فلوريدا.. إذ تحكم أمريكا والعالم!
كتب محمد المنشاوي في صحيفة الشروق.
تمر فلوريدا بلحظة فريدة على المستوى الأمريكى لأن الرئيس القادم جعلها موطنه بالتبنى بعدما هاجر إليها من نيويورك. وأصبحت فلوريدا محط أنظار العديد من قادة العالم ممن لا يستطيعون الصبر حتى يتم تنصيب دونالد ترامب رسميا كرئيس جديد للولايات المتحدة، فى العشرين من الشهر المقبل، ويأتون للقائه فى منتجعه «مار إيه لاجو» بجنوب الولاية على شاطئها الأطلنطى.
وقبل الانتخابات الرئاسية زار عدد من قادة المنطقة العرب والإسرائيليين ترامب، وبعد الانتخابات توافد زعماء كندا والأرجنتين، والمجر، ومسئولون إسرائيليون، وغيرهم إلى فلوريدا بدلا من زيارة واشنطن العاصمة.
كذلك أصبحت فلوريدا قبلة الساعين للحصول على مناصب فى البيت الأبيض وإدارة ترامب الثانية، ومن بين مواطنى الولاية وممثليها فى الكونجرس. وعين الرئيس القادم ترامب عددا من سكان فلوريدا فى بعض أهم المناصب الحكومة الفيدرالية. وستكون سوزى ويلز، وهى سياسية مخضرمة فى فلوريدا أدارت حملته لعام 2024، رئيسة موظفى البيت الأبيض. والسيناتور ماركو روبيو، من منطقة ميامى، هو اختيار ترامب ليكون وزيرا للخارجية. وسيكون النائب الأمريكى مايكل والتز، من الجزء الشمالى الشرقى من الولاية، مستشار الأمن القومى لترامب، واختار بام بوندى وزيرة للعدل، وربما وزير الدفاع الجديد هو حاكم الولاية رون ديسانتيس.
وإلى جانب جاذبيتها السياسية بسبب اختيار ترامب لها كمقر دائم لسكنه، ومركز لأنشطته السياسية، عرفت الولاية تحولات جذرية خلال العقدين الأخيرين صعدت بها لقمة الولايات الأمريكية من حيث القوة والنفوذ والجاذبية، وهو ما يجعل العديد من حكام الولايات الأخرى يحاولون السير على خطاها سياسيا، واقتصاديا، وسكانيا، واجتماعيا.
جدير بالذكر أن انتخابات 2000 فاز بها جورج بوش المرشح الجمهورى، على نظيره الديمقراطى آل جور بفارق 537 صوتا فقط فى فلوريدا. وفاز ترامب بالولاية ثلاث مرات، آخرها قبل أسابيع حيث وسع الفارق مع منافسته الديمقراطية كامالا هاريس إلى ما يقرب من مليون ونصف المليون صوت. وبعدما كانت فلوريدا أحد أكبر وأهم الولايات المتأرجحة لعقود طويلة، نجح ترامب فى دفع الولاية إلى اليمين لتصبح ولاية جمهورية بامتياز.
• • •
لا تتمتع فلوريدا بخيرات طبيعية أو مواد معدنية ذات قيمة كبيرة، إلا أنها تملك شواطئ جيدة، بالمعايير الأمريكية، على ساحل المحيط الأطلنطى شرقا، وساحل خليج المكسيك غربا. كما خلقت فلوريدا وقدمت للعالم مفهوم وفكرة «ديزنى لاند» التى أصبح حلم زيارتها يراود الصغار والكبار حول العالم. وجذبت فلوريدا، عام 2023، ما يقرب من 140 مليون زائر، من بينهم 9 ملايين زائر من خارج قارة أمريكا الشمالية. ولك أن تتخيل حجم الحركة الاقتصادية والتجارية التى يدفع بها قدوم 140 مليون زائر للولاية. إذن لا يستغرب انخفاض نسب البطالة بالولاية إلى أقل من 2.8٪. ويرجع لحاكم الولاية، ديسانتيس، الفضل فى عدم إغلاق الولاية أثناء انتشار وتفشى جائحة كوفيد-19، وهو ما جذبها للكثير من الأمريكيين ممن ضايقتهم سياسات الإغلاق الحكومى. لم يكن وجود أحد فى فلوريدا أكثر أهمية من وجود ترامب الذى أعلن أن فلوريدا مقر إقامته الرسمى فى عام 2019.
• • •
أدى استمرار تدفق المهاجرين الكوبيين، والمتقاعدين، وعمال الخدمات للعمل فى المتنزهات المزدهرة فى وحول مدينة أورلاندو، إلى تنوع الولاية سكانيا بصورة لم تشهدها أغلب الولايات الأمريكية.
وبين عامى 2010 و2020، نما عدد سكان الولاية بنسبة 15٪، أى ضعف المعدل الوطنى، منذ عام 2016، تتفوق فلوريدا على كاليفورنيا، ونيويورك، وتكساس، لتصبح الوجهة الأولى للأجانب الذين ينتقلون إلى أمريكا. واليوم، ولد خُمس سكان الولاية خارج أمريكا، وما يصل إلى 40٪ من سكان فلوريدا جاءوها من ولايات أخرى خلال العقود الأربع الأخيرة. ودفعت الهجرة الداخلية، التى تحدث بين ساكنى الولايات الأمريكية، وتضخمت أعدادهم خلال سنوات جائحة فيروس كورونا، إلى انتقال أكثر من مليونى أمريكى إلى الولاية كان أغلبهم من أصحاب الميول الجمهورية.
مع ارتفاع عدد سكان فلوريدا نمت أهميتها الانتخابية بسبب زيادة أعداد ممثليها فى المجمع الانتخابى. وعقب الحرب العالمية الثانية كان لفلوريدا 8 أصوات انتخابية، وحصلت الولاية على 30 صوتا انتخابيا بعد تعداد عام2000 لتتجاوز ولاية نيويورك، وتتبع ولايتى كاليفورنيا وتكساس كثالث أكبر ولاية من حيث عدد السكان الذين وصلوا إلى 23 مليون شخص.
• • •
فلوريدا يعود تاريخها الأمريكى إلى عام 1565 حيث بدأ استيطانها من قبل المهاجرين الأوروبيين، لكن فلوريدا كانت لفترة طويلة آخر حدود أمريكا الجنوبية، وكانت عبارة عن مساحة شاسعة من المستنقعات الريفية حيث يعيش المستوطنون فى فقر مقارنة ببقية الولايات. وشهد عام 1845 جدلا واسعا حول جدوى قبول فلوريدا كولاية جديدة فى الاتحاد الأمريكى، ورفض الكثيرون الاعتراف بها كولاية أمريكية رقم 27، ووصفها سياسيو الشمال بأنها «أرض المستنقعات والضفادع والتماسيح والبعوض وتنبأ آخرون بأنه «لن يهاجر أى إنسان إلى فلوريدا، الأفضل لهم الهجرة إلى الجحيم ذاته.
اليوم، تؤثر فلوريدا على أمريكا، وأمريكا تؤثر بدورها على العالم، وتتبنى فلوريدا سياسات وتوجهات مبتكرة يتم نسخها فى ولايات ودول أخرى. وعلى سبيل المثال، أصبحت فلوريدا واجهة المتقاعدين الأمريكيين لما توفره من مساكن رخيصة مناسبة لهم، وما توفره من خدمات صحية أرخص من الولايات الأخرى. وتشكلت خلال العقود الأخيرة مناطق ضخمة يسكنها فقط المتقاعدون أو من تخطوا سن الـ 55 من العمر. وأصبحت منطقة الفيليجيس Villages، والتى تقع شمال مدينة أورلاندو بما يقرب من 80 كيلو، قبلة المتقاعدين، ويطلق عليها «ديزنى لاند المتقاعدين» لما توفره من بنية تحتية ومتع وبرامج تسلية تضاهى فى جاذبيتها ديزنى لاند الحقيقية. تنسخ ولايات تكساس وأريزونا وألاباما ونيفادا وجورجيا وكارولينا الجنوبية، التجربة الفلوريدية، لكن دون تحقيق نجاحات فلوريدا.