فرنسا وألمانيا… إلى أي مدى يمكن التورط في أوكرانيا؟
كتب ديفيد سانغر وكريستوفر شويتز في صحيفة نيويورك تايمز.
كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أول من أغضب حلفاء «الناتو»، بتلميحه إلى أن الغرب قد يضطر قريباً لإرسال قوات إلى أوكرانيا، الأمر الذي يُنذر بمواجهة مباشرة مع القوات الروسية، الأمر الذي رفضه باقي بلدان الحلف منذ فترة طويلة.
ثم جاء المستشار الألماني أولاف شولتس ليكشف عن انقسامات جديدة. في محاولة لتبرير سبب امتناع ألمانيا عن تزويد أوكرانيا بأقوى صاروخ لديها، الصاروخ توروس، ولمح إلى أن بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة قد تقدم المساعدة سراً لأوكرانيا في استهداف أسلحة مماثلة، في خطوة قال لا يمكن لألمانيا أن تقوم بها. وفي حين أن بريطانيا وفرنسا لم تعلقا رسمياً – حيث نادراً ما تتم مناقشة كيفية نشر أسلحتهما – اتُهم شولتس على الفور من قبل مسؤولين سابقين بالكشف عن أسرار الحرب.
قال بن والاس، وزير الدفاع البريطاني السابق، لصحيفة «إيفنينغ ستاندارد» في لندن: «أظهر سلوك شولتس أنه فيما يتعلق بأمان أوروبا فهو الرجل الخطأ في المكان الخطأ في الوقت الخطأ». ونقلت الصحافة البريطانية على نطاق واسع، عبارة توبياس إلوود، المحافظ الذي كان يترأس لجنة الدفاع الرئيسية في مجلس العموم، والذي وصف التصريح بأنه «انتهاك صارخ للمعلومات الاستخباراتية».
تأتي هذه التوترات بعد أسبوع عندما هدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتصعيد النووي، إذا دخلت قوات «الناتو» الصراع، مما يبرز التوترات بين حلفاء الغرب والصعوبات التي يواجهونها في الحفاظ على الوحدة، في لحظة تبدو فيها الحرب بمأزق مع تراجع الدعم، لا سيما في واشنطن.
يكمن التحدي الآن بالنسبة لـ«الناتو» في العثور على مزيج من الأسلحة الجديدة والدعم المالي من دون تحفيز مواجهة مباشرة مع بوتين، ومن دون معرفة تحديداً أين يقع هذا الحد الفاصل. وإنه لموقف عسير للغاية بالنسبة إلى شولتس.
قدمت ألمانيا مزيداً من الأسلحة، ووعدت بتقديم مساعدات إلى أوكرانيا أكثر من أي دولة باستثناء الولايات المتحدة – ولكن شولتس وضع حداً فاصلاً فيما يتعلق بصاروخ توروس، الذي يُخشى أن تثير قوته انزعاج بوتين بصفة خاصة.
وتعقدت مشكلات شولتس أكثر أخيراً، عندما نشرت وسائل الإعلام الروسية مكالمة هاتفية استمرت 38 دقيقة بين قائد سلاح الجو الألماني وضباط آخرين، تبيّن بوضوح أن هناك خططاً احتياطية في حال قرر شولتس تغيير رأيه وقرر إرسال نظام توروس بعد كل شيء. فُسر التسريب على نطاق واسع في برلين بأنه عملية روسية تهدف إلى تحريض المعارضة ضد تقديم مزيد من المساعدات لأوكرانيا. وأثار الأمر التحقيقات في برلين، لأن أعلى الضباط كانوا يتحدثون على خط مفتوح، مما يعطي الروس وسيلة سهلة لإحراج المستشار الألماني أمام حلفاء «الناتو»، وأمام جمهوره، في لحظة يبقى فيها الجمهور الألماني متردداً تجاه المشاركة بشكل أعمق في الحرب.
وأكدت القوات المسلحة الألمانية أن الصوت أصيل، ولكنها لم تعلق على محتوياته، بما في ذلك مناقشة الحاجة لمشاركة الجيش الألماني في تشغيل النظام إذا تم تسليمه إلى أوكرانيا. ويبدو أن ألمانيا متاح لديها ما يصل إلى نحو 100 صاروخ «توروس» جاهزة للإرسال على الأكثر، الذي يمتلك مدى أطول من نظام الصاروخ الهجومي التكتيكي الذي قدمته الولايات المتحدة، أو صاروخ «ستورم شادو» البريطاني، أو صاروخ «سكالب» الفرنسي.
وأدرج البرلمان الأوروبي نظام «توروس» ضمن أنظمة عدة تحتاج إليها أوكرانيا في قرار غير مُلزم يدعو جميع الدول الأعضاء إلى توفير مزيد من الأسلحة. ولكن من غير المؤكد على الإطلاق ما إذا كانت حتى لو قدمت ألمانيا صواريخ «توروس» إلى أوكرانيا، كما طالب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أنها سوف تُحدث فارقاً حاسماً في الصراع.
القرار الألماني العام الماضي، بإرسال دبابات «ليوبارد» لم يُمكّن أوكرانيا من شن هجوم مضاد ناجح، وهناك شكوك حول ما إذا كانت مقاتلات «إف – 16»، التي سوف تُسلم قريباً لأوكرانيا، ستُغير مجرى القتال الآن.
إن ما تحتاجه أوكرانيا في الغالب، كما يقول مسؤولون أميركيون، هو قذائف المدفعية التقليدية لصد التقدم الإقليمي الروسي، والدفاعات الجوية ضد الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة. والسبب في عدم منح نظام «توروس» إلى أوكرانيا بسيط، حسبما قال شولتس للناخبين في فعالية بدريسدن بألمانيا أخيراً، ففي حين ستقدم ألمانيا أسلحة بقيمة 30 مليار دولار إلى أوكرانيا خلال السنوات المقبلة، يمكن لصاروخ «توروس» أن يضرب على مسافة 500 كيلومتر، أو 310 أميال. ومن شأن ذلك أن يضع موسكو في خطر، وأوضح أنه لا يثق في مقدرة القوات الأوكرانية على منع نفسها من نقل الحرب إلى الكرملين. ولا يمكن أن تظهر ألمانيا أنها تستهدف روسيا مباشرة من دون المخاطرة بالتصعيد المباشر مع موسكو.
وقال شولتس إن ألمانيا قدمت وتعهدت بتقديم مزيد من الأسلحة من أي دولة أخرى في العالم، مما يمنحها «الحق في قول نعم كثيراً، ولكن أحياناً – في بعض الأحيان – ليس هذه المرة». ولكن ما جلب له المتاعب بشكل أكبر، وصفه كيف أنه لا يمكن ببساطة تسليم أنظمة الصواريخ المتقدمة للغاية لأوكرانيا؛ إذ أشار إلى أنها تحتاج إلى قوات «الناتو» لتنفيذ الاستهداف بهذه الأسلحة المعقدة.
وأضاف: «ما يجري من قبل البريطانيين والفرنسيين من حيث السيطرة على الهدف ومرافقة السيطرة على الهدف، لا يمكن أن يتم في ألمانيا»، معلناً أن أعضاء حلف «الناتو» كانوا في محل السيطرة المباشرة على أنظمة الأسلحة التي قدموها. ثم قال: «ما تقوم به البلدان الأخرى، التي تتمتع بتقاليد ومؤسسات دستورية أخرى، شيء لا يمكننا فعله بالطريقة نفسها». وأوضح: «إن منح الأسلحة لأوكرانيا أمر، وأن تقوم ألمانيا بتوجيهها نحو الأهداف أمر مختلف تماماً. يجب ألا نكون مرتبطين في أي نقطة أو مكان بالاستهداف العسكري المباشر».
لكن بعد ذلك جاءت الشرائط المسربة، التي شملت الجنرال إينغو غيرهارتز، أعلى ضابط في القوات الجوية بألمانيا. منها محادثة غيرهارتز التي تم اعتراضها، التي شملته برفقة ضباط آخرين، كانوا يستعدون لتقديم إحاطة سرية كان مقرراً لهم تقديمها. وصفت المحادثة بالتفصيل كيف ستكون هناك حاجة إلى وجود جنود ألمان للاستهداف، لا سيما ضد الأهداف الصعبة؛ مثل جسر كيرتش الذي يربط شبه جزيرة القرم بأوكرانيا.
وناقش الضباط كيف ستكون ألمانيا قادرة على إرسال حد أقصى من 100 صاروخ فقط، مما يعني أنه يجب أن يكون لكل صاروخ تأثيره الفعال. كما ناقشوا أيضاً كيفية المساعدة في برمجة نظام «توروس» بطرق تتجنب ربط ألمانيا بالاستهداف، ومن دون أن تضطر إلى نشر جنود ألمان في أوكرانيا. كان أحد الخيارات، بحسب اقتراحهم؛ العمل بشكل هادئ من خلال الشركة المُصنعة للسلاح، أو من طريق نقل بيانات الاستهداف إلى أوكرانيا من طريق البر.