نقابة محرري الصحافة اللبنانية تحيي ذكرى “مشرفية”..رحلت قبل الأوان على حلم قيامة لبنان
أحيت نقابة محرري الصحافة اللبنانية وجريدة “النهار” وتلفزيون otv وعائلة مشرفية ذكرى أربعين يومًا على وفاة الزميل المرحوم رمزي مشرفية في احتفال حاشد أقيم، ظهر اليوم، في نقابة الصحافة. وتقدم الحضور النائب أكرم شهيب ممثلًا رئيس كتلة اللقاء الديمقراطي النائب تيمور جنبلاط والنائب مارك ضو والوزير السابق صالح الغريب ممثلًا رئيس الحزب الديمقراطي الأمير طلال إرسلان وعماد ابي فرج ممثلًا النائب السابق وليد جنبلاط وهشام الأعور ممثلًا رئيس حزب التوحيد العربي الوزير السابق وئام وهاب ووفد من الحزب السوري القومي الإجتامي والمستشار الرئاسي مدير مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية رفيق شلالا وجاد حيدر ممثلًا نقيب الصحافة عوني الكعكي ونائب نقيب محرري الصحافة صلاح تقي الدين وأمين صندوق النقابة علي يوسف والاب الياس كرم كاهن رعية الشويفات و نائب رئيس بلدية الشويفات شديد حنا وممثلون عن هيئات حزبية وسياسية وإجتماعية وحشد من الزملاء وأبناء الشويفات.
بدأ الإحتفال بالنشيد الوطني اللبناني والوقوف دقيقة صمت حدادًا على صاحب الذكرى، وبعرض وثائقي عن الرحل من إعداد مديرية الأخبار في تلفزيون ال OTV وبكلمة ترحيب من عريف الإحتفال هشام مشرفية.
القصيفي
وألقى نقيب محرري الصحافة جوزف القصيفي كلمة عدد فيها مزايا الفقيد الصحافية والإعلامية والنقابية وقال:
رمزي مشرفية قلب يسيل على شفتين ،حبا يرتقي إلى ذرى التضحية، وقلما يضفر من غار الكلم تيجان الجمال، وفكر يطوف على آلافاق الرحاب، فيؤوب وقد ملأ اهراءه بقمح الثقافة، ويغزل من إقاح الصداقة عقودا من در الوفاء، ويستفز بعدسته ما يلتقط من صور حتى لتكاد تنطق. ابن الشويفات الحاضرة العريقة، السهلة والممتنعة في آن . هو ابن جغرافيتها الواصلة – الفاصة بين جنوب الفداء، وجبل الاباء، المستغرقة في تاريخها التليد، الصابرة على واقعها في حمأة العمران الاشوه الذي غزاها. عمران نال من شكلها، ولم يمس جوهرها، النقي نقاء الابريز.وقلص مساحاتها الخضراء الموارة بالخصب والثمر، لكنه عجز عن إسقاط اصالتها وروحها وحرفها عن رسالتها الوطنية وحفاظها على العيش الواحد الذي يشد أهلها بعضا إلى بعض على تنوع انتمائهم الطائفي والسياسي، في أحلك الأوقات التي مرت على لبناننا المعذب، المدمى، الذي تتآكله العصبيات، ويعشش فيه الفساد، وتهجره طاقاته الشابة، وقد اصبح سداحا مداحا لكل طاريء نبت به أرضه، واوصدت دونه سائر الابواب، فبات اللبناني يجد ملاذه في الرحيل إلى ديار الله الوسعة، تاركا فؤاده في المنزل الاول، وفلذته في الأرض التي احتضنت نشأته، واستودعها ذكرياته. هذه النزعة الوطنية لم تغادر رمزي مشرفيه في عمله الصحافي في جريدة النهار،ومن ثم في محطة OTV, فكان يؤدي مهنته بوحي منها، لم يكتب بحبر الفتنة، ولا خط سطورا كاذبة، ، ولا ادعى وقائع لم تحصل، ولم يكن ساعي بريد لأي طرف. لا ولم يكن صوتا محرضا عبر الشاشة. ولم يعن ذلك انه لم يكن صاحب رأي، ووقفة وموقف. فهو كان من الرجال الصلاب في التعبير عن آرائه، ولم يتنازل يوما عن قناعة ،لكنه لم يترك لاختلاف الرأي أن يفسد في الود قضية. انه بارع في وصل الضفاف بما كان يمد من جسور، لأنه كان سليم الطوية، نقي السريرة، وايجابيا في نهج تعاطيه مع آلاخرين، ولو شق التباين اثلاما بينه وبينهم،لأن العلاقة الانسانية والإخاء، هما في معجمه المبتدأ والخبر. ليس لي أن أتحدث عن رمزي الزوج، الاب، الاخ، النسيب، الشويفاتي، تاركا لسواي تولي هذا الأمر. لكني في الختام أتوجه لعائلته، وابناء بلدته ، واصدقائه وعارفيه: كل ما لدى رمزي يدعو إلى الفخر والاعتزاز فهو أسس أسرة لبنانية من اهل التوحيد تتحصن بالأخلاق والعلم ،فاتحا أمامها دروب النجاح ، وخلف ذكرى يفوح منها زاكي العطر المتسلل من أكمام الزهر في بواكير الربيع. وتركت بصمات يراعه سطورا سوداء أو زرقاء على ابيض الطرس، محفوظة في ذاكرة الاجيال.وظلت الرسوم التي التقطها بعدسته شاهدة على الاحداث تتحدى النسيان. فيا زميلي وصديقي رمزي حزينة نقابة محرري الصحافة اللبنانية التي إليها انتميت على غيابك، وهي فقدت واحدا من وجوهها النبيلة، وتبكي فيك الفارس الذي يواجه ولا يستغيب، العف اللسان، والنظيف الكف. لقد خانك قلبك، ولم تكن يوما خؤونا . سقطت، بل رحلت قبل الأوان على حلم قيامة لبنان وانتصاره على جلاديه. مضيت تاركا لنا الحلم الممزوج بفجيعة الغياب. رحمك الله مثنى وثلاثا، والى ما شاء أن يغدق عليك من عفوه وغفرانه وليكن ذكرك مؤبدا.
حجار
ثمّ ألقى مدير تحرير جريدة “النهار” غسان حجار كلمة تعن رمزية مشرفية و”النهار” وجاء فيها:
يحتاج الإنسان الى بعض ثناء وتقدير في حياته كي يتوثب الى المزيد من العطاء. لكن جرت العادة أن نتأهب متأخرين، عند فراق من نحب، عند الافتقاد، وعند الإرتحال.
وفي الغياب، كما في الحضور، يجب أن تكون الالتفاتة الى من نفتقد، واقعية، بعيدة من المبالغة، وأيضاً بعيدة عن عدم الاعتراف الجميل وسوء التقدير اذ تأتي بعض الكلمات كأنها سباق لغوي يخص قائله لا المحتفى به او بذكراه.
لذا أجدني أتحدث في المناسبة، وفي المكرّم، بكل تواضع عرفه في حياته، في يعمله، وفي تعامله مع الزملاء في الفترة، القليلة نسبياً، التي عرفته فيها.
وأذكر كم كان يوماً قاسياً علينا في “النهار”. وعلى الزملاء المشمولين بالتخلي عن خدماتهم، لا لعلة فيهم، بل لعلة او سرطان تآكل فيه البلد، ونهش الموازنة ما جعلنا نعمل لفترة طويلة من دون رواتب، فقررنا انذاك ترشيد الانفاق بشكل كبير، والاستغناء عن خدمات عدد من المحررين والمراسلين والمصورين وما إليهم… لكن قليلين، منهم رمزي مشرفية، تفهموا الوضع، ولم ينقطعوا عن الزملاء، وعن الود، والاخوة التي لا ترتبط براتب اخر الشهر.
وأعود الى تلك الواقعة لا للتذكير بعمل بطولي، إذ أن فعل الضرورة لا يكون بطولياً، بقدر ما هو تنفس اصطناعي لاطالة العمر، اوهروب الى الأمام، للإبقاء على الحد الادنى الممكن. وهذا ما نعرفه كلنا في لبنان من “كثرة القلّة”.
أعود الى ذلك الوقت لأروي ما قاله لي الراحل الكبير الإستاذ غسان تويني “ما عهدتك هكذا تتخلى عن الأوادم” فأجبته “يا أستاذ، وهل يعني ذلك أننا أبقينا على غير الأوادم”. قال “أنت تحاول أن تقوّلني ما لم أقل. معظم الأسماء في اللائحة أوادم”. ووقع نظره على ثلاثة أسماء من لائحة طويلة كان رمزي مشرفية في عدادهم. وقال. هيدا وهيدا وهيدا. هل تنسى ما قدموه وما بذلوه من تضحيات، وهم مبتسمون على الدوام”.
أقول هذا لأن شهادة المعلم غسان تويني برمزي الآدمي والمبتسم، أعظم بكثير مما يمكن أن أقوله فيه، ذاك الآدمي، المبتسم على الدوام والذي على عادة الموحدين، لا ينطق الا بكلمة سواء مغلفة بالادب ومرفقة بابتسامة خجولة وبإحمرار وجه يزاوج بين الخجل وحسن الخلق.
لكن كلمة الآدمي تبدلت في القاموس اللبناني، وأصبحت مرادفة للقليل الذكاء والحيلة، والذي لا يعرف من أين تؤكل الكتف. وهو المفهوم الخاطئ السائد، لأن كلمة آدمي، باشتقاقها من آدم، الإنسان الأول، وفق ما هو متداول، ترتبط بالإنسانية اولا، وأيضاً بالأخلاقية والمهنية والصدقية، وبمحبة البعيد قبل القريب، وهي صفات تحلى بها فقيدنا العزيز رحمه الله، ولن أضيف سوى الشكر لمن جمعتنا ذكراه، ولمن بادر الى عقد هذا اللقاء، لان الإنسان، ولو في عليائه، يحتاج الى بعض ثناء وتقدير لإيفائه حقه في ما قام به وأفنى العمر من أجله.
أبو جودة
ثمّ ألقى مديرالأخبار والبرامج السياسية في تلفزيون OTV جاد أبو جودة كلمة عن علاقة رمزي مشرفية وال OTV وجاء فيها:
تعود معرفتنا بالزميل الراحل رمزي مشرفية سبعة عشر عاماً الى الوراء، وتحديداً الى اوائل عام 2007، قبل انطلاق البث التجريبي لمحطتنا، في 20 تموز من العام نفسه، حين كان فريقنا الإخباري في طور التشكيل والاكتمال، من صحافيين وتقنيين، على وقع تدريبات يومية مستمرة شارك فيها كل المعنيين على مدى ستة أشهر.
وكان الزميل الراحل رمزي مشرفية الذي نحيي ذكراه اليوم في عداد الزملاء الذين انضموا الى فريقنا منذ الايام الاولى، كمراسل منطقة يتولى تغطية اخبار الجبل، وتحديداً اخبار اقضية بعبدا والشوف وعاليه، بجذورها الضاربة في عمق التاريخ وغناها الثقافي وتنوعها السياسي والطائفي والمذهبي، في ظل انقسام سياسي حاد بين اللبنانيين كان موروثاً عن عام 2005، بأبعاده الاقليمية والدولية، ليستمر على ذلك النحو الى ما بعد اتفاق الدوحة عام 2008، مروراً بأحداث 5 و7 أيار، قبل ان يتخذ اشكالا اخرى وتتبدل الظروف.
ومنذ انطلاق عملنا الاخباري، في ظل الاوضاع اللبنانية المحفوفة بالمخاطر والمحاصرة بالصعوبات على مختلف المستويات، كان تواصلنا دائماً مع الزميل الراحل، سواء خلال الاجتماعات الشهرية التي ما تغيّب عنها مرة، والتي كانت تعقد مع مراسلي المناطق في مديرية الاخبار والبرامج السياسية لتنسيق العمل، وتبادل المعطيات والخبرات، وحتى النصائح والتوجيهات، او عبر الاتصال شبه اليومي، وعلى مدار الساعة حين تقتضي الحاجة، لتأمين التغطيات المطلوبة والمقابلات الخاصة والاخبار العاجلة وسوى ذلك من مندرجات العمل الاخباري التلفزيوني، الذي لم يكن يومها بمثل السهولة التي صار عليها اليوم بفعل التطور التكنولوجي والتقدم على مستوى الاتصالات والتواصل. فاليوم بات وصول الصور ولقطات الفيديو والتسجيلات الصوتية من اسهل ما يكون، بينما كان على المرحوم رمزي، كي يرسل لقطات الى المحطة لا تتعدى مدتها الدقيقتين لتبثها مثلا في نشرة الاخبار، ان يسرع في التصوير وكتابة النص قبل ان يدهمه الوقت، ليؤمن بعدها وسيلة نقل توصل الشريط الى التلفزيون ليتم نسخه على الكومبيوتر ثم تحويله الى تقرير متكامل خلال وقت قصير جدا، كي لا يكون مصيره في صناديق قسم الارشيف التي كانت تمتلئ احيانا بالاشرطة المرسلة من غير رمزي والتي كان وصولها يتأخر فتفقد قيمتها الاعلامية في اليوم التالي ولا تبث.
وبما أن انطلاق عمل محطتنا تزامن واحدى اصعب مراحل تاريخ لبنان، الصعبة كلها اصلا، حيث اتخذت التباينات السياسية ابعاداً عسكرية وأمنية، ولاسيما في الجبل، لم يكن العمل الصحافي بطبيعة الحال امرا سهلاً على مراسل يحمل بطاقة ال او.تي.في. وميكروفونا برتقالي اللون يلفت الانظار، لم يكن سهلا عليه ان يتحرك بحرية وسهولة في كل المناطق، حيث نادرا ما كان ينجو زميل مراسل او مصور من نظرة غير مرحبة حينا وشتيمة وصولا الى الضرب او تكسير الكاميرا او حتى الطرد احيانا،
لمجرد الانتماء الى مؤسسة اعلامية لونها معلن ومعروف وواضح، حتى ولو كان الهدف اداء واجب اعلامي بكل حرفية واخلاص. اما الزميل الراحل رمزي، الذي كان معروفا عنه تمتعه بقدرة كاملة على الحركة في منطقة هو ابنها، والذي نجح على مدى سنين بنسج شبكة علاقات عابرة للخلافات والتباينات، فكان يمتشق دوماً دور الشقيق الكبير، ليشق الطريق امام اي فريق يتوجه الى المنطقة التي كانت تشكل نطاق عمله، فيرافق المراسلين والمصورين من دار الى دار ومن حي الى حي حتى انجاز المهمة المطلوبة، من خلال تأمين ما يلزم من اتصالات ومقابلات وامكانيات تصوير للأخبار الخاصة. وكم من مرة تمكن رمزي من خرق الحصار الاعلامي بالاستحصال على مقابلات حصرية للمحطة من شخصيات كانت تدور في غير فلكها السياسي، لا بل كانت بينها وبين الجو السياسي الذي تعبر عنه المحطة خصومة حادة. ولما كان بتعذر على الزملاء الانتقال الى منطقة عمل رمزي، سواء بسبب المسافة او لأسباب امنية او حتى بقرار من ادارة المحطة لتفادي اي استفزاز محتمل، لم يكن الفقيد الكبير يتردد للحظة في اخذ الامور على عاتقه والمبادرة في تنفيذ المهمات المطلوبة، متنقلا بين خطوط التماس السياسية، ليأتي دوما بالمعلومات غير المنقوصة والمعطيات السباقة، علماً أن ادارة المحطة كانت تطلب منه مرات كثيرة اتخاذ جانب الحيطة والحذر وتجنب اي استفزاز قد يتعرض له، لكن جوابه الدائم كان يتكرر: لا تقلقوا، انا بين اهلي.
وعلى الصعيد الشخصي، لا انسى مرافقة الراحل الكبير لي ولفريق عمل ال او.تي.في. الى بلدة عبيه يوم تحرير عميد الاسرى اللبنانيين في سجون الاحتلال الاسرائيلي الشهيد سمير القنطار، حين اقيم له لقاء شعبي جامع بمشاركة الفاعليات السياسية المتخاصمة في 16 تموز 2008. ولما كنت متهيبا التجول في المنطقة وبين مناصري الاحزاب الذين كان بعضهم يحمل سلاحا ظاهرا، أصر رمزي على البقاء معي لحظة بلحظة طيلة فترة التغطية وحتى البث المباشر، حيث كان يجول بين الناس ويحييهم ويحيونه، في كل المحطات من دون استثناء، ونحن معه نشعر بالاطمئنان والقدرة على انجاز العمل.
اما بعد تطورات 17 تشرين الاول 2019، حين وقع الانهيار الكبير، وانعكس بشكل واسع ومباشر على محطتنا، سواء من حيث الوضع المادي للعاملين فيها، او لناحية الاستهداف السياسي والشخصي للزميلات والزملاء، والذي تابعتموه بلا ادنى شك عبر الشاشات، وفي زمن انكشفت فيه حقيقة كثيرين، وتخلى فيه كثيرون، وخاف آخرون وخانوا، لا يزال صدى صوت الزميل الراحل يتردد في آذان الزميلات والزملاء في مديرية الاخبار حين كان يتصل باستمرار للاطمئنان وابداء الاستعداد للتعاون، بخلفية وطنية ومهنية لا سياسية، وبعيداً من اي بحث في مطلب مادي، مكررا دائما: شو ما بدكن انا جاهز، نحنا عيلة.
هذا هو رمزي مشرفية. الزميل الكبير الذي علمتنا مسيرته الكثير:
علمتنا اولاً، ان الالتزام الاخلاقي يأتي قبل كل الشيء: فالأخلاق قبل السياسة وقبل الطائفة وقبل المذهب والأخلاق دائما قبل المادة.
علمتنا ثانياً، ان المهنية هي معيار النجاح في العمل الصحافي، من دون ان تتناقض مع التوجه السياسي، ومع الاحتفاظ بالحق المشروع لأي صحافي او وسيلة اعلامية في ابداء الرأي السياسي او الدفاع عن وجهة نظر.
وعلمتنا ثالثاً واخيرا، ان السمعة الحسنة في الحياة والذكرى الطيبة بعد الممات هما اساس الوجود. فالإنسان لا يذكر في الدنيا ولا في الآخرة الا بالخير العام الذي سعى اليه والخدمات التي اداها لكل مستحق…
رحمك الله ايها الزميل الكبير. إن محطتنا لن تنسى يوماً فضلك عليها، وان زميلاتك زملاءك لن ينسوا كل الايام الجميلة التي امضيناها معا في تحدي كل الاخطار. اما استمرارية الحياة فهي رجاؤنا الدائم كمؤمنين بالإله الواحد. فالشرير هو الذي يموت. أما الإنسان الذي طبع مسيرته على هذه الارض بالمحبة، فهو من له الحياة. وشكرا.
كلمة العائلة
كلمة العائلة ألقاها ابن الراحل مكرم تحدث فيها عن الزوج والوالد والصديق، وأعلن عن إطلاق جائزة رمزية مشرفية السنوية للصحافيين، وقال:
مَرَّ شَهْرَانِ وَالْجُرْحُ يَنْزِفُ…
عَلَى فِرَاقِكَ نَبْكِي حَتَّى جَفَّتْ دُمُوعُ أَعْيُونِنَا، وَذُوبَتْ قُلُوبُنَا بِرَحِيلِكَ يَا وَالِدَنَا الْغَالِي. مِنْذُ فَارَقْتَنَا، سَادَ الصَّمْتُ الرَّهِيبُ قُلُوبَنَا وَأَيْقَظَ الْحُزْنَ وَالْأَلَمَ بِدَاخِلِنَا… رَحَلتَ وَأَخَذتَ مَعَكَ مفَاتِيحَ حَيَاتِنَا إِلَى جِنَانِ الْخُلْدِ يَا أَبَي… صُورَتُكَ لَا تَغِيبُ عَنَّا، مَكَانُكَ لَا يَزَالُ يَنْتَظِرُكَ، فرَاقُكَ وَرَحِيلُكَ عَنَّا صَعْبٌ، فَيَقِينًا لَا أَحَدٌ يَعْلَمُ مَدَى أَلَمِ الْفِرَاقِ إِلَّا مَنْ فَقَدَ غَالِي وَلَكِنَّا لَا نَمْلَكُ إِلَّا أَنْ نَقُولَ: “إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ”.
كُنْتَ يَا أَبِي نَعَمَ الْأَبُ ذُو الْأَخْلَاقِ الْعَالِيَةِ وَنَعَمَ الرَّجُلُ الْوَفِيُّ الصَّادِقُ الْكَرِيمُ، مُسَاعِدًا لِلْقَرِيبِ وَالْغَرِيبِ وَكُلِّ مَنْ طَرَقَ بَابَكَ دُونَ مُقَابِلٍ، إِذْ يَشْهَدُ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ أَفْرَادِ الْعَائِلَةِ وَجَمِيعُ أَصْدِقَائِكَ وَمَعَارِفُكَ وَالتَّارِيخُ أَيْضًا. أَبِي، الرَّجُلُ الَّذِي عَلَّمَنِي قِيَمَةَ التَّفَانِي وَالِاجْتِهَادِ فِي الْعَمَلِ. لَمْ يَكُنْ يَوْمًا يَأْتِي إِلَى الْمَنْزِلِ دُونَ أَنْ يَكُونَ مَرْهَقًا مِنْ تَعَبِ الْعَمَلِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ ييأس أبدًا. كَانَ يَسْتَيْقِظُ فِي سَاعَاتٍ مُبَكِّرَةٍ مِنَ الصَّبَاحِ، مُلْتَزِمًا بِتَحَقُّقِ أَهْدَافِهِ وَتَقْدِيمِ الْأَفْضَلِ فِي كُلِّ مَا يَفْعَلُهُ. بِإِخْلَاصٍ وَتَفَانٍ وَحُبٍّ، كَانَ يُبَذِّلُ كُلَّ طَاقَتِهِ وَمَهَارَتِهِ فِي عَمَلِهِ، سَعْيًا لِتَحَقُّقِ النَّجَاحِ وَتَرْكِ بَصَمَةٍ إِيجَابِيَّةٍ فِي مُجْتَمَعِهِ. تَفَانِيهِ لَمْ يَقْتَصِرْ فَقَطْ عَلَى تَحَقُّقِ النَّجَاحِ الشَّخْصِيِّ، بَلْ كَانَ دَائِمًا يَسْعَى لِمُسَاعَدَةِ الْآخَرِينَ وَتَقْدِيمِ يَدِ الْعَوْنِ. كَانَ يُعَلِّمُنِي أَنَّ حُبَّ الْعَمَلِ وَالتَّفَانِي وَالْمُصْدَاقِيَةَ فِيهِ هُوَ الْمِفْتَاحُ لِتَحَقُّقِ الْأَهْدَافِ وَبِنَاءِ مُسْتَقْبَلٍ مُشْرِقٍ. مَضى شَهْرَانِ عَلَى غِيَابِكَ يَا أَغْلَى الأَحْبَابِ وَأَكْثَرَهُمْ طَيِّبَةً وَصَفَاءً، يَا مُهَجَّةَ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ، يَا قُرَّةَ الْعَيْنِ، يَا نُورَ دَرْبِي وَضِيَاءَ طَرِيقِي، مَضَى وَمَا زَالَتْ رُوحُكَ الطَّاهِرَةُ وَذِكْرَاكَ الْعَطِرَةُ تُبْعَثُ فِينَا الأَمَلَ.
ها نَحْنُ الْيَوْمَ نَحْصُدُ ثَمَارَ أَعْمَالِكَ وَصِدْقِكَ مِنْ مَحَبَّةِ النَّاسِ مِنْ أَقَارِبِ وَزُمَلَاء، فَنَعاهدُكَ يَا مَنْ أَصْبَحْتَ بَيْنَ يَدَيِ الْخَالِقِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ نَسِيرَ عَلَى دَرْبِكَ وَمِنْهَجِكَ، نَعاهدُكَ عَلَى الْوَفَاءِ وَالإِخْلاَصِ لِكُلِّ شَيْءٍ زَرَعْتَهُ فِينَا، نَعْهَدُكَ عَلَى أَنْ نَسِيرَ عَلَى طَرِيقِ الْخَيْرِ الَّذِي رَسَمْتَهُ لَنَا لِتَبْقَى ذِكْرَاكَ دَوْمًا مَصْدَرًا لِلْفَخْرِ وَالاعْتِزَازِ لَنَا وَلِعَائِلَتِكَ.
الْيَوْمَ، وَبِبَالِغِ الْفَخْرِ، تَعْلُنُ عَائِلَةُ الْفَقِيدِ عَنْ إِطْلَاقِ جَائِزَةٍ سَنَوِيَّةٍ بِاسْمِ الصَّحَافِيِّ رَمْزِي محمود الْمُشْرَفِيَّةِ، لِتَكْرِيمِ إِرْثِهِ الصَّحَافِيِّ النَّبِيلِ وَتَخْلِيدِ ذِكْرَاهُ الطَّيِّبَةِ. تَأْتِي هَذِهِ الْجَائِزَةُ لِتَعْزِيزِ قِيَمِ الإِبْدَاعِ وَالتَّمَيُّزِ وَالْمُوضُوعِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ تَتَسَمُّ بِهَا أَعْمَالُ الْفَقِيدِ، وَلِتَشْجِيعِ الشَّبَابِ الصَّحَافِيِّينَ عَلَى مُوَاصَلَةِ دَرْبِ النَّجَاحِ وَالإِصْرَارِ الَّذِي وَضَعَهُ الْفَقِيدُ كَمَثَلٍ يُحْتَذَى بِهِ فِي عَالَمِ الصَّحَافَةِ. نَدْعُو جَمِيعَ الصَّحَافِيِّينَ وَالصَّحَافِيَّاتِ الطَّمُوحِينَ لِلْمُشَارِكَةِ فِي هَذِهِ الْجَائِزَةِ، وَنَتَطَلَّعُ إِلَى رُؤْيَةِ الإِبْدَاعِ وَالتَّمَيُّزِ الَّذِي يَحْمِلُ بَصْمَةَ الْفَقِيدِ الْعَزِيزِ.
وَأَخِيرًا، أُرِيدُ أَنْ أَشكر نَقْابَةِ الصَّحَافَةِ بِشَخْصِ النّقيب عُونِيِّ الْكَعْكِيِّ، وَنَقْابَةِ الْمُحَرِّرِينَ بِشَخْصِ النَّقِيبِ جُوزِيفَ الْقَصِيفِيِّ وَنَائِبِ النَّقِيبِ الصّحافي صَلَاح تَقِيِّ الدِّينِ وجريدة النهار بشخص الأستاذ غسان حجاروتلفزيون ال OTV بشخص الأستاذ جاد أبو جودة وكل من شارك في هذا التكريم من زملاء الفقيد وعائلة المشرفية.