فنون “السياديّين” في الشحادة وتنويع مصادر التمويل: إذا شحّت أموال السعودية والإمارات… إلى الكويت دُر!
الأخبار
وفيق قانصوه
لا يفوّت «السياديون» اللبنانيون، أحزاباً وإقطاعيين وميليشيات ومنظّمات مجتمع مدني، مناسبة من دون أن يصمّوا أسماع اللبنانيين بالحرية والسيادة والاستقلال، آخذين على حزب الله «تمويله وتسليحه إيرانياً»، وهو ما لم يُخفه الحزب يوماً على لسان أرفع مسؤوليه. علماً أن هؤلاء، على ما كشفت وثائق «ويكيليكس»، لم يتوانوا يوماً عن الارتزاق وتسوّل التمويل الخارجي بوقاحة، عارضين خدماتهم، وفي مقدمها دائماً مواجهة حزب الله. فعلى سبيل المثال، أرسل السفير السعودي الأسبق في بيروت علي عواض العسيري برقية إلى وزارة خارجية بلاده، عام 2012، جاء فيها أنه استقبل «موفداً من قبل رئيس حزب القوات اللبنانية، وتحدّث عن صعوبة الأوضاع المالية التي يعيشها حزبهم إلى حدّ باتوا عاجزين معه عن تأمين رواتب العاملين في الحزب، وتكاد تصل بهم الأمور إلى العجز عن الوفاء بتكاليف حماية رئيس الحزب سمير جعجع (…) والسيد سمير جعجع جاهز للسفر إلى المملكة لعرض وضعهم المالي المتدهور على القيادة في المملكة». ولفت العسيري إلى أن القوات اللبنانية «هي القوة الحقيقية التي يُعوّل عليها لردع لحزب الله ومَن وراءه في لبنان»، موصياً «بتقديم مساعدة مالية» لقائد القوات، «تفي بمتطلّباته، ولا سيما في ضوء مواقف السيد سمير جعجع الموالية للمملكة والمدافعة عن توجهاتها»، مشيراً إلى دفاع جعجع عن فتوى أصدرها مفتي آل سعود عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ بوجوب هدم الكنائس في جزيرة العرب.
لطالما أتقنت المملكة السعودية شراء الذمم، ولطالما أجاد «السياديون» اللبنانيون، القدامى والجدد، الارتهان بلا حدود لسياسات الرياض والعمل بتوجيهاتها من دون أن يخدش ذلك «حسّهم السيادي». لكنّ شيئاً ما طرأ في السنوات الأخيرة. استفاقت الرياض على أن استثمارها في هؤلاء كان خاسراً: يقبضون بلا أفعال. فقرّرت إقفال «الحنفية»، إلا بشرط: «نفّذ تقبض»، وكمين الطيونة الشهر الماضي نموذجاً.
المشكلة أن التمويل السعودي لم يكن وحده الذي توقف أو جرى تقطيره، الإمارات العربية المتحدة فعلت الأمر نفسه. قرّرت أبو ظبي طريقة مختلفة من الدعم، جزء منها يجري على أراضيها، وجزء آخر يجري درسه بعناية، خصوصاً أن حكام أبو ظبي لم ينتهوا بعد من لملمة فضائح فريقهم الأمني والدبلوماسي الذي عمل في لبنان على مدى سنوات، وانتهى الأمر بالمسؤولين الأساسيين فيه إلى السجن… أو ما هو أكثر منه.
ولأن الموسم موسم انتخابي، فكّر «السياديون» بـ«تنويع» مصادر دخلهم وتمويلهم، عبر التوجه إلى جهات أخرى قادرة على الدفع، من دون أن يكون عليهم أن ينقلوا البارودة من كتف إلى أخرى (ونقل البارودة ليس مشكلة بالنسبة إليهم أساساً). لذا، إلى الكويت دُرْ. فالدولة الخليجية الصغيرة تسبح في فلك الشقيق السعودي الأكبر، ولا بأس في أن «تشيل كتف» عن ابن سلمان، مغادرةً مربع الوسطية الذي طالما لازمته في ما يتعلق بالأزمات اللبنانية. ومواقفها الأخيرة في الأزمة التي افتعلتها الرياض مع لبنان تشير إلى حماسة غير معهودة من هذا البلد للتورّط في المستنقع اللبناني.
تكشف وثائق حصلت عليها «الأخبار» سعي «السياديين»، ولا سيما ثلاثي الـ «3G» (جعجع وجنبلاط والجميّل الابن) للحصول على دعم مالي من الكويت لتعزيز مواقعهم في مواجهة خصومهم على الساحة المحلية. وثائق تساعد في تفهّم «صدق» هذا الصنف من «السياديين» دفاعاً عما تقوم به السعودية والكويت ودول الخليج ضد لبنان، ودعوتهم اللبنانيين إلى الاعتذار لأن «لحم أكتافنا من خير الخليجيين». والواقع أن هذا «الخير» هو سبب «لحم أكتافهم» هم، لا أكتاف من يعملون في دول الخليج بعرقهم. وثائق تتضمّن رسائل تكيل ثناء وتنضح تذلّلاً وتطلب تحويل مساعدات بالدولار، إلى فروع مصارف كانت، في ذلك الوقت تحديداً، تسطو على أموال المودعين، وتحوّل أموال «السياديين» و«راكبي الثورة»، إلى مصارف في الخارج. وكما في العادة، لا تخلو الجلسات الخاصة لـ«السياديين» من طعنات يوجهونها إلى ظهور بعضهم بعضاً.
سامي الجميل: أنا التغيير فادعموني!
يبدو رئيس حزب الكتائب اللبنانية سامي الجميل مهجوساً بـ«مؤامرة» يتعرّض لها لتهميشه وحزبه. غضبه، بالطبع، ينصبّ على حزب الله و«تحكّمه بمفاصل الدولة»، ولكن أيضاً على من يشنّون عليه «حرب إلغاء»، مروّجاً بأن المستقبل في الشارع المسيحي له ولحزبه «التغييري»(!)، لا للقوات وقائدها سمير جعجع ولا للتيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل.
في 1 أيلول 2020، زار الجميّل، يرافقه عضو المكتب السياسي في الحزب الوزير السابق آلان حكيم والنائب المستقيل الياس حنكش، سفير الكويت في بيروت عبدالعال سليمان القناعي.
في اللقاء، قدّم رئيس حزب «الله والوطن والعائلة» رؤيته للوضع السياسي القائم في لبنان، مركّزاً على ما يلي:
- انطلاقاً من المواقف التاريخية للحزب في التعامل في الأزمة اللبنانية على امتداد المراحل الماضية، شدّد الجميل على تمسّك الكتائب بالثوابت الأساسية، ومنها الوقوف في وجه التدخلات الخارجية في شؤون لبنان. ولفت إلى أنه كان للكتائب دور بارز ضد الوجود السوري في لبنان، وأن الحزب كان من الأعمدة الأساسية لقوى 14 آذار، وقدّم تضحيات إلى جانب القوى الحليفة، من جملتها النائبان الراحلان بيار أمين الجميل وأنطوان غانم.
- شدّد الجميّل على أن الحزب عارض ويعارض السياسات التي ينتهجها حزب الله على صعد عدة وانخراطه في صراعات إقليمية.
- توقّف رئيس الكتائب عند افتراق حزبه عن قوى أساسية في 14 آذار عندما وافقت هذه القوى على التسوية الرئاسية بين العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري، والتي أوصلت عون إلى رئاسة الجمهورية. ولفت إلى أن موقف الكتائب بالامتناع عن التصويت على انتخاب عون ناتج عن قناعتها بأن عهد عون سيمكّن حزب الله من إحكام سيطرته على مفاصل الدولة اللبنانية.
- أشار الجميّل إلى أن الكتائب، منذ ذلك الحين، تتعرّض لـ «حرب إلغاء» من أطراف عدة، ولا سيما من حلفائها السابقين، وتحديداً القوات اللبنانية، رغم أنها أيّدت في وقت من الأوقات تسمية سمير جعجع للرئاسة. وقد تُرجمت هذه الحرب في الانتخابات النيابية عام 2018، بـ«محاولة إسقاط» مرشحي الكتائب ومرشحين آخرين معارضين للتسوية الرئاسية.
- لفت «فتى الكتائب» إلى أن حزبه، انسجاماً مع مواقفه المعلنة ضد السلطة القائمة «التي يتحكّم بها حزب الله»، عمل لمنع تأمين النصاب لجلسة مجلس النواب الرامية إلى منح الثقة لحكومة حسان دياب، بينما بات نواب «القوات اللبنانية» ليلة الجلسة في المجلس لتأمين النصاب.
- أكّد الجميّل أن التجربة أثبتت صوابية مواقف الحزب في النظرة إلى التسوية الرئاسية وتداعياتها، ولا سيما بعد كارثة انفجار مرفأ بيروت، وأن هذه المواقف تركت أصداء إيجابية واسعة على الصعيد الشعبي.
- اعتبر رئيس الكتائب أن مجلس النواب بات «مخطوفاً من حزب الله»، واستدلّ على ذلك بأن اقتراح الدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة لم يحظَ بتأييد سوى 15 نائباً فقط، في حين لم يحصل طلب انعقاد جلسة لمساءلة الحكومة وطرح الثقة بها إلا على تأييد 10 نواب، بسبب استحواذ حزب الله وحلفائه على الأكثرية النيابية، إلى جانب تيار المستقبل وكتلة القوات اللبنانية. وهذا ما دفع نواب الكتائب لتقديم استقالاتهم أملاً في سلوك مسار جديد من خارج البرلمان.
- توقّع الجميّل بدء تراجع التأييد الشعبي لكل من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية في السنوات العشر المقبلة، إذ أن التيار مبنيّ على شخصية جبران باسيل «المكروه» سياسياً وشعبياً. فيما تقوم القوات اللبنانية على شخص جعجع وليس على بنية مؤسسية.
- توقّع رئيس الكتائب أيضاً تغييراً ملموساً في تركيبة مجلس النواب بنسبة تصل إلى 30% في حال إجراء انتخابات نيابية مبكرة، وأوضح أن الكتائب تستعد لهذه المرحلة من خلال اجتماعات مع وجوه شبابية ذات حضور ميداني ونواب مستقلين، وقد يتم الإعلان عن «جبهة موحّدة» في هذا الإطار.
- شدّد الجميّل على أهمية الرهان على جمهور 14 آذار وإعادة استنهاضه للوقوف في وجه الطبقة الحاكمة، «وهذا يتطلب تكاتف جهود محلية، إلى جانب توافر دعم خارجي». وهنا سجّل الجميل «عتباً» على الدول الصديقة للبنان التي لا تقدم ما يكفي من دعم للقوى «التغييرية»، ومنها حزب الكتائب، ما يسهم في إحباط هذه القوى، آملاً في أن تتبدّل هذه المقاربة مستقبلاً.
هذه المطالعة السياسية المطوّلة، أنهاها زعيم حزب الكتائب «التغييري» بالإعراب عن أمله بأن يحظى بصورة خاصة بالدعم والاحتضان من دولة الكويت، مستذكراً «العلاقات التاريخية بين القيادة الكويتية وعائلة الجميل».
القوات «تنوّع» مصادر «الدخل»!
سمير جعجع هو اليوم «رجل الرياض» الأول في لبنان بلا منافس، والوحيد الذي لم تنقطع عنه حنفية المساعدات. إلا أن مزاجية حاكم السعودية محمد بن سلمان لا تطمئن. و«دروس» سعد الحريري ماثلة أمام الجميع. لذا، لا بأس من «تنويع» مصادر الدخل لتوفير «الأمان المالي» وفق قواعد الاقتصاد. لذلك، تتحرك «القوات اللبنانية» عبر واجهات عدة لتوفير التمويل لمؤسساتها التي تقدم خدمات لقاعدتها الانتخابية. ومن هذه الواجهات «مؤسسة جبل الأرز» برئاسة النائبة ستريدا جعجع التي تستخدم العلاقات العامة مع جهات خارجية من أجل الحصول على أموال بعنوان «تمويل مشاريع» بعينها.
مطلع تشرين الثاني 2020، وجّهت رئيسة «مؤسسة جبل الأرز» رسالة (انظر الإطار) إلى المدير العام للصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية عبد الوهاب أحمد البدر تطلب فيها النظر في إمكانية تقديم الصندوق الكويتي الدعم لأحد مشاريع المؤسسة المتعلق بتأهيل المرحلة الأخيرة من مستشفى «أنطوان الخوري ملكة طوق – بشري الحكومي»، مشيرة إلى أن المستشفى يؤمّن الطبابة لأهالي المنطقة والنازحين السوريين. ووفق مصادر مطّلعة على الموضوع، قدّرت جعجع قيمة التجهيزات المطلوبة لتأهيل المبنى في إطار هذه المرحلة بـ«560 ألف دولار»، وطلبت توفير المبلغ بالدولار على حساب مؤسسة جبل الأرز في «بنك بيبلوس – فرع ذوق مصبح».
وبمراجعة للمنح الواردة إلى مجلس الإنماء والإعمار في لبنان، تبيّن أن المجلس حصل على موافقة الصندوق الكويتي للتنمية على تمويل تجهيز مبنى ملحق بمستشفى بشري الحكومي، على أن تُحتسب الكلفة من ضمن منح أوسع بقيمة 30 مليون دولار خصّصتها الكويت للبنان خلال مؤتمر بروكسل في آذار 2019 لدعم الشعب السوري والبلدان المتضررة من النزاع في سوريا. والسؤال هنا: لماذا تستحوذ مؤسسة خاصة على طلب أموال موجّهة إلى مشروع حكومي طالما أن مجلس الإنماء والإعمار هو الجهة المعنية بالموضوع؟ والسؤال الأهم: هل حُولت الـ 560 ألف دولار «كاش» إلى رقم الحساب الذي أرفقته جعجع برسالتها؟