فرنسا على موعد مع أيام مظلمة
توقع مراقبون أن تكون أجواء عيدي الميلاد ورأس السنة في فرنسا مروعة، ولن يقاس أسى أزمة كورونا خلال مواسم الأعياد بذلك الذي سيضرب الأسرة الفرنسية في الصميم كما لم يحصل من قبل.
عاصمة النور باريس ومدن فرنسية كثيرة على موعد مع أزمة الإنقطاع الكهربائي الذي قد يتحول إلى ما يشبه الكابوس الحقيقي مع تواتر التحذيرات من أيام مظلمة ستشتد تداعياتها في ظلّ الإضرابات المتوقعة في قطاع النقل ولا سيما القطارات في مساراتها الداخلية والأوروبية.
عيد الميلاد، الثلج، الزينة، ليلة رأس السنة، عيد القديس نيكولا، هي بالنسبة للكثيرين تتناغم وتتقاطع في نهاية العام مع الحفلات والهدايا ولم شمل الأسرة. في السنوات الأخيرة، يبدو أن تقليداً جديداً، أكثر ترويعاً، قد فرض نفسه: الخوف من تقنين كهربائي لا تعرف مواعيده وسيحل في حال حصوله كنيزك ينتزع فرحة المواطنين ويزيد من معاناتهم المتفاقمة أساساً بموجة التضخم غير المسبوقة.
إعتاد الفرنسيون على تحويل أعيادهم الدينية والوطنية إلى مهرجانات زاخرة بالأضواء والبهرجة والزينة كجزء من إعتداد فرنسا بعظمتها وثرائها. لكن الأحوال تغيرت في الصميم العام الحالي. بات شد الحزام في الإنفاق وتحكيم الضمير في إستهلاك الطاقة عنواناً يومياً في وسائل الإعلام والتوجيهات الحكومية ويتردد صداه قلقاً وحسرةً في منازل الفرنسيين.
أسئلة كثيرة في كل بيت ومتجر وحانوت ومقهى ومطعم عما ستؤول إليه الأعياد، في ظلّ فقدان الثقة بالإجراءات الحكومية المتناقضة بين التحذير من إنقطاعات للكهرباء والتطمين بقدرة المؤسسات على تخفيف الأضرار وإيجاد البدائل.
وتراجعت عهود الرخاء والنعيم لكأن الفرنسيين فقدوا جل الإمتيازات التي حظيوا بها قبل الحرب في أوكرانيا، وتورط عاصمتهم في صراع، لا ناقة لهم فيه ولا جمل، إلا بما يخدم مصالح وإرتباطات الليبرالية الجديدة الخاضعة لسلطة واشنطن. هو إستنتاج بات متداولاً على ألسنة معظم الفرنسيين في التظاهرات أو على وسائل التواصل الإجتماعي ولسان حال الجميع دعوة ملحة للإنفكاك عن الناتو وأميركا.
وقد يكون من المبالغة القول إنّ فرنسا ستعود إلى عصر ما قبل الكهرباء، لكن الفرنسيين يتوجسون فعلياً من دعوة حكومتهم إلى التركيز على الحطب في فصل الشتاء القارس للتعويض عن إستهلاك مواد الطاقة الأخرى من غاز وكهرباء.
دعوةٌ تضع فرنسا في وضع هش، بعد أن كانت تصدر الطاقة الكهربائية إلى جيرانها وتتفاخر بمفاعلاتها النووية الضامنة لأمن فرنسا في مجال الطاقة، إذا كشفت التقارير عن تهالك العشرات منها وعدم صلاحيتها للتشغيل في أوقات الشدة.
من جهة، يضع الفرنسيون أيديهم على قلوبهم مخافة المجهول الآتي، ومن جهة أخرى يفتشون في جيوبهم عن بقايا مدخرات تتآكلها أزمة التضخم المتصاعدة كل يوم تقريباً من دون أن يكون في الأفق أمل بحلّ قريب.