فرضيات نشأة فيروس كورونا المستجد
ما زال أصل فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” لغزا، فما آخر المعطيات حوله؟ وهل سنتمكن يوما من معرفة كيفية نشأته؟
كان تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية في مارس/آذار الماضي قد دعا إلى إجراء مزيد من الدراسات وتوفير مزيد من البيانات عن منشأ فيروس كورونا، مؤكدا وقتئذ “أن جميع الفرضيات لا تزال مطروحة”.
ما رأي المخابرات الأميركية؟
نبدأ مع أحدث المعطيات، إذ قالت أجهزة المخابرات الأميركية الجمعة إنها ربما تكون غير قادرة نهائيا على تحديد منشأ “كوفيد-19″؛ وذلك في صياغة جديدة أكثر تفصيلا أصدرتها عن رؤيتها المتعلقة بما إذا كان فيروس كورونا انتقل من الحيوانات إلى البشر أم تسرّب من أحد المعامل.
وقال مكتب مدير المخابرات الوطنية الأميركية -في تقرير نُزعت عنه السرّية- إن كلا من المنشأ الطبيعي والتسرب من معمل افتراض معقول في ما يتعلق بالكيفية التي أصيب بها البشر في البدء بـ”سارس-كوف-2″.
لكنه أضاف أن المحللين يختلفون في أيهما الأكثر ترجيحا أو ما إذا كان ممكنا الوصول إلى تقييم نهائي.
واستبعد التقرير أيضا الافتراضات التي تذهب إلى أن فيروس كورونا نشأ باعتباره سلاحا بيولوجيا، ورأى أن القائلين بهذه النظرية “ليس لديهم منفذ مباشر إلى معهد ووهان لعلم الفيروسات” في الصين حيث اكتشفت الإصابات الأولى بالمرض، وإنهم متهمون بنشر الأكاذيب.
ما النظريات الحالية لنشأة فيروس كورونا؟
1- الانتقال إلى الإنسان عبر مضيف وسيط
في هذا السيناريو فإن حيوانا مصابا نقل الفيروس إلى حيوان آخر، ثم نقله إلى إنسان، والإنسان المصاب، من دون علمه، نشر الفيروس للآخرين الذين كانوا على اتصال به، فأدى ذلك إلى تفشي الوباء.
وبينما عُثر على الفيروس في حيوانات مثل الخفافيش والبانغولين، إلا أن هناك رابطا مفقودا، ويعتقد أن هذا يرجع إلى أنه قد يكون هناك حيوان وسيط مرّ به الفيروس قبل أن يتلامس مع إنسان. وقد أظهر فيروس كورونا أنه قابل للتكيف بدرجة كبيرة، ويمكن أن يصيب الحيوانات الأخرى (مثل المنك والنمور والقطط والكلاب وغيرها) أيضا.
2- انتقال العدوى مباشرة من حيوان مصاب
في هذا السيناريو حدث انتقال مباشر من حيوان إلى إنسان، من دون وجود أي حيوان وسيط، ثم استمر الفيروس في الانتشار بين البشر.
3- الطعام المجمد
هذا السيناريو يقترح أن المنتجات الغذائية المجمدة يمكن أن تكون وسيلة لانتقال الفيروس من حيوان مصاب إلى مجموعة من الناس.
يمكن أن ينتشر الفيروس عبر المنتجات الغذائية أو العبوات، وكانت هناك بعض الأدلة على وجود الفيروس في الأطعمة المجمدة المستوردة إلى الصين، لكنها محدودة.
4- تسرّب من المختبر
وفق هذا السيناريو فإن الفيروس تسرّب من مختبر في الصين أو إنه تم هندسته بيولوجيا، وهذا يتضمن أن أحد العاملين في المختبر أصيب بطريق الخطأ ثم انتشر الفيروس.
هل تلاعبت مختبرات ووهان فعلا بفيروسات كورونا؟
في التقرير الذي نشرته صحيفة “لوفيغارو” (lefigaro) الفرنسية، قال الكاتب أدريان جولمز إن الباحثين تمكنوا جزئيا من تأكيد بعض الشكوك المتعلقة باحتمال أن تكون مختبرات ووهان قد تلاعبت جينيا بفيروسات كورونا، خلافا لما صرّحت به رسميا في وقت سابق. ويبدو أيضا أن منظمة “إيكو هيلث ألاينس” (EcoHealth Alliance) غير الحكومية -التي موّلت قسما من هذه الأبحاث من الأموال العامة الأميركية- تفتقر بشكل فريد إلى الشفافية بخصوص هذا الشأن.
وأشار الكاتب إلى أن هذه الاكتشافات جعلت أنتوني فوسي -كبير مستشاري جو بايدن للقضايا الصحية ومدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية- في مأزق لأنه سبق أن أخبر مجلس الشيوخ هذا الصيف أن المعاهد الوطنية للصحة لم تموّل بحوثا تتضمن التلاعب الجيني بفيروس كورونا.
بعدما يقرب من 22 شهرا من انتشار الوباء، أقرّت المعاهد الوطنية للصحة الأسبوع الماضي -في رسالة إلى الكونغرس- بأن منظمة “إيكو هيلث ألاينس” قد موّلت بالفعل البحوث التي يجريها معهد علم الفيروسات في ووهان على فيروسات الخفافيش. وتهدف هذه البحوث إلى تحوير الفيروس لجعله أكثر عدوى للبشر، وهو أمر لا يزال موضع خلاف كبير بين العديد من الباحثين بسبب خطورته.
توضح الرسالة أيضا أن منظمة “إيكو هيلث ألاينس” قد انتهكت شروط منحة المعاهد الوطنية للصحة من خلال عدم الإبلاغ عن نتيجة الأبحاث التي تسببت في زيادة عدوى الفيروس بـ10 أضعاف، وقد وصفت المعاهد الوطنية للصحة في رسالتها نتيجة هذا البحث بأنها “غير متوقعة”، لكنها امتنعت عن استخدام مصطلح الكسب الوظيفي.
أثيرت هذه الأسئلة ثانية في بداية سبتمبر/أيلول، عندما نشر الموقع الإخباري “ذي إنترسبت” أكثر من 900 صفحة من الوثائق التي حصل عليها في إطار القانون الأميركي لحرية المعلومات بشأن منح المعاهد الوطنية للصحة المقدمة إلى منظمة “إيكو هيلث ألاينس”.
ومن بين هذه الوثائق طلبا منحة قدمتهما المنظمة غير الحكومية؛ قدم أحد المقترحات تحت عنوان “فهم مخاطر ظهور فيروسات كورونا التي تصيب الخفافيش”، وتصف الوثيقة بالتفصيل مشروع بحث على فيروسات الخفافيش التاجية في ووهان يحتمل أن يكون خطيرا. لم تتضمن النسخة الأولى من هذه الوثائق التي حصل عليها موقع “ذي إنترسبت”، بعد أكثر من عام من طلبها، أحدث التقارير عن مدى تقدم ملف المنحة الذي كان من المفترض أن تقدمه منظمة “إيكو هيلث ألاينس” في نهاية عام 2019.
وقد أدرج هذا التقرير في النهاية في رسالة المعاهد الوطنية للصحة إلى الكونغرس الأسبوع الماضي. وتصف الوثيقة المؤرخة في أغسطس/آب 2021 “تجربة محدودة” كانت فيها حالة فئران التجارب المصابة بالفيروس المعدل أسوأ من تلك المصابة بـ”الفيروس الطبيعي”.
في 20 سبتمبر/أيلول ظهر عنصر آخر مثير للقلق بشأن دور منظمة “إيكو هيلث ألاينس” ومديرها بيتر دازاك، بعد أن قامت مجموعة من المحققين المستقلين الذين يطلقون على أنفسهم اسم “دراستيك” (Drastic). (اختصارا للفريق الراديكالي والمستقل واللامركزي للتحقيق في كوفيد-19) بنشر تقرير طلب منحة بقيمة 14 مليون دولار تقدمت به المنظمة غير الحكومية في عام 2018 إلى وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة (داربا) -وكالة تابعة للبنتاغون وتموّل الأبحاث- وقد اقترحت المنظمة غير الحكومية الشراكة مع معهد ووهان لعلم الفيروسات لإجراء تجارب تلاعب جيني على فيروسات كورونا.
المخاطر المرتبطة بالبحث
رفضت داربا الاقتراح معتبرة أنه لا يأخذ بالاعتبار المخاطر المرتبطة بالبحث، لكنه أذهل الباحثين لا سيما الإشارة إلى جزء مميز من الشفرة الجينية لـ”سارس كوف-2″ يجعل الفيروس أكثر عدوى من خلال السماح له باختراق الخلايا بفعالية.
يقول الكاتب إن كل هذه الوثائق تتعارض جزئيا مع تصريحات الدكتور أنتوني فوسي الذي نفى أمام الكونغرس الأميركي في يوليو/تموز الماضي تمويل المعاهد الوطنية للصحة عن علم بحثا في مجال التلاعب الجيني بالفيروسات، وذلك ردا على اتهامات وجهها السيناتور الجمهوري عن ولاية كنتاكي راند بول. مع ذلك، اعترف فوسي بأنه غير متأكد من كيفية استخدام المختبر الصيني للمنح التي تلقاها. وتعليقا على ذلك، قال السيناتور بول -في مقابلة مع أكسيوس يوم الأحد- إن الدكتور فوسي “يجب أن يطرد بسبب افتقاره إلى الحنكة”.
من جهته، أفاد الدكتور فوسي في تصريح له لقناة “إيه بي سي” (ABC) بأنه يختلف بشدة مع السيناتور بول وأنه مخطئ كثيرا؛ موضحا “لا أنا ولا الدكتور فرانسيس كولينز -مدير المعاهد الوطنية للصحة- كذبنا أو ضلّلنا الرأي العام بشأن ما فعلناه؛ من المستحيل أن تتحول الفيروسات التي عملنا عليها إلى كوفيد-19”.
يشير التقرير إلى أن معظم وكالات الاستخبارات تشك في احتمال أن يكون كوفيد-19 “غير معدّل وراثيا”، لكنها لا تملك أدلة كافية للتوصل إلى نتيجة قاطعة.
ومع أن الاكتشافات الأخيرة لا تؤكد فرضية أو تنفي أخرى، فإنها تشير إلى غياب الشفافية في التمويل المقدم لأبحاث الفيروسات الصينية من قبل الوكالات الفدرالية الأميركية.
المصدر – الجزيرة + وكالات + لوفيغارو + منظمة الصحة العالمية