
حسين زلغوط
خاص-رأي سياسي
منذ ان انهى الموفد الفرنسي جان ايف لودريان زيارته الى بيروت بعد ان اجرى لقاءات ومشاورات مع غالبية القوى السياسية بحثاً عن مخرج لأزمة انتخاب رئيس للجمهورية ، فانه لم تبرز اي معطيات توحي بأن الاستحقاق الرئاسي في طريقه الى الإنجاز ، بل على العكس فان كل المؤشرات تدل على ان الامور “مكربجة” على هذا الصعيد، وان كل ما يجري بهذا الشأن يصح فيه القول انه كمن يفتش عن إبرة في كومة قش، وان مهمة رأس الدبلوماسية الفرنسية في هذا السياق أقرب من ان تكون نحت في صخر، وكل ذلك يؤدي الى نتيجة واحدة وهي ان أمد الفراغ سيطول، وان الساحة السياسية مقبلة على المزيد من الكباش السياسي في ظل استحقاقات مقبلة لا قدرة للعاملين في الحقل السياسي على حلها، ويأتي في مقدمة ذلك نهاية ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ، حيث باتت هذه المسالة كلغز يصعب حله، وقد برز ذلك في حالة التخبط والارباك التي عكستها غالبية المواقف السياسية التي عبرت عن عجز فاضح في الدلالة على الحل الدستوري والقانوني الذي يمكن اعتماده لتعبئة الشغور في رئاسة حاكمية مصرف لبنان بعد ان بات انتخاب بديل عن سلامة من سابع المستحيلات في ظل الواقع السياسي الراهن.
واذا كان هذا الاستحقاق المالي المتمثل بنهاية ولاية سلامة والتفتيش عن مخرج لهذه الازمة التي لم يشهد لبنان مثيلا لها منذ نيله استقلاله حتى اليوم سيكون الشغل الشاغل لمختلف الاطياف السياسية طوال المدة الفاصلة عن نهاية الشهر الحالي، فان الاستحقاق الرئاسي ايضا سيبقى موضع جدل واسع نتيجة الانشطار السياسي الموجود ، وكذلك نتيجة تمترس كل الافرقاء وراء مواقفها التي تؤصد الابواب امام اية محاولة للحل.
من هنا فان الانظار ستتجه مجددا الى العاصمة الفرنسية حيث من المقرر ان يضع لودريان حصيلة لقاءاته في لبنان في عهدة الرئيس ايمانويل ماكرون الذي ورغم انشغاله بالمستجدات الفرنسية الداخلية ما زال الوضع اللبناني محط متابعة من قبله ، وهو سيبني على الشيء مقتضاه بعد ان يقوم بجوجلة كل الافكار والطروحات التي ضمنها لودريان في تقريره، والتي تتقاطع وفق ما يعلن من مواقف عند نقطة اساسية وهي استحالة انتخاب رئيس في ظل موازين القوى الموجودة تحت قبة البرلمان، وانه لا بد من وضع الية لحوار بين القوى السياسية للاتفاق على خارطة طريق لمعالجة القضايا الخلافية وفي اولويتها الاستحقاق الرئاسي الذي يعتبر الممر الإلزامي للشروع في البحث بباقي الملفات والعمل على معالجتها.
واذا كان اكثر من فريق وتحديداً “القوات اللبنانية” قد بدأ باطلاق النار على اي فكرة للحوار واعتبار ذلك بأنه مضيعة للوقت ، وأن المراد منه الانقلاب على الطائف، فان فرنسا ترى انه لا بد من الانصياع لفكرة الحوار بعد ان نفذت كل المحاولات التي يمكن اعتمادها لتعبيد الطريق امام رئيس توافقي يملء الشغور في قصر بعبدا.
ومن هنا فان لودريان الذي لديه اطلاع واسع على الواقع اللبناني ، سيجد نفسه مرغما على دق ابواب الدول المؤثرة للمساعدة على تحضير المناخات الملائمة لمثل هذا الحوار وهو لذلك ربما يزور المملكة العربية السعودية وايران ودول اخرى قبل ان يعود الى لبنان في حال بقي موعد الزيارة قائما في النصف الثاني من الشهر الحالي، لأن لودريان يعتبر ان محاولته هذه تعتبر الخرطوشة الاخيرة التي يمكن استخدامها لبلوغ الحل المنشود، وانه في حال فشلت المساعي الفرنسية فان ذلك يعني ان الوضع في لبنان سيفتح على كل الاحتمالات التي سيكون احلاها مر، لان فرنسا كما غيرها من الدول المتابعة للشأن اللبناني ترى ان الحل في لبنان مستحيلا ما لم تتدخل طهران والرياض مباشرة في نزع الالغام الموجودة على طريق القصر الرئاسي، مع الاشارة هنا الى ان الرئيس ماكرون طلب في كل لقاء جمعه وولي العهد السعودي محمد بن سلمان التدخل للمساعدة على الحل في لبنان ولم يلق التجاوب المطلوب ، وفي موازاة ذلك فان ايران حتى اللحظة تنأى بنفسها عن الملف الرئاسي وتعتبر ذلك شأنا داخليا وانها تضع ثقتها بما يقرره “حزب الله” بهذا الخصوص، وهو ما يعني ان الملف الرئاسي من غير المتوقع له ان يوضع على سكة الحل في وقت قريب.