فرصة النافذتين: صندوق النقد والتفاوض البحري

روزانا بو منصف – النهار
يتوجه ديبلوماسيون الى اركان السلطة الذين اعادوا انتاج انفسهم وتثبيت شرعيتهم بناء على #الانتخابات النيابية برسائل واضحة تتصل بان مقاربتهم للاستحقاقات الداخلية ستقرر مصير لبنان في المرحلة المقبلة وما اذا كانوا سيتمكنون من وضع لبنان على طريق النهوض او المزيد من الانهيار الذي كانوا دفعوا البلد اليه. هذه الاستحقاقات لا تتمثل باستكمال اعادة انتاج السلطة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية في الموعد المحدد وتأليف حكومة جديدة فحسب بل باظهار مستوى من الجدية في استكمال وضع الاتفاق المبدئي الموقع مع صندوق النقد الدولي موضع التنفيذ سواء عبر حكومة جديدة او حكومة تصريف الاعمال انطلاقا من ان المهمة الاساسية في خلال الاشهر الثلاثة المقبلة تقع على عاتق مجلس النواب في شكل اساسي لاقرار القوانين المحالة اليه على هذا الصعيد. ولا يهم اذا استمرت راهنا حكومة تصريف الاعمال ولم تتألف حكومة قبل موعد انتخاب رئيس جديد اذ يبدو مضمرا لدى الديبلوماسيين المعنيين عدم الضغط كثيرا من اجل تأليف حكومة راهنا من دون الغاء ذلك من ادبياتهم الخطابية ورسائلهم الى المسؤولين ورؤساء الاحزاب على حد سواء. ويعود ذلك الى احتمال ان يطيح تأليف حكومة جديدة بالمعايير التي يتم تداولها اي عدم دخول المعارضة اليها بما يجعلها اقرب الى الحكومة الحالية . وهو امر من شأنه ان يؤثر سلبا على الصعيد الخارجي لان التغيير ولو البسيط في الانتخابات لن ينعكس في الحكومة الجديدة ، الامر الذي يعني مواقف بعض الدول لا سيما الدول الخليجية على حذرها وتحفظها ازاء مكونات الحكومة العتيدة.الامر الذي يعني امكان اعطاء فرصة انتخاب رئيس جديد في الموعد المحدد انطلاقا من ان عدم تأليف الحكومة سيكون محرجا وضاغطا في شكل اكبر على القوى في السلطة من اجل انتخاب رئيس اولا فتأليف حكومة جديدة لاحقا تحت طائل تعطل مجلس النواب الذي سيتحول هيئة ناخبة بدءا من نهاية آب المقبل . ولذلك هناك نافذة متاحة له خلال ما تبقى من مهلة فاصلة عن هذا الموعد لاثبات نفسه والمساهمة في وضع لبنان على طريق النهوض .يضاف الى ذلك الاعتقاد بان ثمة هامشا سيبقى متاحا امام حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بالمضي في الاتفاق الموقع مع صندوق النقد متى اقر المجلس النيابي القوانين المطلوبة.
الاستحقاق الاخر الذي اعيد فتح الفرصة فيه مجددا وهو نافذة حقيقية يفترض بلبنان عدم تفويتها في ظل ما يجري في المنطقة في شكل خاص على صعيد التوافقات لاستثمار الطاقة ، هو المتعلق بالمفاوضات حول الحدود البحرية مع اسرائيل والذي يقول الديبلوماسيون ان السلطة الحالية يمكنها ان تستدرج ثقة محتملة بها من الخارج بناء على مقاربتها المفترضة لهذا الملف الذي ينذر في حال لم يتلقف لبنان الفرصة الحالية باضاعة التقاط موقع يسمح له باستثمار ثروته البحرية المفترضة لانها سترمي به سنوات الى الوراء في مقابل تقدم الدول المحيطة لتزويد دول المنطقة والاتحاد الاوروبي. فما ظهر من دلالة في الانتخابات مثلا في سقوط كل حلفاء النظام السوري انما يعزز فكرة انشغال هذا الاخير بمصيره وبكيفية ادارة ما هو متاح لديه بدلا من التطلع الى لبنان المجاور وتكريس التدخل فيه. وهذه الاشارة انما تركز على ان لبنان قد يكون في هذه المرحلة الراهنة على الاقل مسؤولا مباشرا عن كل ما يتخذه من قرارات او اجراءات من دون اهمال تأثره بما يجري في محيطه . وثمة البعض من الديبلوماسيين الذين يرون احتمالا واعدا بناء على موقف ” حزب الله” الذي دفع امينه العام في خلال خطابات له ابان الانتخابات وما بعدها في اتجاه الذهاب الى استثمار الثروة البحرية لانقاذ الوضع الاقتصادي . وهذا لا يمكن حصوله من دون حصول تفاوض مع اسرائيل عبر الوساطة الاميركية من اجل ضمان الامن والاستقرار اللذين يسمحان للشركات المحتملة بالعمل في الحقول النفطية . عدا عن ان هذا الخيار الملازم راهنا لخيار تلبية طلبات صندوق النقد الدولي ، يصعب ان تستعيد السلطة الراهنة اي ثقة من الخارج الذي لا يعتقد ان فوزها في الانتخابات فقط يسمح لها باستعادة هذه الثقة . اذ يبقى هناك تعامل موضوعي وواقعي في حين ان المسار مختلف لكسب الثقة مجددا مبني على التزام قيام لبنان بواجباته تحت طائلة تعريض ابنائه للمزيد من الفقر والجوع . فلن يود اهل السلطة ان يجدوا انفسهم في موقع سريلانكا التي تناشد صندوق النقد ايفاد وفد على مستوى الموظفين في اقرب وقت ممكن من اجل التوصل الى اتفاق يفرج عن بعض الاموال فيما تغرق سريلانكا في ازمة اقتصادية غير مسبوقة بدورها مماثلة الى حد كبير لما يواجهه لبنان فيما باتت سريلانكا تناشد من اجل دعمها غذائيا وبسرعة .
هذا الانخراط الخارجي ازاء لبنان لا يزال مؤمنا ان عبر الوساطة الاميركية او عبر الدفع في اتجاه الصندوق من جانب فرنسا ودول اخرى كثيرة علما انه لا يجب ان يدفع اهل السلطة وفق الديبلوماسيين المعنيين للنوم على حرير ان هناك شبكة امام لا تزال قائمة . وهو كلام قد يفهمه البعض مما اعلنته باربرا ليف مساعدة وزير الخارجية الاميركية عن القلق الكبير من مزيد من الانهيار في لبنان يساور الولايات المتحدة وعدد من دول المنطقة التي عبرت عن ذلك نظرا للتداعيات الخطيرة على مستوى المنطقة وليس لبنان فحسب. وهذا الواقع كان دوما موجودا لدى المسؤولين بمعنى اطمئنانهم الدائم الى ان البلد لن يترك لينهار كليا وثمة من سينقذه في اللحظة المناسبة، فتمادوا في تحقيق مصالحهم على حساب مصلحة البلد متجاهلين حتى درء مخاطر الانهيار على المؤسسات الركائز وفي مقدمها الجيش اللبناني. ولذلك يبقى السؤال كبيرا اذا كان الرهان على اهل السلطة انفسهم الذين خيبوا الامال خلال الاعوام السابقة سيبقى قائما وكذلك بالنسبة الى نجاح الضغوط المحتملة .