رأي

فرض الجزائر تأشيرة على المغاربة.. قرار من ضمن قرارات فاشلة

كتب محمد ماموني العلوي في صحيفة العرب.

العداء الجزائري ضد المغرب عقيدة مستمرة منذ عهد بومدين الذي فشل في محاصرة المملكة ومن المرجح أن نرى المزيد من هذه السلوكيات في الولاية الثانية من رئاسة عبدالمجيد تبون.

بقاء عبدالمجيد تبون رئيسا للجزائر لولاية ثانية، توج بإجراء جديد يستهدف المغرب، وذلك بالإعلان عن فرض التأشيرة على المواطنين الحاملين للجواز المغربي الراغبين في دخول الجزائر. وبرر القرار بمزاعم “انخراط المغرب في أفعال شتى تمس باستقرار الجزائر وبأمنها الوطني، خاصة شبكات متعددة للجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات والبشر، ناهيك عن التهريب والهجرة غير الشرعية وأعمال التجسس”.

الخارجية الجزائرية لم تأت بدليل يؤكد حديثها عن “تصرفات مغربية تشكل تهديدا مباشرا لأمن البلاد، مما يستوجب مراقبة صارمة على الدخول والإقامة في الجزائر عند جميع النقاط الحدودية، مع تحميل المغرب المسؤولية الكاملة عن تدهور العلاقات الثنائية بين البلدين، واصفة سلوكياته بالعدائية والعدوانية”، إنها مجرد ادعاءات تساعد فقط في الهروب إلى الأمام لنظام يختلق الأعذار ولو كانت عبثية وبعيدة عن الواقعية.

كيف للخارجية الجزائرية أن تحمل المغرب “مسؤولية المسار الحالي لتدهور العلاقات الثنائية بفعل تصرفاته العدائية والعدوانية ضد الجزائر”. من الذي أشهر سلاح العداوة ضد المملكة وهدد وحدتها الترابية؟ أليس هو النظام الجزائري الذي يدعم بلا هوادة جبهة انفصالية تريد فصل جنوب المغرب عن شماله؟

العداء الجزائري للمغرب ازدادت حرارته مع ازدياد عدد الدول الأوروبية، منها العواصم الرئيسية باريس ومدريد وبرلين، الداعمة لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية، وتبعتها يوم الخميس 26 سبتمبر الجاري، الدنمارك التي أعلن وزير خارجيتها، لارس لوكي راسموسن أن “مخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب في 2007 مساهمة جادة وموثوقة في المسار الأممي الجاري وأساس جيد من أجل حل متوافق عليه بين جميع الأطراف لحل نزاع الصحراء”.

أدرك النظام الجزائري أن استمرار الأزمة بين البلدين فيه مزايا كثيرة تخدم قرار قطع علاقات بلدهم الدبلوماسية مع الرباط وإغلاق المجال الجوي في وجه الطائرات القادمة من المغرب، ومنع استيراد البضائع انطلاقا من الموانئ المغربية، ومن مزاياه التغطية على الفشل الذريع في تحقيق التنمية المنشودة للشعب الجزائري، والتغطية على تناقضات سياسته ودبلوماسيته، وخلق زوبعة للتغطية على تعاقده مع إحدى اللوبيات داخل الولايات المتحدة للدفاع عن مصالحه رغم ارتباطه بعلاقات مباشرة مع إسرائيل، التي تدعي الجزائر مناهضة سياساتها.

كان الرد المغربي دائما هادئا متوازنا، ودعا العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطابات رسمية ومباشرة النظام الجزائري إلى التوافق ونبذ السلوكيات التي أثرت سلبا على العلاقات بين البلدين والشعبين.

استمرار النظام الجزائري في اختلاق المشاكل مع المغرب لن يفيده سوى تكريس القطيعة والعداوة من طرف واحد. الرد المغربي على القرارات الفاشلة التي اتخذها النظام الجزائري كان التجاهل، بل كانت هناك مناسبات مد فيها المغرب يد الصلح دون شروط مسبقة.

شعرت الجزائر بخطر الخطوات التي يقوم بها المغرب أفريقيا ودوليا خصوصا بعدما قرر القطع مع سياسة الكرسي الفارغ والعودة إلى الاتحاد الأفريقي في العام 2016، وهو ما عارضه النظام الجزائري بشدة تحت مبرر أنه لا يتوافق مع الأنظمة الداخلية للاتحاد، ولكن مع ذلك تحققت العودة واسترجعت المملكة المقعد الذي جمدته منذ 1984 بعد تسهيل النظام الجزائري دخول جبهة بوليساريو إلى الاتحاد الأفريقي.

تراكم النجاحات المغربية مقابل تراجع جزائري في قضية الصحراء والاعترافات المتتالية بأحقية المغرب بصحرائه، دفع الجزائر لتخرج من جرابها قرارا فريدا فارغا في جوهره وتأثيره.. ما معنى أن تفرض التأشيرة على مغاربة لديهم أقارب داخل الجزائر يريدون التواصل معهم لا غير؟ ليست الجزائر مكانا مثاليا لقضاء عطلة سياحية، وبالتالي ماذا سيتحقق من وراء هذا القرار العبثي؟ لا شيء سوى تأكيد الفشل الجزائري في الرد على نجاحات المملكة في عدد من القضايا والملفات وعلى رأسها الصحراء.

بعيدا عن تشنج السياسة الجزائرية، يتحرك المغرب وفق خطة إستراتيجية بعيدة المدى ومن خلال محطات تكتيكية وفق الظروف والمتغيرات، لا يسمح لاستفزازات النظام الجزائري بأن تبعده عن الرصانة والرد المبني على معطيات واقعية وتقدير دبلوماسي يستحضر الحس الإنساني. بالتالي، أن تقوم الجزائر بمثل هذا التصرف لا يعني في لغة الدبلوماسية أي شيء مادامت العلاقات مقطوعة من طرف النظام الجزائري. ولا يعني أيضا أن يتعامل المغرب بالمثل ويفرض التأشيرة على حاملي الجواز الجزائري خصوصا أولئك الذين يودون زيارة المغرب للتواصل مع أقربائهم.

قرار فرض التأشيرة على المغاربة ليس الأول من نوعه، لكنه مناسبة لنضيفه إلى عدد من القرارات التي اتخذتها الرئاسة الجزائرية بتوجيه من كبار القادة العسكريين ورؤساء الأجهزة الاستخباراتية، منها تلك المحاولة التي دافع عنها الرئيس عبدالمجيد تبون قبل أشهر، لخلق بديل عن الاتحاد المغاربي القائم حاليا؛ اتحاد من ثلاث دول تهدف إلى عزل المغرب عن محيطه المغاربي والأفريقي أيضا، وذلك للتغطية على مسؤولية الجزائر عن إفشال مشروع مغاربي اقتصادي وسياسي قوي.

سلوك الجزائر مكشوف ويعبر عن عدم نضج سياسي ودبلوماسي. كلما حقق المغرب خطوة في اتجاه دعم وحدته الترابية وتوسيع مروحة شركائه، إلا وكان النظام الجزائري على استعداد لرفع تحدي منسوب العداء ضد الرباط. ولن نقول إن قرار التأشيرة ناتج عن صراع أجنحة النظام، لأن العداء ضد المغرب عقيدة مستمرة منذ عهد الهواري بومدين، الذي فشل في محاصرة المملكة جغرافيا واقتصاديا وسياسيا ودبلوماسيا وتقليص ظل المغرب أفريقيا. ومن المرجح أن نرى المزيد من هذه السلوكيات في الولاية الثانية من رئاسة عبدالمجيد تبون.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى