فرنسا تطمح أن تكون «جارة» لمنغوليا واستغلال ثرواتها من اليورانيوم والمعادن النادرة.
جمهورية منغوليا المحشورة بين روسيا من الشمال والصين من الجنوب، تبحث عن سبيل لتخفيف اعتمادها على جارتيها الكبيرتين. ورغم أن فرنسا تبعد عنها تسعة آلاف كلم، فإنها تطمح لأن تكون الجارة الثالثة لهذا البلد الذي لا يزيد عدد سكانه عن 3.5 مليون نسمة، فيما مساحته تزيد على 1.5 مليون كلم مربع. وهذه المساحة بالتحديد هي ما تهم فرنسا، بالنظر لثرواتها التي تختزنها أرضها من اليورانيوم والمعادن النادرة.
وفي 21 مايو (أيار) الماضي، قام الرئيس إيمانويل ماكرون بزيارة لمنغوليا (عاصمتها أولام باتور) هي الأولى من نوعها لرئيس فرنسي منذ إقامة علاقات دبلوماسية بين الطرفين في العام 1965. وبحسب بيان صادر عن الإليزيه وقتها، فإنها فتحت الباب لتعزيز العلاقات في العديد من المجالات بين الجانبين، بحيث إن الرئيس المنغولي يقوم حاليا بزيارة دولة إلى فرنسا (وهي الأرقى في سلم تصنيف الزيارات الرسمية) تدوم ثلاثة أيام. وتأمل باريس، بحسب ما أكده مصدر رئاسي، ترجمة هذا التقارب إلى اتفاقيات.
يعتبر الإليزيه أن التقارب بين منغوليا وفرنسا يعكس رغبة مشتركة، ويستجيب لحاجات كل طرف. فمن الجانب المنغولي، ترى باريس أن أولام باتور تسعى لتنويع شراكاتها، والخروج من العباءة المزدوجة الروسية ــ الصينية بالانفتاح على شريك جديد هو فرنسا. أما من الجانب الآخر، فإن باريس تعتبر أنها قادرة على مساعدة منغوليا من خلال الشراكات التي يمكن نسجها في ملفات رئيسية مثل الطاقة والنقلة البيئوية والزراعة والصناعات الغذائية والأمن المدني، ولكن (وخصوصا) تطوير استغلال ثرواتها التي تحتضنها أراضيها، وعلى رأسها احتياطاتها الكبيرة من اليورانيوم والمعادن النادرة، ومنها الليثيوم.
ولأن هذه الآفاق تستحق من باريس كل اهتمام وعناية، فإنها قررت أن تفرش السجاد الأحمر تحت قدمي الرئيس المنغولي أوخنا خورلسوخ الذي يقوم بزيارة دولة لثلاثة أيام يستقبله خلالها الرئيس ماكرون في قصر الإليزيه الخميس، ويقيم على شرفه عشاء رسميا بحضور ما لا يقل عن مائة شخص.
وينتظر أن تترافق الزيارة مع توقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية مع الشركات الفرنسية التي تشجعها الحكومة على الاستثمار في الفرص التي يوفرها الاقتصاد المنغولي. وتريد باريس، بحسب المصدر الرئاسي، «بناء شراكة متميزة» مع منغوليا، علما بأن برنامج الزيارة يتضمن منتدى اقتصاديا يوفر الفرصة للرئيس المنغولي لأن يتحدث فيه لرجال الأعمال الفرنسيين، ويعرض حاجات وطموحات بلاده من العلاقات المتجددة مع فرنسا.
وعين فرنسا على يورانيوم منغوليا. ولباريس، عبر مجموعة «أورانو» حضور سابق في منغوليا يعود لـ15 عاما. وتسعى المجموعة الفرنسية، بدعم من السلطة السياسية الفرنسية التوصل إلى إبرام اتفاق بقيمة مليار يورو بينها وبين الدولة المنغولية لاستكشاف واستغلال اليورانيوم بالتشارك بين الطرفين في حقل واسع.
وتشكو المجموعة الفرنسية من أن المفاوضات تتمدد زمنيا، وثمة رغبة فرنسية في أن تكون زيارة الرئيس المنغولي مناسبة لتوقيع الاتفاق بفضل دعم الرئيس ماكرون الخميس.
وقال المصدر الرئاسي، إن الحقل المذكور يمكن أن يمثل ما لا يقل عن 4 في المائة من الإنتاج العالمي من اليورانيوم. وتقدر باريس أن فوزها بهذا المشروع يمكن أن يؤمن لها أمرين: الأول، ضمان توفير اليورانيوم الطبيعي الاستراتيجي لصناعتها النووية التي تعتمد عليها بنسبة عالية لإنتاج الكهرباء، حيث تعدّ رائدة على المستويين الأوروبي والعالمي في الاعتماد على هذه الصناعة. والثاني، توفير الاحتياط اللازم وعلى المدى الطويل لقوة الردع الفرنسية النووية خصوصا أن مستقبل حضور مجموعة «أورانو» في النيجر لم يعد مضمونا بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم «صديق» فرنسا والغرب ومجيء مجلس عسكري سارع إلى المطالبة برحيل القوات الفرنسية عن بلاده.
ووفق قراءة المصدر الرئاسي الفرنسي، فإن الفوز بهذا العقد الرئيسي سيفتح الباب أمام توقيع عقود أخرى استثمارية في استخراج المعادن ومنها على وجه الخصوص المعادن النادرة.
ولا تنسى فرنسا، إلى جانب اهتماماتها السياسية والاقتصادية، الجوانب الثقافية كرافعة لتعزيز العلاقات مع منغوليا. من هنا، أهمية المعرض الذي تستضيفه مدينة «نانت» (غرب فرنسا) والمخصص لملحمة جنكيز خان وللإمبراطورية المنغولية بشكل عام. وسيقوم الرئيس المنغولي بتدشين المعرض الأول من نوعه في أوروبا والذي سيوفر الفرصة للزائرين للاطلاع على إرث الشخصية الأسطورية التي أرهبت أوروبا في زمانها، أي أواخر القرن الثاني عشر والربع الأول من القرن الثالث عشر.
وسبق لماكرون أن زار المعرض المخصص له في العاصمة المنغولية خلال زيارته لها في مايو الماضي.