فايننشال تايمز: إيران الواثقة من الدعم الصيني تستخدم اليمن لتنفيذ أجندتها ضد إسرائيل
قال الكاتب ديفيد غاردنر في مقال بصحيفة “فايننشال تايمز” إن الهجمات بالصواريخ على الإمارات تعطي إشارة عن عدم رغبة إيران بالتنازل. وقال إن طهران التي زادت ثقتها بالصين، تستخدم اليمن لمتابعة أجندتها ضد إسرائيل. وأضاف أن الهجوم الصاروخي هذا الأسبوع وهو الثالث منذ كانون الثاني/يناير على الإمارات العربية المتحدة يبدو أنه توسيع للرسالة العدوانية من طهران التي ترسلها إلى دول الخليج وعموم الشرق الأوسط، وبنفس السياق تذكير للإمارات بمكامن الضعف في صناعة السياحة والتجارة المنتعشة فيها ووهم سمعة الاستقرار.
وكان الهجوم الأول قد استهدف مطار أبو ظبي الدولي ومنشأة تابعة لشركة النفط الإماراتية أدنوك، وأعلن الحوثيون مسؤوليتهم عنه، إلا أن دقته حملت علامات طهران. وكانت رسالة تحذير للإمارات بألا تدخل من جديد في الحرب التي مضى عليها سبعة أعوام بين الحوثيين والتحالف الذي تقوده السعودية والذي انسحبت منه الإمارات بطريقة أو بأخرى عام 2019. وفي الشهر الماضي، قام مقاتلون دربتهم الإمارات بوقف تقدم الحوثيين بشمال اليمن. ومن الواضح أن هذا جزء من لعبة شد الحبل الشرسة في حرب اليمن.
وجاء هجوم يوم الإثنين متزامنا مع زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحق هيرتزوغ الذي فتحت بلاده علاقات دبلوماسية مع الإمارات عام 2020، في اتفاقيات تطبيع مثيرة للجدل دعمها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. وكانت هذه الاتفاقيات التي زادت دولا عربية إلى مصر والأردن اللتين وقعتا اتفاقيتي سلام عامي 1979 و1994 بمثابة لعنة لإيران وحلفائها من العرب الشيعة في الخليج وبلاد الشام. والمهم هو أن إيران حولت أجندتها بدعم شيعة اليمن باتجاه أجندتها ضد إسرائيل.
وهذه هي السنة السابعة في الحرب التي يخوضها الحوثيون ضد الحكومة المركزية في اليمن، لكنهم هذه المرة يسيطرون على العاصمة صنعاء ويدعمهم حزب الله اللبناني الذي تحول إلى رأس حربة لإيران في العراق وسوريا واليمن.
وتوقعت السعودية تحت قيادة حاكمها الفعلي محمد بن سلمان انتصارا سريعا عندما دخلت الحرب عام 2015. لكنها غرقت في مستنقع من الدمار الذي لا يميز والذي خرجت منه الإمارات عام 2019، وذلك بعد ضرب إيران منشآت النفط السعودية والذي أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عنه. وفشلت المحادثات المتقطعة التي ترعاها الأمم المتحدة والولايات المتحدة بإنهاء الحرب اليمنية. وبات السعوديون يبحثون عن مخرج محترم من الكارثة.
ولكن ما أشارت إليه الأحداث هذا الأسبوع أنه حتى لو حدثت معجزة فإن الإيرانيين قد يستخدمون إسرائيل وعلاقاتها بمنافسيها في الخليج، كأداة استفزاز واليمن كقاعدة لعمل هذا. وهو ما يذكر وإن بشكل ضعيف بمرحلة ما بعد نهاية الحرب التي استمرت 22 عاما لاحتلال إسرائيل جنوب لبنان عام 2000. وعندها أعلن حزب الله وحلفاؤه في دمشق وطهران أن الإسرائيليين لا يزالون يحتلون مزارع شبعا، وهو جيب لم تسمع به إلا القلة من اللبنانيين ووضعته الخرائط الدولية ضمن حدود سوريا.
ولم يظهر الحوثيون على مر السنوات إلا اهتماما قليلا بإسرائيل وفلسطين باستثناء التعبيرات الرسمية التي يدينون فيها لرعاتهم. وبعيدا عن إيران فلديهم موطئ قدم في إقطاعية حزب الله بالضاحية الجنوبية ومحطة تلفزيونية.
وما يكشفه الحادث هو عدم استعداد إيران للتنازل. فالمفاوضات النووية بفيينا لإعادة الاتفاقية النووية التي وقعت عليها ست دول عام 2015 ومزقها دونالد ترامب عام 2018 لم تتحرك قيد أنملة. ومن بين الأشياء التي يطالب بها المتشددون في إيران هي ضمانات أمريكية بأن أي رئيس قادم لن يلغي الاتفاقية النووية معهم، وما لم يطرح للنقاش هو برامج طهران في الصواريخ النووية والدعم الذي تقدمه لوكلائها الشيعة العرب الذين يوسعون تأثيرها فيما يراه جيرانها العرب بأنه إمبريالية فارسية جديدة.
وتحاول قطر الغنية بالغاز الطبيعي والتي قاطعتها السعودية ما بين 2017 -2020 بسبب علاقاتها مع إيران، التوسط بين طهران وواشنطن. وزار وزير خارجية قطر إيران، وفي هذا الأسبوع حل أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ضيفا على البيت الأبيض والتقى مع جوي بايدن، حيث ناقشا عدة أمور منها توفير الغاز القطري إلى أوروبا حالة أدت الأزمة الأوكرانية لقطع الغاز الروسي. لكن الحوار الإيراني لا مفر منه، وبخاصة في ظل المزاج الحالي. وانتقد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، إدارة الرئيس حسن روحاني البراغماتية التي تفاوضت على اتفاقية 2015. واتهمها بالبحث عن تخفيف العقوبات الحمقى في وقت استخدمت فيه الولايات المتحدة العقوبات غير النووية المتعلقة بنشاطها الإقليمي لمنعها من استخدام النظام المالي القائم على الدولار.
ويعني كلامه ضمنيا أن إيران لن تقدم تنازلات مقابل وهم الانفتاح على الغرب. وربما شلت العقوبات الأمريكية إيران، لكنها حصلت على ثقة من الصين، أكبر زبون لنفطها. وضمت بيجين إيران في مبادرتها الحزام والطريق وزادت من رهاناتها في الشرق الأوسط، وبخاصة في الدول الواقعة في الفلك الإيراني مثل العراق. ولكن الصين ليست مهتمة بالخلافات الأيديولوجية والطائفية بالمنطقة، فهي تقدم تكنولوجيا حساسة إلى الإمارات وتساعد السعودية على بناء صواريخها الباليستية وهي لا تميز مثل طهران.