غوتيريش و«المعركة المقدسة»
كتب الهاشمي نويرا في صحيفة البيان.
أعلن الأمين العام للأمم المتّحدة، أنطونيو غوتيريش على هامش منتدى في قطر أنّ «حرب غزّة أصابت مجلس الأمن بالشلل» ونُضيف إنّها ربّما تكون أصابته في مقتل.
الأمين العام للأمم المتحدة كان يتكلّم على خلفية فشل مجلس الأمن الدولي في تبنّي قرار الوقف الفوري لإطلاق النار في غزّة لأسباب إنسانية رغم أنّه قدّر وفق المادّة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، أنّ استمرار العدوان الإسرائيلي على أرض فلسطين يهدّد الأمن والسلم الدوليين.
ومعلوم أنّ الولايات المتّحدة الأمريكية لجأت إلى «الفيتو» لمنع تمرير القرار الذي تقدّمت به دولة الإمارات العربية المتحدة من أجل وقف إطلاق نار فوري لأسباب إنسانية، ومعلوم أيضاً أنّ 13 دولة في مجلس الأمن من أصل 15 ساندت القرار، ومعلوم كذلك أنّ توصية صدرت سابقاً عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 121 دولة طالبت بوقف إطلاق النار، ولكن إسرائيل مدعومة بالولايات المتّحدة اعتبرت أنّ أهداف حربها أهمّ من مقتضيات القانون الدولي الإنساني وهي لذلك قرّرت مواصلة عدوانها وضربت عرض الحائط بكلّ مناشدات وطلبات المجتمع الدولي.
وما قد يفسّر مروق إسرائيل من الالتزام بمقتضيات القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، هو تعويلها الدائم والمضمون على الدعم اللامشروط الذي يقدّمه لها بعض الغرب الليبرالي وتحديداً الولايات المتحدة مهما احتدّت سلوكياتها السياسية العدوانية ومهما أمعنت في خرق القانون وقرارات الشرعية الدولية، وهو الأمر الذي أكّدته أحداث غزّة الأخيرة.
وما قد يفسّر ثانياً نزوع إسرائيل الممنهج إلى الخروج عن الإجماع الدولي وعن منظومة القيم الإنسانية التي تمثّل مشتركاً بين الأمم والشعوب، ما ذهب إليه الكاتب الصحفي في عدد من الصحف الفرنسية أكرم بالقايد من أنّ هناك «ثقافة متغلغلة داخل الطبقة السياسية (في الغرب) تعمل بمقتضاها على ألّا تمثّل منظمة الأمم المتحدة عائقاً أمام مصالح وأمن إسرائيل، وهي التي لم تتعرّض مطلقاً لعقوبات دولية ذات أهمّية» مهما أتت من أفعال عدوانية في حقّ الشعب الفلسطيني.
وقد جاءت تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن أمس لتؤكّد هذا المنحى حيث جدّد الدعم العسكري المتواصل لإسرائيل رغم النصح «بتوخّي الحذر لأنّ الرأي العام الدولي يمكن أن يتغيّر بين عشية وضحاها».
وفي مقابل هذا السلوك السياسي المغالي في المساندة، ذكر أنطونيو غوتيريش أنّه «لن يستسلم» لمنطق خرق القانون الدولي، حتّى إنّه بدا كآخر المدافعين عن المنتظم الأممي وعن القانون الدولي وعن القانون الدولي الإنساني، وإنّ هذا الانحياز للقيم الإنسانية من طرفه لم يكن ليفاجئ الملاحظين الذين يعرفون طينة هذا الرجل النضالية.
هذا البرتغالي الذي تقلّد مناصب مهمّة في بلده وقاد إصلاحات كبرى وتولّى الأمانة العامّة للاشتراكية الدولية ثمّ شغل منصب المفوّض السامي لشؤون اللاجئين في مناخ دولي متفجّر وخصوصاً في العراق، وبعد بان كي مون ترشّح إلى منصب الأمين العام للأمم المتحدة بعد مصادقة مجلس الأمن وفاز بأغلبية ساحقة في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
مواقف غوتيريش ليست إذن من فراغ، فهو على درجة عالية من المعرفة بالتاريخ والتاريخ العربي تحديداً وبإسهامات المنطقة العربية في حضارة الإنسان، وهو إلى ذلك يتمتّع بثقافة عالية وكونية عمّقت إيمانه بدور الأمم المتّحدة في إشاعة السلم والأمن والتنمية المستدامة في العالم، وهو لذلك ساهم في تقوية دور الوكالات الأممية المختصّة ولعب دوراً مهمّاً في دعم دول الجنوب في كلّ الأزمات وخصوصاً في أزمة كورونا.
إنّ الرجل قادم من صلب تجربة نضالية ثرية ومتشبّعة بقيم الإنسانية وهو ما يبدو أنّ دولة الاحتلال الإسرائيلي لم تستوعبه، ما دفعها إلى شنّ الهجوم تلو الهجوم عليه ومطالبته بالاستقالة، وخصوصاً بعد دعواته لوقف الحرب على قطاع غزة وإعلان غوتيريش تفعيل المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، لوصفه الوضع في قطاع غزة وإسرائيل بكونه «تهديداً للسلم والأمن الدوليين».
إنّ المعركة التي يقودها أنطونيو غوتيريش هي معركة قيم ولكنّ العالم محكوم للأسف بموازين قوى مختلّة عصفت بكلّ هذه القيم الإنسانية وهو ما يجعل مصير الفلسطينيين بين أيديهم أساساً رغم إسناد أحرار العالم من أمثال غوتيريش.