فشل الاتصالات الأميركية – الإيرانية يمنع هدنة في غزة ولبنان
كتب طوني فرنسيس, في “اندبندنت عربية” :
تعثرت جهود التوصل إلى هدنة في حرب غزة عشية حلول شهر رمضان. ليس فقط بسبب مواقف الطرفين المعنيين مباشرة، إسرائيل و”حماس” الشديدة التباعد والتناقض، بل أيضاً بسبب عامل لا تتم الإشارة إليه كثيراً، وهو الدور الإيراني الذي يلعب في ساحة الصراع دفاعاً عن مصالح النظام وتمدده في المشرق.
في واجهة الصورة فإن عملية التفاوض من أجل الهدنة تتعقد لأن إسرائيل تريد استثمار نتائج حربها الدموية المدمرة في هزيمة حاسمة لعدوها، الذي وجه إليها صفعة قاتلة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، فيما “حماس” تريد إعادة الأوضاع في القطاع إلى ما كانت عليه قبل غزوها المستوطنات في محيط غزة.
تستند “حماس” في تشديد شروطها إلى امتلاكها سلاحاً مؤثراً يكاد يبدو وحيداً، هو احتجازها عدداً من الإسرائيليين، مدنيين وعسكريين، وتعتقد بإمكانية تكرار تجربة تبادل الجندي شاليط بعدد كبير من الفلسطينيين المسجونين في إسرائيل، لكن الظروف تختلف تماماً، فإسرائيل التي ردت بحرب شاملة تمتلك الآن القوة والانتشار العسكري في معظم أراضي القطاع، ولا تزال، على رغم إيقاعها ألوف الضحايا، وتدميرها معظم المساحات المبنية، تتمتع بدعم لم يتزحزح من الولايات المتحدة والدول الغربية، وبصمت يشبه الرضا في دول، تصنف عادة في خانة داعمي القضية الفلسطينية مثل الصين وروسيا.
الهدنة كنتاج لميزان القوى
في موازين القوى الراهنة يرى المنطق أن هدنة ما يتخللها وقف لإطلاق النار وضخ مواد الغذاء والرعاية الصحية وأساسات السكن هي أفضل الممكن، خصوصاً أنها تحظى باهتمام ورعاية العالم الذي تؤرقه مشاهد الدمار والموت، إذ يمكن أن تسمح للشعب المنكوب في غزة المدمرة بالتقاط أنفاسه. وهي هدنة قد تكون ملائمة لـ”حماس” أكثر منها لإسرائيل المتمسكة بمواصلة القتال، بحيث تتمكن الحركة من إعادة تنظيم أوضاعها وإحصاء خسائرها.
والأهم من ذلك أن هدنة تستمر شهراً ونصف الشهر قابلة للتمديد، يمكن أن توفر فرصة للجهد السياسي والبحث في مستقبل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، ومستقبل الشعب الفلسطيني نفسه، الذي يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى وحدة. في الرؤية الوطنية، وإلى حل نهائي يضمن له أمنه وسلامه في دولة فلسطينية مستقلة. هذا ما يفترضه المنطق وميزان القوى الراهن، لكن ما يحصل هو عكس ذلك، ولا يكفي لتفسيره الحديث عن رغبات وحسابات يحيى السنوار وخلافه المزعوم مع إسماعيل هنية وقيادة الخارج، وإنما يجب الذهاب أبعد من ذلك، إلى فكرة محور الساحات الموحدة التي ابتدعتها إيران، وانطلق “طوفان الأقصى” استناداً إليها.
مشروع نتنياهو وحاجات طهران
تفضل “حماس” الاستمرار في المعركة، فيرتاح نتنياهو وصقوره إلى قرارها ويعلنون أن الحرب ستستمر حتى يتم اجتثاث الخصم، وربما الشعب الفلسطيني نفسه، وهو ما لم تخفه القيادة الإسرائيلية منذ دفعها سكان القطاع إلى الجنوب ثم محاصرتهم في رفح، وتهديدها في الوقت نفسه أن مصيراً مماثلاً ينتظر سكان الضفة الغربية.
آثار القصف الإسرائيلي في جباليا شمال قطاع غزة (رويترز)
فمشاريع الـ”ترانسفير” وطرد الشعب الفلسطيني خارج أرضه كانت قائمة دائماً، لكنها تلقت دفعة قوية بعد هجوم “حماس” واندلاع حرب غزة. وتمسك الحركة الآن بشروطها المعلنة، حق لها، لكنه في الوقت نفسه رهان على نصر، يأتيها من الارتباط بمشروع إيراني، ما زال يكرر، من دون التزام ملموس شعارات الساحات الموحدة والمعركة الحاسمة ضد “الكيان الزائل، ويأمل ويسعى إلى تحويل شهر رمضان إلى عبوة ناسفة في وجه إسرائيل على امتداد فلسطين والعالمين العربي والإسلامي”.
إيران تنظم جبهاتها
ليس سراً أن إيران تقف خلف فصيلي القتال في غزة، “حماس” و”الجهاد”، وتقيم علاقات مع منظمات أخرى خارج منظمة التحرير الفلسطينية، وهي تمول وتسلح وتقود عمليات الحوثي في البحر الأحمر وخليج عدن، وتقرر ما ينبغي على “حزب الله” القيام به عبر لبنان، وما هي الأدوار المسموح للمجموعات العراقية أن تلعبها بعد أن سارعت في المناسبة إلى تغيير اسمها من “الحشد الشعبي” إلى “المقاومة في العراق”.
حركت إيران مجموعاتها منذ بداية معركة غزة لحجز موقع لها في التفاوض اللاحق على مستقبلها ومستقبل دورها في المنطقة. لكنها، كما يبدو، لم تحصد كل النتائج المتوخاة. نصحتها الولايات المتحدة بالانضباط، وحصر القتال ومنعه من الامتداد إلى أجزاء أخرى. التزمت إيران جزئياً. حافظت على قواها وشجعت حروب الأذرع، وانتظرت ثواباً أميركياً لم يصل. هي تريد إلغاء العقوبات وشراكة في مفاوضات الإقليم. لم تستجب أميركا ولا أشركتها في مفاوضات الهدنة الغزاوية أو في أي بحث يتصل بمستقبل الوضع الفلسطيني، ورداً على هجمات ميليشياتها اكتفت بتوجيه ثماني ضربات في العراق رداً على نحو 180 هجوماً تعرضت له قواتها، وتحركت بخجل ضد مواقع الحوثيين وصواريخهم ومسيراتهم، فيما سعت بجهد لمنع إسرائيل من مهاجمة “حزب الله” ولإنجاز تسوية معه، جندت لها المبعوث الرئاسي الخاص أموس هوكشتاين، في محاولة لمحاصرة الحرب والتوتر على حدود إسرائيل الشمالية، بمعزل عن مصير الاتفاقات المحتملة في شأن غزة.
لا تقدم في المفاوضات الإيرانية – الأميركية
كانت إيران تنتظر من وراء “رقصة وحدة الساحات” استجابة أميركية، قبل انتهاء ولاية بايدن، لمطالبها الخاصة برفع العقوبات والعودة للاتفاق النووي. لم يحصل ذلك، ويصعب أن يتحقق شيء مما تريده الآن مع احتدام الصراع الانتخابي في أميركا. في خطابه السنوي الأخير أمام الكونغرس لم يذكر الرئيس جو بايدن إيران إلا مرة واحدة عندما قال “إن خلق الاستقرار في الشرق الأوسط يعني أيضاً كبح التهديد الإيراني. ولذلك أنشأنا تحالفاً من عشرات الدول للدفاع عن الشحن الدولي وحرية الملاحة في البحر الأحمر”.