ للاتصالات وتعيين مجلسي ادارتي الهيئة الناظمة للاتصالات وليبان تيليكوم وتعزيز المنافسة في هذا القطاع الخدماتي الحيوي”.
واكد الوزير القرم ان وضع “اوجيرو” يختلف عن وضع تاتش وألفا” ، محذّرا من” استحالة استمرار اوجيرو وفق التسعيرة الحالية”، وقال: “ذاهبون على خطى قطاع الكهرباء اذا لم تصحّح التعرفة في اوجيرو”.
مصدر في شركة “أوجيرو” لفت ل”رأي سياسي” الى عدم تأمين إيرادات مناسبة للشركة وصعوبة شراء المازوت بالكميات الكافية ، ما يعني حتمية انقطاع الخدمات . ومن هنا ، لفت المصدر الى ان الشركة قد تلجأ إلى وضع برنامج تقنين للاتصالات والانترنت، أي من الممكن توزيع كميات المازوت على أكبر قدر من السنترالات وتحديد ساعات التشغيل، فيحصل المشتركون على خدماتهم لساعات معيَّنة، وتنقطع بعدها الاتصالات والانترنت بعد إطفاء السنترالات توفيراً للمازوت وأعمال الصيانة والتشغيل ، وهو ما يتخوف منه المواطن.
صيرفة والاسعار…
وزارة الاتصالات تعتمد سعر الصرف الذي تحدّده “صيرفة”، وهي منصة أطلقها مصرف لبنان لتحديد سعر صرف الليرة اللبنانية من أجل اعتماده في بعض المعاملات والتسعيرات من قبل الدولة ، وبيع الدولار على هذا السعر للمؤسسات والتجار وحتى الأفراد، وذلك وسط أكثر من سعر صرف رسمي بفارق شاسع بالإضافة إلى الذي يحدّده السوق المفتوح.
وفي شرح للعملية وعلى سبيل المثال، وبعد تسعير سعر صرف الدولار على منصة صيرفة بـ70 ألف ليرة مثلاً، ارتفع سعر البطاقة الشهرية التي تشحن بقيمة 7.58 دولارات من 191 ألف ليرة لبنانية تموز/يوليو إلى 530 ألف ليرة في آذار/مارس ، وهكذا دواليك مع ارتفاع المنصة ترتفع اسعار البطاقات ، التي تزيد عبئاً على المواطن.
ومن هنا ، لم تعتمد وزارة الاتصالات استراتيجية واضحة للقطاع، بل بدلاً من الشروع في الإصلاح وسدّ مكامن الهدر بل رفعت الأسعار وفق منصة صيرفة بدءا من تموز 2022 ،تبع ذلك إضرابات متكرّرة من قبل موظّفي شركتي الاتصالات ألفا وتاتش بهدف المطالبة بتحسين الرواتب والأجور وحتّى تقاضيها بالدولار.
مخالفة القوانين…
ويحذر خبراء من أن الدولة تقوم بمخالفة القانون عندما تفرض تصحيح تعرفات الخدمات العامة بالدولار علماً أن المواطن سيدفعها بالليرة وستزداد كل مرة. ولا حل في لبنان سوى إعادة تعويم المصارف اللبنانية بأموال المودعين، التي تم هدرها ونهبها وتبديدها إن كان ذلك في البنك المركزي أو في القطاع العام أو من أداره من سياسيين ومتعهدين، وعندها سيتمكن الناس من دفع فواتيرهم.
ويعتقد كثيرون أن اللبنانيين يدفعون ثمن سوء إدارة تاريخية لقطاع الاتصالات، بفعل الصراعات والتدخلات السياسية فيه، التي حالت دون تنفيذ القرار 431 الذي صدر عام 2002، ويقضي أحد بنوده بخصخصة القطاع بفتح باب المنافسة لشركاء جدد كسرا لحصرية الشركتين المشغلتين.
وختاماً ، فإنّ ما سبق يأتي في سياق استراتيجية الدولة الترقيعية في كل المجالات، ومن ضمنها قطاع الاتصالات .بدأ الأمر مع قرار الدولة السماح بالتسعير بالدولار للسلع والخدمات الأساسية. المازوت أولاً، ثم المطاعم والمؤسسات السياحية، وصولاً إلى فواتير الهاتف والإنترنت والكهرباء وسواها .في المقابل، لا تزال معظم مداخيل العاملين في القطاعين العام والخاص بالليرة اللبنانية، ما يعني أن كل تعديل في سعر الدولار سينعكس سلباً على القدرة الشرائية لهؤلاء. ما يعني أن الخسائر اللاحقة بالمواطنين ستزداد، وأن فاتورة الاتصالات ستزداد كلما تقلب سعر صرف الدولار.